تستحضر كلمة "عبودية" صوراً للأغلال وأسواق النخاسة وسفن مليئة بالعبيد متجهة عبر المحيط الأطلسي من الماضي السحيق، لكن المزيد من الناس مستعبدون اليوم أكثر من أي وقت آخر في التاريخ تحت ما يسمى بـ"العبودية الحديثة".
تؤثر العبودية في مصير 40 مليون إنسان حول العالم حتى يومنا هذا، فما هي العبودية الحديثة؟ وهل ما زالت الحضارة البشرية بكل تطورها عاجزة عن حماية حرية كل من ولدته أمه حراً؟
قدر هذا العدد منظمة العمل الدولية (ILO)، التي تعتبر أن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هم ضحايا العبودية الحديثة.
على الرغم من عدم تعريف العبودية الحديثة في القانون، فإنها تستخدم كمصطلح شامل يغطي ممارسات مثل العمل القسري وعبودية الدين والزواج القسري والاتجار بالبشر.
وعبودية الدين هي أحد أكثر أشكال الرق انتشاراً في العالم، حين يقترض الفقراء المال على سبيل المثال ويضطرون إلى العمل لسداد الديون، فيفقدون السيطرة على ظروف عملهم والدين نفسه.
هي إذاً حالات الاستغلال التي لا يمكن لأي شخص رفضها أو تركها بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع وإساءة استخدام السلطة.
في كازاخستان على سبيل المثال، انتشر فيديو لرجل روسي يوجه نداءً لأمه وأبيه، يطلب منهما المساعدة لإخراجه من كازاخستان، مؤكداً أنه مسلوب الحرية منذ 20 عاماً.
تحركت الأجهزة الأمنية الكازاخستانية على الفور، وألقت القبض على المشتبه به في الاستغلال القسري للمواطن الروسي لمدة 20 عاماً، وتبين أنه أحد السكان المحليين ويبلغ من العمر 44 عاماً.
يقدر الخبراء أن ما يقرب من 13 مليون شخص تم أسرهم وبيعهم كعبيد بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر. أما اليوم فيعيش أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم تحت رحمة العبودية، لماذا؟
أشكال العبودية الحديثة
يُعتبر الإنسان المعاصر مستعبداً إذا أُجبر على العمل ضد إرادته، أو إذا تم التحكم فيه من قبل "صاحب العمل" أو شخص يستغله، أو تحددت حريته في الحركة أو تم تجريده من إنسانيته أو معاملته كسلعة تُشترى وتُباع، وفقاً لتعريف مجموعة مناهضة الرق الدولية Anti-Slavery International.
ومن أوسع أشكال العبودية تنظيف البيوت والشقق، والعمل في مصانع الألبسة وقطف الفاكهة والخضراوات والغطس بحثاً عن الجمبري الثمين لموائد الأثرياء، ناهيك عن أعمال البناء والتنقيب عن المعادن المستخدمة في الهواتف الذكية والمكياج والسيارات الكهربائية وغيرها.
وتقدر المنظمة حسب إحصائياتها أنه يتم إجبار نحو 5 ملايين شخص على العمل في تجارة الجنس، بحيث تشكل الفتيات نسبة 99% من هذه العبودية.
أين توجد العبودية الحديثة؟
تطورت العبودية وتجلت بطرق مختلفة عبر التاريخ، واليوم لا تزال بعض أشكالها التقليدية قائمة، بينما اتخذ البعض الآخر شكلاً حديثاً.
ووثّقت هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة استمرار أشكال الرق القديمة المتأصلة في المعتقدات والعادات التقليدية.
هذه الأشكال من الرق هي نتيجة للتمييز طويل الأمد ضد الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمعات، مثل الطبقات الفقيرة والأقليات القبلية والشعوب الأصلية.
إحصائياً، تنتشر العبودية الحديثة في إفريقيا تليها آسيا والمحيط الهادئ، وفقاً لمؤشر العبودية العالمي، والذي ينشر تصنيفات كل دولة على حدة بشأن أرقام العبودية الحديثة واستجابات الحكومات لمعالجة هذه القضايا.
