تخيل أن تدخل عملية جراحية، يقوم الطبيب بتخديرك ليبدأ عمله، لكن وبدل أن تغطّ في حالة من اللاوعي تحت تأثير المخدر يشل جسمك فقط لكنك تستطيع إدراك ما يدور حولك، تستطيع سماع نقاشات الطبيب مع الممرضات وأصوات الأدوات الجراحية، وتستطيع تحسس ملمسها داخل جسدك… أُدرك أنه تخيُّل مرعب للغاية، وقد يبدو وكأنه مقتطف من فيلم خيال علمي، لكن الأمر ليس كذلك مع الأسف.
يوجد بالفعل حالات كتلك، تُعرف باسم "الوعي تحت تأثير المخدر" سنعرفكم عليها في هذا التقرير، لكن دعونا نفهم أولاً ما هو التخدير تحديداً؟
الوعي تحت تأثير المخدر
في البداية دعونا نتفق على أن هناك أنواعاً مختلفة من التخدير لا تتساوى مع بعضها من ناحية التأثير.
إذ يوجد لدينا على سبيل المثال التخدير الموضعي، وهو النوع الأكثر أماناً وانتشاراً، ويتم من خلاله تخدير عضو معين في جسم الإنسان، بينما يبقى واعياً بشكل عام، وذلك باستخدام مخدر مثل الإيدوكائين أو الأرتيكائين، ولا بد أن معظمنا مر بتجربة التخدير الموضعي، إن لم يكن في المستشفيات العامة ففي عيادات أطباء الأسنان على الأقل.
المخدر النصفي كذلك هو نوع آخر من التخدير الجزئي، لكنه يُعطل الشعور بالألم في منطقة أكبر، ويعتبر التخدير فوق الجافية أحد الأمثلة الشائعة عن التخدير النصفي، ويستخدم لمنع الشعور بالألم في النصف السفلي من جسم المرأة أثناء الولادة.
ومن الجدير بالذكر أن أياً من نوعي التخدير السابقين لا يؤثر على وعي وإدراك المريض.
أما التخدير الوريدي فيُستخدم للعمليات الصغيرة، مثل فحص القولون بالمنظار أو جراحات الأسنان الكبرى، تحت تأثير التخدير الوريدي المُعتدل يكون المريض واعياً، لكنه يكون في حالة من النعاس الشديد، أو النوم الخفيف.
وفي هذا النوع من التخدير لا يشعر المريض بالألم، لكنه قد يكون قادراً على التواصل مع الناس واتباع التعليمات البسيطة الموجهة من الفريق الطبي، لكن على الأرجح لن يتذكر المريض شيئاً مما حدث أثناء التخدير فيما بعد.
أخيراً هناك التخدير الكلي، يُشرف عليه طبيب تخدير متخصص، ويُستخدم في الجراحات الكبيرة، خصوصاً الطويلة منها، يفقد المريض الخاضع للتخدير الكلي الوعي بشكل كامل ولا يتذكر أي شيء عن العملية.
وذلك لأن أغلب الجراحات التي تعتمد على التخدير الكلي تتضمن استخدام عامل مُعيق للإشارات العصبية، الأمر الذي يُسبب شللاً مؤقتاً، ومع أن التخدير الكلي يُعتبر آمناً لكنه ينطوي على أخطار أكثر من غيره من أنواع التخدير.
هل يمكن للمريض أن يكون واعياً أثناء التخدير؟
باختصار، مهما كان نوع التخدير الذي يخضع له المريض أثناء العملية فلا يجب أن يشعر بالألم وفي حالة التخدير الكلي يجب أن يكون المريض غير واع بالمرة، لكن ماذا إن لم تسِر الأمور كما هو مخطط لها؟
في هذه الحالة قد يمر المريض بحالة تعرف باسم "الوعي تحت تأثير المخدر".
في هذه الحالة يكون المريض واعياً بما يحدث حوله، من الممكن أن يسمع أصواتاً وتُخالجه مشاعر وأحاسيس أثناء العملية، في حين أنه من المفترض أن يكون غائباً عن الوعي، قد يتذكر المريض تجهيزات غرفة العمليات أو الجلبة التي تُحدثها المعدات، والبعض قد يتذكر الألم، لكنه عادة ما يكون ألماً ضئيلاً.
يقول المعالج المهني بمنطقة أتلانتا، بن كيلينغ، إنه لن ينسى أبداً إجراء جراحة أسنان مكثفة عندما كان عمره 18 عاماً. يقول: "سمعت الممرضة تعد من خمسة إلى واحد، ثم تقول للطبيب إنه يستطيع البدء، كنت أعرف أنني لم يكن يجب أن أعي شيئاً بعد وصولها للعدد واحد".
كان كيلينغ تحت تأثير التخدير الشديد، لكنه كان يقظاً بما يكفي لسماع وإدراك الكثير مما كان يحدث، "شعرت بالضغط، وفي وقت ما شعرت بنصل بارد على لثتي كان الأمر فظيعاً".
