أعربت الولايات المتحدة الأمريكية، الأسبوع الماضي، عن قلقها من قيام جماعة الحوثيين، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، باحتجاز موظفين يمنيين في السفارة الأمريكية السابقة في صنعاء، داعيةً إلى الإفراج الفوري عنهم. وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية، في تصريحات صحفية، إن "الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء اختراق الحوثيين للمجمّع الذي كانت تستخدمه كسفارة لها قبل تعليق عملياتها في عام 2015″، داعيةً الحوثيين إلى "إخلائه على الفور وإعادة كافة الممتلكات المصادَرة".
"مخاطر متزايدة" ناجمة عن استمرار الدعم الأمريكي للسعودية
ويقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، إن هذا الحدث يمثل تذكيراً آخر بتكاليف علاقة الولايات المتحدة الخاصة مع المملكة العربية السعودية. كيف ذلك؟
تقول المجلة الأمريكية إن "الحوثيين لم ينفذوا هذا الهجوم لأنهم جماعة متطرفة شبيهة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بل هاجموا مجمع السفارة في صنعاء لأنهم متورطون في صراع مع السعودية، التي تلقت دعماً أمريكياً واسع النطاق طوال الحرب، ويحاولون تعزيز انتصارهم. إنَّ دعم الولايات المتحدة لحملة السعودية المزعزعة للاستقرار في اليمن، والتي تأتي بنتائج عكسية، بل تضر بالمصالح الأمريكية، رمز للمخاطر المتزايدة الناجمة عن تقديم دعم ثابت للمملكة في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتؤكد هذه الأزمة الأخيرة حاجة الرئيس جو بايدن إلى الوفاء بوعوده الانتخابية وإعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه المملكة ضبطاً جذرياً".
منذ عام 1945، كانت بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقة معاملات فريدة متجذرة في ترتيب "النفط مقابل الأمن". وخلال الحرب الباردة، عندما كانت أمريكا أكثر اعتماداً على الوصول المفتوح إلى نفط الخليج وسعت إلى إقامة علاقات مع الأنظمة المعادية للشيوعية، كانت العلاقة الوثيقة مع السعوديين ومساعدة العائلة المالكة على البقاء في السلطة تخدمان مصالح الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لم تعد العلاقة الخاصة للولايات المتحدة مع النظام الملكي "القمعي" منطقيةً اليوم. وقد أدرك بايدن هذه الحقيقة إلى درجة مفاجئة في أثناء حملته الانتخابية. إذ خلال مناظرة عام 2019، وعد بأنه سيجعل السعوديين "منبوذين"، ورفض "بيع مزيد من الأسلحة لهم". وبالمثل، في أثناء إلقاء أول خطاب له عن السياسة الخارجية بعد انتخابه رئيساً، أعلن بايدن أنَّ الولايات المتحدة ستنهي "دعم العمليات الهجومية في الحرب باليمن"، وهو صراع وصفه بأنه "كارثة إنسانية واستراتيجية" يجب أن "تنتهي". ومع ذلك، وبعيداً عن اللغة المستخدمة في التصريحات، فإنَّ معظم تعهدات "إعادة تقويم" العلاقات الأمريكية السعودية كانت تجميلية على أحسن تقدير.
هجوم الحوثيين يأتي بعد صفقة أسلحة أمريكية للسعودية بمئات الملايين
يأتي هجوم الحوثيين في أعقاب موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على بيع أسلحة للسعوديين بقيمة 650 مليون دولار. والأهم من ذلك، تواصل إدارة بايدن توفير الصيانة المُهمة للطائرات السعودية، وتدعم الجهود السعودية للاستفادة من الحصار المفروض على اليمن في المفاوضات، وفشلت في معاقبة محمد بن سلمان على اغتياله جمال خاشقجي.
تقول "ناشيونال إنترست"، إنه عند الإشارة إلى فشل بايدن في الوفاء بوعوده فيما يتعلق بالسعودية، أكد معظم المعلقين، خطأً، أنَّ "الواقعيين الذين يقودون سياسة بايدن السعودية" وضعوا المصالح الاستراتيجية في مقدمة اهتمامات حقوق الإنسان ويحاولون الحفاظ على علاقة عمل مع الوريث الواضح للعرش، محمد بن سلمان. على الرغم من أنَّ المسؤولين الأمريكيين قد يعتقدون أنَّ الحفاظ على الوضع الراهن في العلاقات الأمريكية السعودية شر ضروري، فإنَّ تقديم دعم ثابت للمملكة مع تزايد سلوكها المزعزع للاستقرار سيقوّض المصالح الأمريكية بطرق ملموسة للغاية.
