خلافات داخل قصر قرطاج، وقيس سعيد مقدم على تنازلات.. ماذا يحدث في تونس بعد تحركات المعارضة الأخيرة

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/18 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/18 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
قيس سعيد يكلف نجلاء بودن بتشكيل الحكومة/مواقع التواصل

عرفت الساحة السياسية التونسية في الأسابيع الأخيرة تطورات جديدة، يمكن اعتبارها نوعية لدى الجماعات السياسية المعارضة، لما بات يُعرف بـ"الانقلاب الدستوري" للرئيس قيس سعيد، فقد استطاعت النخبة السياسية التي تقود التحركات المناهضة للرئيس بلورة مطالبها في شكل خارطة طريق، تتكون من عدة نقاط، أهمها عزل رئيس الجمهورية من منصبه، وعودة البرلمان للعمل، ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.

كما تُوِّجت نقاشاتها السياسية في مرحلة ثانية بالتظاهر أمام البرلمان بالآلاف، حسب تقييمات قياداتها، وخلق حركة اتصالية ملحوظة بعد أن استطاعت بلورة مطالبها وأهدافها تحت مبادرة موحدة سمّوها "المبادرة الديمقراطية" لقيادة التحركات الميدانية والجهد الاتصالي على المستوى المحلي والدولي.

 يأتي ذلك في سياق اقتصادي واجتماعي صعب تعيشه تونس منذ 10 أشهر تقريباً، بسبب وجود عجز في الميزان التجاري بقيمة 11.9 مليار دينار تونسي (4.15 مليار دولار)، وارتفاع نسبة البطالة لتصل لـ18.4% خلال الثلاثي الثالث من سنة 2021، حسب تقارير المعهد الوطني للإحصاء .

القضاء العسكري التونسي تونس
احتجاجات في تونس/ رويترز

وفي هذا الخضم المعقد الذي تشهده البلاد بسبب تشابك التناقضات السياسية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فإن جهود الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة تشغيلة في تونس، أكثر من مليون منخرط) التي يقودها أمينه العام نور الدين الطبوبي لا تتوقف من أجل إقناع رئيس الجمهورية بمبادرته للحوار حول الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الساخنة، وخاصة إيجاد حل تشاركي للأزمة السياسية الحالية على الرغم من جفاء مؤسسة رئاسة الجمهورية، وعدم استعداد الرئيس قيس سعيد لتقديم تنازلات وتفاهمات في إطار حل جماعي تشارك فيه مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي التونسي.

فما حقيقة المبادرات السياسية الهادفة لوضع حد للانقلاب على الدستور وإنهاء الوضع الاستثنائي؟ وهل ستكون لها جدوى؟ وهل هناك أفق للحل السياسي؟

مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"

عرفت حركة "مواطنون ضد الانقلاب الاحتجاجية" إرهاصاتها الأولى أياماً معدودات، إثر إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءاته الاستثنائية، بتاريخ 25 يوليو/تموز 2021، حيث رفضت حل البرلمان والحكومة، واعتبرت ما حصل انقلاباً على خلاف غالبية الطبقة السياسية في البلاد.

ثم أصبحت مطالب الحركة أكثر راديكالية، إثر إصدار الرئيس في 22 أيلول/سبتمبر، قراره الرئاسي 117، الذي أعلن فيه عن جمعه لكامل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بين يديه، وحلّه للمؤسسات الدستورية على غرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولجنة النظر في دستورية القوانين.

ومنذ ذلك الحين صعّدت الحركة من مظاهر احتجاجاتها، موجهة سهامها رأساً لقيس سعيد، واستطاعت أن تحصد توافقاً واسعاً حول موقفها من تعطيل سعيد لأهم بنود الدستور، المتعلقة بتنظيم السلطات، سواء بشكل مباشر أو عبر تقاطعات غير مباشرة في المواقف، وهو ما يمكن ملاحظته في موقف حزب التيار وأمينه السابق محمد عبو، الذي كان داعماً للرئيس في السابق، وهو اليوم من أشد منتقديه، وحزب حركة الشعب أكبر داعمي الرئيس، إلا أنه أصبح يعبر الآن عن قلقه من عدم وجود سقف زمني لقراراته. 