وجاء ترتيب الدول على الشكل التالي:
- كوريا الشمالية
- إريتريا
- بوروندي
- جمهورية إفريقيا الوسطى
- أفغانستان
- موريتانيا
- جنوب السودان
- باكستان
- كمبوديا
- إيران
لماذا تنتشر العبودية رغم محاربة الدول المفترضة لها؟
تعد العبودية تجارة كبيرة، وعلى الصعيد العالمي تدر ما يصل إلى 150 مليار دولار من الأرباح كل عام، أكثر من ثلثها (46.9 مليار دولار) يتم توليدها في البلدان المتقدمة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.
في حين أن تجار الرقيق قبل قرنين من الزمان أجبروا على التعامل مع الرحلات المكلفة ومعدلات الوفيات المرتفعة، فإن نفقات المستغلين المعاصرين أقل بفضل التطورات الهائلة في التكنولوجيا ووسائل النقل.
وتعني تدفقات الهجرة الحديثة أنه يمكن الاستفادة من عدد كبير من الأشخاص المعرضين للاستغلال في سلاسل التوريد العالمية في مجالات الزراعة والجمال والأزياء والجنس.
العبودية الحديثة بالأرقام
- في أي وقت من عام 2016، هناك ما يقدر بنحو 40.3 مليون شخص تحت رحمة العبودية الحديثة، بما في ذلك 24.9 مليون في العمل القسري و 15.4 مليون في الزواج القسري.
- هذا يعني أن هناك 5.4 ضحية للعبودية الحديثة مقابل كل 1000 شخص في العالم.
- 1 من كل 4 ضحايا العبودية الحديثة هم من الأطفال.
- من بين 24.9 مليون شخص محاصرين في العمل الجبري، يتم استغلال 16 مليون شخص في القطاع الخاص مثل العمل المنزلي أو البناء أو الزراعة، 4.8 مليون شخص في الاستغلال الجنسي القسري، و4 ملايين شخص في السخرة التي فرضتها سلطات الدولة.
- تتأثر النساء والفتيات بشكل غير متناسب بالعمل القسري، حيث يمثلن 99% من الضحايا في تجارة الجنس، و58% في القطاعات الأخرى.
منظمات دولية لمحاربة العبودية
ويصادف الثاني من كانون الأول/ديسمبر من كل عام اليوم الدولي لإلغاء الرق، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة "اتفاقية الأمم المتحدة لقمع الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير" المؤرخ 2 كانون الأول/ديسمبر 1949.
وينصب التركيز في ذلك اليوم على حملات توعية هدفها تعزيز الجهود المبذولة للقضاء على الأشكال المعاصرة للرق بكل أشكاله، ومنه التجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاعات المسلحة.
وفي العقدين الماضيين، مع الاعتراف بالرق على نطاق واسع باعتباره وباء عالمياً اتخذت العديد من المنظمات الحكومية إجراءات وخطوات فعلية لمعالجة المشكلة.
يحدد تقرير الاتجار بالبشر السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية على سبيل المثال نظام درجات لكل دولة، ولا يعتمد النظام على حجم مشكلة البلاد و"لكن على مدى جهود الحكومات لتلبية الحد الأدنى من معايير للقضاء على الاتجار بالبشر"، حسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية.
وكانت الحكومات التي اتخذت أكبر عدد من الخطوات ضد العبودية الحديثة هي هولندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وأستراليا والبرتغال وكرواتيا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا والنرويج.
وعلى صعيد المبادرات الخاصة، أسس المانحون الثلاثة المناهضون للعبودية، مؤسسة Legatum Foundation و Humanity United و Walk Free Foundation، صندوق تمويل الحرية في سبتمبر/أيلول 2013.
واعتباراً من منتصف العام 2021، نشر صندوق الحرية تقريراً مفاده أنه أثّر على حياة 1,027,669 شخصاً، وحرر 29,469 شخصاً من العبودية الحديثة وساعد نحو 93 ألف طفل خارج المدرسة لتلقي تعليم رسمي أو غير رسمي، في نيبال وإثيوبيا والهند وتايلاند.
كما أطلق صندوق تمويل الحرية وبولاريس ومؤسسة ووك فري الدليل العالمي للرق الحديث، في أكتوبر/تشرين الأول 2014، والذي كان أول قاعدة بيانات يمكن البحث فيها علناً لأكثر من 770 منظمة تعمل على إنهاء العمل القسري والاتجار بالبشر.