"مهما كانت تقلبات البيتكوين فلن تكون أسوأ من الليرة"، تقدم العملات المشفرة في لبنان لكثير من الناس أملاً في أن تكون بديلة لعملتهم الوطنية المنهارة، باعتبارها وسيلة للادخار وأداة التحويلات المالية في ظل الشلل الكامل في المصارف.
داخل مكتبٍ صغير متواضع في منطقة برج حمود ببيروت، يستعد المهندس الميكانيكي سمير سعد (37 عاماً) لافتتاح أول شركة استشارات لبنانية متخصصة في أشهر عملة رقمية: البيتكوين.
إذ قال سعد لموقع Middle East Eye البريطاني: "الهدف هو تثقيف الناس وتعريفهم بالعملات المشفرة مجاناً، وشرح كيفية إنشاء محفظة آمنة، إلى جانب تعليمهم أساسيات البلوكتشين. لقد سُلِبَت منهم أموالهم. لذا أرغب في تعليمهم كيف يُدير المرء تعاملاته المصرفية بنفسه".
وأردف سعد أنّه أجرى مقابلات بالفعل مع عشرات الأشخاص قبل أسابيع من افتتاح الشركة. حيث قال: "صباح اليوم، جاء رجلٌ ليطلب مني شراء عملات بيتكوين بقيمة 7.500 دولار أمريكي. لكنني لا أعمل في مجال تداول العملات، أنا أقدم النصح فقط. وعلى أي حال، تكشف لنا هذه الحكاية كيف يتطور الاهتمام بالبيتكوين في البلاد".
معدل نمو استخدام العملات المشفرة في لبنان الأعلى عالمياً
إذا نظرنا على مستوى العالم، سنجد أن حجم سوق البيتكوين قد نما ليتجاوز الـ2.500 مليار دولار حتى منتصف مايو/أيار عام 2021، بحسب موقع كوين ماركت كاب Coinmarketcap.
فهل أوشكت موجة العملات المشفرة على اجتياح لبنان أيضاً؟ هناك العديد من الدلائل التي تؤكد ذلك.
إذ قال مهندس الصوت تشارلز (34 عاماً) إنّه يُدرك بالفعل مدى التقلب الشديد في سوق العملات المشفرة؛ حيث اشترى عملة بيتكوين واحدة مقابل 30 ألف دولار في يناير/كانون الثاني، ليرتفع سعرها بحلول أبريل/نيسان إلى 65 ألف دولار، ثم ينخفض إلى 30 ألف دولار مرةً أخرى بعد شهرين فقط.
وقال لموقع Middle East Eye: "أجريت الكثير من الأبحاث قبل بدء الاستثمار. وأعلم أن هذا النوع من التقلبات شائع في هذه السوق. ولهذا لا أشعر بالقلق. ولا أخطط لإعادة بيع عملتي قبل بضع سنوات لأنّني أثق في هذه التكنولوجيا".
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2020 كشفت شركة Blue Wallet، التي تُدير محفظة تسمح للناس بتخزين عملاتهم المشفرة بأمان على البلوكتشين، عن زيادةٍ بنسبة 1.781% في عدد المحافظ المسجلة من لبنان- وهي النسبة الأعلى في العالم.
ويشهد لبنان حالياً عمليات شراء بيتكوين بملايين الدولارات كل يوم بحسب وكالة Reuters البريطانية، التي أجرت مقابلات مع ستة من متداولي البيتكوين في سبتمبر/أيلول الماضي.
بينما قال مارسيل يعقوب، أحد المهتمين بالعملات الرقمية منذ عام 2017، إنّه يشعر بهذا التطور أيضاً. حيث أفاد للموقع البريطاني بأنّ "حجم العملات المتداولة في السوق قد ازداد بشكلٍ كبير مؤخراً. ومن المقدر أن حجم معاملات البيتكوين الشهرية قد وصل إلى عشرة ملايين دولار حالياً. وهذا رقمٌ ضخم بالنسبة لبلدٍ مثل لبنان".