قيس سعيّد
الرئيس التونسي قيس سعيّد – رويترز

جلال الأخضر، دبلوماسي سابق وناشط سياسي، قال في تصريحات لــ"عربي بوست"، إن "مواطنون ضد الانقلاب" يمثلون ماكينة ضغط "هم نخب فكرية تعتمد على قواعد النهضة في تحركاتها، من أجل الضغط على رئيس الجمهورية، لأنهم ليس لهم أحزاب ولا يملكون أنصاراً".

ويضيف الأخضر "كما يوظفون الزخم السياسي والشعبي لتحركاتهم ليعطوا مبرراً للرأي العام الدولي لعدم القبول بالانقلاب من جهة، ولاتحاد الشغل، لدعم مطالبهم في حل تشاركي للأزمة السياسية من جهة أخرى، خصوصاً أن نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل قبل بقرارات 25 يوليو/تموز، إلا أنه رفض ما جاء بعد 22 سبتمبر/أيلول، القرار الرئاسي 117 والاستفراد بالسلطة، ونفس الأمر بالنسبة لمحمد عبو وحزب التيار وحزب الدستوري الحر، الذين يتقاطعون في مواقفهم مع الاتحاد".

وأشار الدبلوماسي التونسي السابق إلى أن العديد من مطالب حركة مواطنون ضد الانقلاب مثل عزل الرئيس وعودة البرلمان غير واقعية، إلا أن رفع سقف المطالب غايته الضغط على قرطاج من أجل الحوار التشاركي".

من جانبه، يرى القيادي المستقيل من حركة النهضة، عبد اللطيف المكي، أن "المبادرة السياسية التي قُدِّمت من طرف "مواطنون ضد الانقلاب" تتحلى بالواقعية والوضوح، وهذا مهم، ويمكنه إرسال رسالة مهمة بأن المعارضة ليست عدمية، وأن القوى السياسية لها رؤية سياسية لما بعد إنهاء الانقلاب، بحسب ما جاء في حديثه لموقع عربي21".

موقف اتحاد الشغل

اتحاد الشغل بقي قبل صدور قرارات الرئيس التي اعتبرت انقلابية وما بعدها وإلى اليوم في مرمى جميع القوى السياسية، سواء تلك التي كانت في الحكم وأصبحت في المعارضة (حركة النهضة، قلب تونس…)، أو تلك التي كانت خارج الحكم ومؤيدة للرئيس قيس سعيد. الكل يخطب ودّ الاتحاد ويريده أن يكون وسيطاً لإقناع رئيس الجمهورية بالعمل مع مختلف الأحزاب والأطراف السياسية، من أجل حل تشاركي للأزمة السياسية، وطرفاً في الحوار الوطني المفترض بهدف تعديل القانون الانتخابي وإنجاز انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، ولاحقاً من أجل إصلاح النظام السياسي أو تغييره بما يتلاءم مع تطورات الواقع السياسي الجديد. 

اتحاد الشغل طلاب الثانوية تونس

وقد انطلقت مساعي اتحاد الشغل الداعية للحوار الوطني، منذ أن طفت أزمة العمل النيابي على السطح عندما كان البرلمان في حالة انعقاد مع الخلافات الكبيرة داخله والفوضى التي خلقتها بعض الأحزاب السياسية (حزب الدستوري الحر، ائتلاف الكرامة…)، وتصاعدت جهوده بجمع الفرقاء التونسيين حول مائدة حوار واحدة بعد القرارات الرئاسية الخارجة على الدستور "إلا أن تجاهل رئيس الجمهورية واعتزاله عن القوى السياسية دفع بالاتحاد لتصعيد لهجته ورفض أمينه العام، نور الدين الطبوبي، ذهاب الرئيس في قراراته دون سقف زمني محدد، بحسب ما جاء في مكالمته الأخيرة للرئيس ليوم واحد قبل بدء جلسات الحوار الاجتماعي"، بحسب الدبلوماسي السابق.