وبالنظر إلى تراجع أهمية المخاوف المتعلقة بالطاقة والتي دفعت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية لعقود، تزداد السياسة الخارجية تجاه السعودية التي تتجنب عادةً المخاطر، عدوانيةً وضرراً تجاه الولايات المتحدة. منذ أن أصبح بن سلمان الحاكمَ الفعلي للمملكة، تضمنت مبادرات سياسته الخارجية تعزيز مكانة حزب الله في لبنان من خلال الأمر بالاحتجاز القسري لرئيس الوزراء اللبناني، وقيادة حصار على قطر، حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومقر رئيس للقيادة المركزية الأمريكية، بجانب تورط السعودية في معضلة مدمرة باليمن.
وبدلاً من محاولة تثبيط مغامرة ولي العهد المتهورة في اليمن، زودت الولايات المتحدة المملكة بالأسلحة والمساعدات اللوجستية والاستخباراتية والدعم الدبلوماسي لدعم الحملة منذ بدايتها في عام 2015. وفي نهاية المطاف، جعل التدخل السعودي، الذي صوَّره محمد بن سلمان بأنه حرب طائفية بالوكالة ضد إيران، تأكيد أنَّ الحوثيين وكيل إيراني شيئاً من النبوءة التي تتحقق من تلقاء نفسها.
وتضيف المجلة الأمريكية أنه بينما كان نفوذ إيران في اليمن ضئيلاً نسبياً عندما بدأت الحرب، سمح تدخُّل المملكة لإيران بزيادة وجودها ونفوذها في اليمن زيادةً كبيرة. إضافة إلى ذلك، استفاد المتطرفون من الفوضى التي سبَّبتها الحرب ودعم السعودية للجماعات التابعة لتنظيم "القاعدة" في اليمن. كما أدت العواقب الإنسانية المروعة للتدخل الذي تقوده السعودية إلى زعزعة استقرار اليمن، وساعدت في خلق ظروف تعزز الأصولية والتطرف المناهض لأمريكا. عندما يُقتَل الأبرياء بسبب القنابل الأمريكية التي أسقطتها طائرات أمريكية الصنع، والتي يحافظ متعاقدون أمريكيون على قدرتها على الطيران، يربط المدنيون اليمنيون الولايات المتحدة بالمذبحة التي تُرتَكَب بحقهم من أعلى.
فشل نهج بايدن تجاه السعودية
تقول المجلة، إنه بدلاً من محاولة مساعدة السعودية على كسب حرب لا علاقة لها بأمن الولايات المتحدة وخسرتها بالفعل، يجب على الولايات المتحدة الضغط من أجل إنهاءٍ تفاوضيٍّ للحرب يُحسِّن الظروف الإنسانية ويعزز الاستقرار على المدى الطويل. يجب على إدارة بايدن أن توقف على الفور دعم المتعهدين للقوات الجوية السعودية، وأن تُعلِّق جميع مبيعات الأسلحة للمملكة، وأن تهدد بسحب مزيد من القوات من المنطقة؛ للضغط على السعوديين لإنهاء تورطهم في اليمن.
ومع ذلك، فإنَّ التدخل في اليمن ليس سوى جزء واحد من اتجاه أوسع في السياسة السعودية قوَّض مراراً وتكراراً المصالح الأمريكية. إذا فشل نهج إدارة بايدن تجاه السعودية في عكس أولويات الولايات المتحدة المتغيرة وتأثير المملكة عليها، فإنَّ محمد بن سلمان، الجريء والمتهور، لن يتسبب إلا بمزيد من الضرر لمصالح واشنطن. مع وضع ذلك في الاعتبار، يجب على الولايات المتحدة أن تنهي معاملتها الخاصة للسعوديين وأن توضح أنَّ قواتها المسلحة ليست ملزمة بضمان السياسة الخارجية المتهورة لولي العهد.
لقد استغل داعمو السياسات المتشددة في الكونغرس بالفعل هجوم الحوثيين، وصوَّروه على أنه أزمة رهائن إيرانية أخرى أو هجوم على بنغازي؛ للتنديد بعواقب الضعف الأمريكي المزعوم. وسيستخدم الكثيرون بالتأكيد احتجاز الرهائن للدعوة إلى تجديد الجهود لدعم السعودية "حليفتنا". لكن يجب على أصدقاء الرياض في الكونغرس بدلاً من ذلك التفكير في سبب تعرض الولايات المتحدة لهذا الموقف في المقام الأول وما الذي سيفعله الخضوع المستمر للسعوديين لتعزيز المصالح الأمريكية.