تشاهد إعلاناً لمحل تجاري أو سيارة أو حتى صالون شعر وتتذكر أن أحداً من معارفك أو زملائك اشترى هذه الخدمة أو المنتج فتذهب وتستشيره وهو بكل صدق يقول لك عن تجربته، ومنه تقرر أن تذهب صباحاً لتبتاع المنتج أو تلغي الفكرة من رأسك.
لكن ماذا إن كان السؤال مفصلياً أكثر من ذلك، سؤال سيترتب عليه أعوام كثيرة، وفرح وحزن، تعاسة وسعادة، سؤال صاحبه سيدعو لك أو يدعو عليك، "لقد تقدم فلان لخطبة ابنتي، ما هي سمعة هذا الشخص وماذا تعرف عنه؟".
سؤال وارد كل يوم في المجالس، في المجتمع الذي أغلب زيجاته تقليدية دون سابق معرفة، أحدهم يدل أمّ الشاب على فتاة، فتذهب لهم وتستأذنهم لخطبتها، ويطلبون مهلة للسؤال عن الشاب، فيبدأ الأهل بالاستقصاء والاستفسار عنه، الأمر يبدو سهلاً، لكن ما يحدث هو أصعب من ذلك، فأنت مجبر على أخذ ما يقال دون أن يكون بيدك جهاز كشف الكذب لتتأكد من مدحهم لهذا الشاب!
قبل مدة طرحت سؤالاً على حسابي على إنستغرام "لو أتى شخص وسألك عن فلان الذي تقدم لأخته أو ابنته وكنت أنت تعرفه بحكم القرابة أو الصداقة، وتعرف أنه شخص لديه سلبيات أو إنسان سيئ فهل ستقول الحقيقة؟".
تراوحت الإجابات بين "سأفضل الصمت"، وبين "لا أحب التدخل". فكما يقول المثل "امشي بجنازة ولا تمشي بجوازة"، وإجابات أخرى كانت تقول لي سأدلي بالذي أعرفه بصريح العبارة.
حسناً، الكثير يدخل بدوامة بعد هذا السؤال: "هل أقول ما أعرف، أم أنني بذلك سأقطع بنصيبه؟!".
في البداية يجب أن نتفق أن السؤال هو أمانة وشهادة، والشهادة تحاسب عليها أمام الله "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبُه"، ومن يبدل الشهادة والإجابة فهو شاهد زور، فأنت بمدح هذا الشخص كذباً، ستجعل حياة زوجته وأطفاله بالمستقبل جحيماً، لكن قبل أن تدلي بشهادتك عليك التأكد من أنك تعلم حقاً ما هو عليه، وإن كان ما تعرفه سمعته من أشخاص آخرين دون أن تتأكد إذا كان صحيحاً أو لا، قل ذلك ببساطة: "أتمنى أن تسأل غيري فمعلوماتي ليست أكيدة، وأرجو أن تتمحص بالسؤال وتسأل أشخاصاً يعرفونه أكثر منّي".
بذلك تكون أشعرت أبا الفتاة أنك لا تعرف الصحيح المطلق بهذا الشخص، ولم تمدحه، فتجبره على البحث عن أشخاص آخرين.
أيضاً؛ حين نقول يجب أن تقول الحق وما تعرفه لا يعني أننا نقصد أن تفضح الشاب أو الصبية للسائل، فلا يجب عليك قول ما تعرفه بتفاصيله وحذافيره، أنت فقط وظيفتك أن تقول إنه شخص جيد أو سيئ، وإن سُئلت "لماذا؟" فعليك إعطاء إجابة كافية دون كشف وفضح مثل "ابنتك تستاهل إنساناً أحسن، الإنسان هاد مش محترم.. إلخ".
كذلك يجب أن تراعي أمراً مهماً وهو أن تكثر السؤال لأكثر من شخص في المنطقة الذي يسكن، والعمل، والدراسة، دون أن تعتمد على إجابة واحدة، خاصة إن كان هناك أشخاص يكرهون المتقدم للفتاة أو الفتاة للمتقدم لها، فيبدون بالكذب حتى يفشلوا الخطبة بهدف الايذاء والانتقام.
عليك أيضاً ألّا تجمع الشخص مع أشخاص آخرين، مثلاً أنت تعرف أن أعمام هذا الشخص سيئون، لكن الشخص لذاته يختلف عنهم وهو جيد، فعليك أن تقول ذلك، فهناك كثير من الشباب والفتيات يظلمون بسبب سمعة سيئة لقريب أو قريبة لهم، بالرغم من أنهم يختلفون عنهم.
ومن المهم كذلك أن تعرف تاريخ ما تُسأَل عنه، فمثلاً كنت تعرف أنه قبل سنوات كان يقترف أخطاءً لكنه تاب وتغير -وأنت متأكد من ذلك- فلا يوجد داعٍ لأن
تعيد ذكر قصص قديمة، يكفي أن تقول إنه تغير للأحسن واليوم هو شخص جيد، وإذا باغتَك بسؤال "لكن سمعت عنه قصة كذا وكذا" فهنا عليك الشرح والقول إن هذه القصة قديمة، وهو اليوم تغيّر ولمست تغيره بحكم معاشرته.
وتذكر أن المقربين لا يُسألون، فلا أحد يذم أخاه أو أخته، أو ابن اخيه، لذلك تخير من تسأل وتأكد من صلاح الشخص الذي تسأله، وأتعجب حقاً من كثير من الأمهات كيف تحاول تقديم ابنها أمام الفتاة كأنه نبي، ولو كذبت وزيفت! وتنسى أنها ستظلم فتاة ليس لها ذنب بسوء أخلاقه وتربيته!
وأختم هذا المقال بملاحظة مهمة، وهي أننا يجب أن نراعي اختلاف البيئات والمفاهيم في الإجابة والطرح، مثال على ذلك أن تكون فتاة من بيئة منفتحة وتتعامل مع زملائها في العمل ولباسها عادي، وحين تسأل فلاناً عنها الذي يعتبر ضرورة أن الفتاة التي تتحدث مع الجنس الآخر سيئة وأن الفتاة التي لا ترتدي اللباس الكامل هي فتاة قبيحة؛ فلا تتوقع منه إلا أن يجيبك بإجابة قبيحة لأنه يقيس الأمر على مفاهيمه الخاصة، علماً أنك لا ترى نفس نظرته وهو لم يقل لك لماذا قبّحها؟ فقط ذمها وانتهى.
تذكر أن هذه شهادة، ومتوقف عليها مستقبل عائلة كاملة، قل لا تعرف حين لا تعرف، وامدح بحق أو ذم بحق، فالأمر ليس منتجاً للشعر أو سيارة أو محلاً تجارياً، تنتهي منها بعد أشهر، وإنما هي حياة كاملة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.