في شمال مقاطعة نيفادا، تمتلك الحكومة الأمريكية أرضاً مساحتها عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة تسمى المنطقة 51، وهي مساحة كافية لتفجير قنابل نووية، وهو بالفعل ما نفذته الحكومات الأمريكية السابقة مئات المرات.
ولكن في هذه الأرض القاحلة، تتجمع بعض أذكى العقول الأمريكية في مختبرات شديدة السرية ومحاطة بحراسة مشددة لها الإذن بقتل كل من يخترق حدودها.
في عام 2019، دعا منشور على فيسبوك من قِبل ممثل كوميدي يدعى ماتي روبرتس، إلى اقتحام المنطقة، فتفاعل معه الملايين، وتم التخطيط لمهرجان موسيقيٍّ يدعى "Alienstock" نسبة إلى كائنات الفضاء.
كانت الخطة أن يتم اقتحام المنطقة العسكرية عند الفجر؛ لمشاهدة الكائنات الفضائية التي يعتقد بعض الأمريكيين أنها سبب كل السرية، لكن السلطات لم تنظر إلى الأمر على أنه مجرد مزحة واستنفرت جميع أجهزتها.
وثائق جديدة نُشرت في عام 2021، كشفت أن التعليمات التي مُنحت لرجال الأمن كانت إطلاق النار وقتل أي متظاهر يقتحم الحدود المسموحة له.
فما هي المنطقة 51، ولماذا تحيط بها كل هذه السرية؟
المنطقة 51 هي منشأة تابعة للقوات الجوية الأمريكية ببحيرة جروم في نيفادا، وهي عبارة عن مسطح ملحي يقع على بُعد نحو 129 كيلومتراً شمال غربي لاس فيغاس.
على الطرف الجنوبي من هذه المنطقة، توجد بلدتان صغيرتان يبلغ عدد سكانهما معاً 173.
لعقود من الزمن، أدى الموقع الجغرافي المعزول للقاعدة والوصول المقيد، إلى تكهنات بقيام المسؤولين العسكريين بإجراء تجارب سرية على كائنات فضائية هناك، وتخزين أدلة على الزوار الأجانب والأطباق الطائرة.
يُمنع عامة الناس من زيارة المنطقة 51، ولكن خلال صيف عام 2019، أدى حدث على فيسبوك بعنوان "Storm Area 51، They Can't Stop All of Us" إلى حث ما يقرب من مليوني شخص على الاشتراك في مخطط لمداهمة القاعدة في 20 سبتمبر/أيلول على وجه التحديد.
أثار النطاق الهائل للحدث المقترح إنذارات على المستويين المحلي والفيدرالي، وفقاً لوثائق حكومية حصلت عليها مجلة "رولينغ ستون".
وأفادت المجلة في 17 أكتوبر/تشرين الأول، بأن عشرات من وكالات تطبيق القانون حشدت واستعدت للرد على الهجوم المقترح، وضمن ذلك "استخدام القوة القاتلة".
ألغى ماتي روبرتس الحدث قبل 9 أيام من موعده، ودعا الناس إلى المشاركة فقط في المهرجان الموسيقي، حيث يرتدي الحاضرون أزياء غريبة عن تصوراتهم للكائنات الفضائية.
كائنات فضائية سرية
ووفقاً لما ذكره جلين كامبل، الذي يصف نفسه بخبير في المنطقة 51، فإن المنشأة لم يتم ربطها علناً بالكائنات الفضائية والأجسام الطائرة حتى الثمانينيات.
ترسَّخ هذا الرابط بعدما قال المهندس بوب لازار، في مقابلة مع محطة تلفزيون لاس فيغاس، إنه تم تعيينه لإجراء هندسة عكسية لمركبة فضائية غريبة في منشأة منفصلة بالقرب من المنطقة 51.
وقالت آني جاكوبسن، التي ألفت كتاباً ذائع الصيت عن المنطقة 51 ، لشبكة BBC: "بإعلانه هذا، ولدت آلاف نظريات المؤامرات".
بدورها، قالت الصحفية ومؤلفة كتاب "المنطقة 51: تاريخ غير خاضع للرقابة لقاعدة عسكرية سرية للغاية في أمريكا"، إن العدد الهائل من الوكالات المحلية وتلك التابعة لسلطة الولاية والسلطة الفيدرالية والممثلة في حركة البريد الإلكتروني حول التخطيط لـ"غارة محتملة على المنطقة 51"، تُظهر مدى جدية نظر الحكومة إلى أمن المنطقة 51، حسب تعبيرها.
وبالنظر إلى تاريخ هذه المنشأة السرية، فإن الاهتمام والفضول المحيط بها ليسا مفاجئاً ولا حديثاً.