وفي حديث خاص لإذاعة محلية (راديو ديوان إف إم) أكّد الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي (حائز جائزة نوبل للسلام ضمن الرباعي الراعي للحوار الوطني سنة 2013 إثر اغتيالين سياسيين لزعيمين يساريين معارضين والذي نتج عنه دستور 2014)، على أنّه من غير الممكن أن يقتصر الحوار الوطني على من يتفقون مع رئيس الجمهورية وعليه أن يتحاور أيضاً مع خصومه".

الحوار مع الخصوم هو كلمة السر التي يلتقي حولها مختلف الفرقاء السياسيين، سواء الذين كانوا في الحكم وخرجوا منه بقوة قرارات الرئيس أو الذين كانوا يدعمون الرئيس في قرارات وتراجعوا عن مساندتهم له، بعد المرسوم الرئاسي 117، وهنا يكمن مربط الفرس، إذ كيف سيعقد الحوار ومع من وما هي أجندته قصيرة ومتوسطة المدى وبعيدة المدى، في ظل المتغيرات السياسية الأخيرة.

أفق الحل السياسي

اعتبر جلال الأخضر، في حديثه لــ"عربي بوست"، أن الاتحاد العام التونسي للشغل قادر على بلورة مقاربة تجمع مختلف المكونات السياسية، مشيراً إلى أن "المطلوب حالياً الجلوس مع الاتحاد ورئيس الجمهورية، حول مائدة مستديرة، تجمع المجتمع السياسي والناس البعيدين عن الشبهات وعن الفكر الطوباوي المجالسي، وعن الملاحقين قضائياً، من أجل صياغة قانون انتخابي يتفق حوله الجميع، ومن ثم إصداره مرسوماً في الرائد الرسمي، دون العودة للبرلمان ودون العودة للمناخ السلبي لما قبل 25 يوليو".

ويرى ملاحظون أن الرئيس قيس سعيد، بالرغم من "تعنّته"، فإنه مضطر للانفتاح على النخب السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل، مدفوعاً بضغوط المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، خشية "تطور الأوضاع إلى فوضى عارمة".

استنفار أمني في العاصمة التونسية
المتظاهرون رفعوا الدستور وطالبوا برحيل الرئيس – رويترز

من جانبه، قال الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، طارق الكحلاوي، إن انفتاح الرئيس على القوى السياسية "قد يقود إلى تشكيل نظام سياسي جديد قد تكون الكلمة العليا فيه للرئاسة، ولكن مع وجود محددات ورقابة".

 وفي ذات السياق، أفاد الدبلوماسي السابق أن الرئيس مقدم على القيام بتنازلات لأن "هنالك الآن صراعاً يدور حوله بين أعمدة حكمه، وزير الداخلية توفيق شرف الدين من جهة، ورئيسة الديوان الرئاسي نادية عكاشة من جهة أخرى، الأول لديه مقاربة راديكالية ولا يقبل التنازل، والثانية تقبل تقديم تنازلات، هذا بالإضافة إلى أن الرئيس فهم أنه في عزلة دولية بسبب الانقلاب".

يشار هنا إلى أن الممولين الدوليين الكبار يرفضون مد يد المعونة لتونس إلا بشروط، من أهمها عودة المؤسسات الدستورية للعمل، والقيام بإصلاحات اقتصادية عميقة، على رأسها رفع الدعم عن المواد الأولية والمحروقات، وخصخصة الشركات الاقتصادية العمومية.

 المعادلة الحقيقية الآن بين الرئيس ومواقفه المتصلبة واتحاد الشغل المنفتح على الحوار بلا شروط سوى تجميع المكونات السياسية المتصارعة حول طاولة الحوار، فهل يفلح في مهمته ويحقق اختراقاً في جدار قرطاج؟

تحميل المزيد