الحالة التي اجتمع فيها لديه الإدراك والرعب والنعاس وخدر الفم، منعت كيلينغ من جذب انتباه أي شخص حتى نهاية الجراحة.
الجدير بالذكر أنه من الشائع أن يُبلغ المرضى عن أحلامهم أثناء التخدير، وتظهر الأبحاث أن معظم الأحلام لا تتعلق بالتخدير أو الوعي، بل غالباً تكون قصيرة وممتعة، وتدور حول مواضيع مثل الأسرة أو السفر.
وبطبيعة الأحوال يعتبر "الوعي تحت تأثير المخدر" تجربة نادرة وفقاً لما ورد في موقع AANA.
كيف يحدث الأمر؟
برغم التقدم الطبي البالغ، فإن تحديد جرعة المخدر لا تزال مهمة يؤديها الطبيب بنفسه، بمساعدة تكنولوجية. ويُعد الخطأ البشري، إلى جانب تعطل المعدات، السبب الرئيسي وراء وعي المرضى أثناء التخدير، وفقاً لما ورد في موقع how stuff works الأمريكي.
لم يعانِ أي من المرضى الذين عملت معهم جين سمارت، ممرضة الصدمات في مستشفى جرادي في أتلانتا، على حد علمها، من الوعي تحت تأثير التخدير، رغم موافقتها على أن الجرعات، أو حتى الدواء، لم يكن دائماً يناسب الجميع.
وتشرح قائلة: "من المؤكد أن (وضع) بعض الأشخاص تحت تأثير المخدر أكثر صعوبة من غيرهم، نحن نستخدم فيرسيد (بنزوديازيبين) في مرحلة ما قبل العملية، قبل التخدير، له تأثير جانبي مفيد يسبب فقدان الذاكرة، إنه الدواء الذي يضع المريض في حالة لا تسمح له بتذكر شيء".
بعض المرضى أيضاً أكثر عرضة لخطر الوعي تحت تأثير التخدير، بما في ذلك أولئك الذين يعانون من مشاكل طبية معينة، أو أولئك الذين عانوا من مشاكل سابقة متعلقة بالتخدير.
الأشخاص الذين لديهم تاريخ من تعاطي المخدرات والكحول لديهم أيضاً فرصة أكبر للاستيقاظ أثناء الجراحة.
تتطلب جراحات الطوارئ، بما في ذلك العمليات القيصرية وبعض جراحات القلب، جرعات أقل من التخدير لسلامة المريض. ويمكن أن تؤدي هذه الأنواع من الإجراءات على الأرجح إلى مستوى معين من الوعي.
هل يُمكن منع استعادة الوعي تحت تأثير المخدر؟
هناك بعض الإجراءات الوقائية التي يمكنك اتخاذها لتقليل احتمالات أن تكون واحداً من القلائل الذين "يستيقظون" أثناء الجراحة.
تحدّث إلى طبيبك وطبيب التخدير قبل الجراحة، من المهم مناقشة أي مخاوف لديك بشأن الجراحة، وأي مشاكل واجهتها في العمليات الجراحية السابقة أو أثناء التخدير.
كذلك كن صادقاً تماماً عند الإجابة عن الأسئلة، مثلاً إذا كان لديك تاريخ من تعاطي المخدرات والكحول، فقد تحتاج إلى جرعة أعلى من التخدير، أفصِح أيضاً عن أي دواء تتناوله، بما في ذلك الوصفات الطبية، والأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية، والمكملات العشبية والطبيعية الأخرى.
إذا اختبرت أي درجة من الوعي أثناء الجراحات السابقة، أخبِر الجراح أو طبيب التخدير بمجرد أن تتذكر الحادث، تُظهر الأبحاث أنه بعد الجراحة مباشرة لا يتذكر التجربة سوى ثلث المرضى الذين يستيقظون أثناء العملية، أما البقية فقد يستغرق الأمر ما يصل إلى شهر حتى يتذكروا التجربة.
لا يُبلغ العديد من المرضى عن تجاربهم لعدة أسباب، فالبعض لا يشعر بالضيق الشديد بسبب هذه التجربة، لذا لا يهتمون بالحديث عنها، والبعض الآخر يعتقدون أنها مجرد هلاوس لا أكثر.
كذلك هناك مرضى أُصيبوا بصدمة شديدة بسبب مرورهم بهذه التجربة، لدرجة أنهم دخلوا في حالة من الإنكار، وهؤلاء هم المرضى المعرضون لخطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وبرغم مدى رعب فكرة الاستيقاظ أثناء الجراحة فإن الوعي بالتخدير نادراً جداً ما يحدث، إذ إن فرصة حدوث ذلك لك يجب ألا تمنعك من إجراء الجراحة اللازمة.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.