مقر اختبار القنابل النووية
فالمنطقة 51 واحدة من أكثر المنشآت الحكومية سرية في البلاد، إذ استخدمت كمجال اختبار للقنابل النووية والأسلحة الأخرى في أربعينيات القرن الماضي.
وفي الخمسينيات، كلف الرئيس آنذاك دوايت أيزنهاور، وكالة المخابرات المركزية بإيجاد موقع في مكان ما بأمريكا لتطوير طائرة تجسس علوية سرية للغاية؛ لاستخدامها في الحرب الباردة، كما كتبت آني جاكوبس.
سميت تلك الطائرة فيما بعدُ باسم U-2، أما البقعة التي اختارتها وكالة المخابرات المركزية، وهي بقعة مهجورة من الصحراء المرتفعة حول بحيرة جافة على أرض نطاق اختبار صاروخي سري بالفعل، فستُعرف فيما بعد باسم المنطقة 51.
الحكومة لم تعترف بوجودها حتى عام 2013
لكن المنطقة 51 لن تظهر في المشهد العام حتى عام 1989، عندما بثت محطة تلفزيون محلية في نيفادا مقابلة مع مصدر مجهول، قال إنه كان يعمل بالمنطقة 51، وتبين لاحقاً أنه المهندس بوب لازار، حسب موقع The Guardian.
رفضت الولايات المتحدة لعقود من الزمن، الاعتراف بوجود المنشأة، ومنعت موظفيها من النطق بعبارة "منطقة 51"، حتى العام 2013.
في ذلك العام اعترفت وكالة المخابرات المركزية (CIA) بوجود المنطقة 51 لأول مرة، وأصدرت وثائق تكشف تاريخاً تم رفع السرية عنه، لبرنامج طائرات التجسس U-2.
لكن هذا التاريخ لم يذكر الكائنات الفضائية أو الصحون الطائرة أو أي تقنيات أو أشكال حياة أخرى خارج كوكب الأرض.
ولفهم مستوى الأمن المشدد في المنطقة 51، تشير جاكوبسن إلى مقطع في كتابها عن شبه كارثة كانت ستحصل هناك.
قبل فترة وجيزة من الاختبار المقرر للأسلحة النووية، تلقى مسؤول أمني رفيع اتصالاً يفيد بأن مبنى مجاوراً للمنشأة يتعرض للهجوم، وتعرضت مجموعة من الحراس لإطلاق نيران من مهاجمين على متن طائرة هليكوبتر.
في محاولة للرد، وضعت البحرية في حالة تأهبٍ عدةَ غواصات مسلحة نووياً، والتي وجهت رؤوسها الحربية إلى موقع اختبار نيفادا، كما كان معروفاً في ذلك الوقت.
وتوضح جاكوبسن: "تبين في النهاية أن هجوم المروحية كان بمثابة اختبار من قِبل مقاول أمني تم تعيينه للمساعدة في حماية المنطقة 51، وهو اختبار فشلت الشركة في ذكره لشركائها الحكوميين".
محاولات اختراق الموظفين
وكشفت الوثائق أن ظروف العمل في تلك المنشأة تعد تحدياً قاسياً للعاملين.
وفقاً للخرائط الواردة في الوثائق، هناك نقاط دخول محدودة في شكل بوابات شديدة الحراسة. وتشير الوثائق إلى حافلة مكوكية تنقل الموظفين من وإلى المنشأة.
وحسب ما كشفته الوثائق أيضاً، حاولت مجموعة من مستخدمي موقع يوتيوب لم تذكر أسماءهم تثبيت جهاز تعقُّب على حافلة الموظفين؛ لمراقبة مسارهم داخل وخارج المنطقة 51.
كما حاولوا تحديد الموظفين الذين ركبوا الحافلة، والسيارات التي قادوها، وتفيد الوثائق بمتابعة هؤلاء الأشخاص إلى المنزل؛ "للحصول على أسمائهم وعناوينهم".
كما عمد البعض إلى إرسال طائرات يتم التحكم فيها عن بُعد؛ لتصوير أي نشاط يحصل في القاعدة.
كل هذه المحاولات دفعت المسؤولين إلى وضع خطة أو "بروتوكول للرد" عند حصول هجوم كيماوي أو بيولوجي أو بالأشعة أو نووي أو بالسلاح.
تزيد هذه الوثائق والخطط الاحتياطية المنطقة سريةً ما بعدها سرية، ولعل كل هذا الغموض هو ما يشعل مخيلة المؤمنين بنظريات المؤامرة داخل وخارج أميركا، والذين لا يملكون سوى المراقبة والتكهن على أن يكتشفوا يوماً ما حقيقة ما يدور في منتصف الصحراء.