هل تكون عملة البيتكوين بديلاً لليرة؟
يأتي الاهتمام المتزايد بالبيتكوين مؤخراً بالتزامن مع أزمةٍ اقتصادية غير مسبوقة يعيشها لبنان.
ففي صيف عام 2019، انهار اقتصاد البلاد الذي كان يعتمد على المصارف وتحويلات العاملين منذ التسعينيات.
وبعدها دخلت البلاد في دوامة هبوط. ولم يعد المواطنون اللبنانيون قادرين على سحب أموالهم العالقة في البنوك. بينما وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 20 ألف ليرة لبنانية صعوداً من 1500.
ومن هنا صار الاهتمام بالبيتكوين واضحاً، لأنّ العملة المشفرة ظهرت في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. حيث تسمح بإرسال واستقبال الأموال عبر وسائل لامركزية دون الحاجة إلى وساطة أطراف ثالثة موثوقة، مثل البنوك والحكومات.
وبعكس العملات النقدية، التي تُؤدي طباعتها من البنوك المركزية إلى التضخم، فإنّ سيولة عملة البيتكوين محدودةٌ بـ21 مليون بيتكوين فقط. كما يمتلك كل مستخدم "محفظةً رقمية" مع مفتاحٍ مشفر لا يعرفه أحدٌ غيره.
إذ قال باتريك مارديني، أستاذ المالية في جامعة البلمند اللبنانية: "رغم التقلب الشديد للعملات المشفرة، لكنها تظل استثماراً مأموناً أكثر من الليرة اللبنانية. وربما تفقد عملة البيتكوين 30% من قيمتها، لكن الليرة فقدت 100% من قيمتها بالفعل".
تحويلات العاملين في الخارج تجعلها ضرورية
لم يتأثر لبنان كثيراً بالأزمة المالية العالمية عام 2008، بعكس الولايات المتحدة وأوروبا. وبالتالي لم يهتم الشعب اللبناني كثيراً بالاتجاه الجديد إلى العملات المشفرة. لكن كل ذلك تغير الآن.
حيث تقول لارا عبد الملاك، رئيسة تحرير مجلة Unlock المهتمة بأخبار البلوكتتشين في الشرق الأوسط: "بدأ العالم في الاهتمام بالبيتكوين منذ عام 2010 لأن الجميع كان يُشكّك في النظام المالي. لكن الشعب اللبناني في وضعه الحالي يبحث عن بديل".
إذ تُمثّل حوالات المغتربين اللبنانيين إلى وطنهم الأم حصةً كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، بإجمالي وصل إلى 6.3 مليار دولار في عام 2020. كما يحل لبنان في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الحوالات إلى الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغت 32.9%.
وبالنظر إلى الوضع الحالي، فمن المرجح أن يواصل المغتربون البحث عن بدائل للمصارف من أجل تحويل الأموال إلى لبنان. وهذه نقطةٌ مهمة لأن الكثير من المقيمين في لبنان لا يمتلكون حسابات مصرفية من الأساس.
وأردفت لارا: "الشيء الوحيد الذي يُبقي على تماسك النظام الاقتصادي هو الثقة التي نضعها في الوسطاء. لكن هذه الثقة تحطّمت في لبنان، وأعتقد أنها لن تعود مطلقاً".
ومع ذلك، يُمكن القول إنّ القوانين اللبنانية صارمة في هذا الصدد. إذ حظر البنك المركزي في عام 2013 شراء العملات المشفرة من منصات التداول باستخدام بطاقات الدفع المحلية.
بينما قال مارديني: "يتعرض البنك المركزي، الذي يرى في البيتكوين ضرراً كبيراً، للانتقادات بسبب إدارته الكارثية للأزمة الاقتصادية. مما يدفعك للتساؤل إن كان هذا البنك لا يزال يمتلك أي مصداقية".
في حين ترى لارا أنّ مصرف لبنان يستطيع حظر البيتكوين، لكنه لا يستطيع منع الشعب من استخدام العملة المشفرة: "اللبنانيون يريدون تجنُّب البنوك، لأنهم لا يستطيعون التحكم في ما يحدث داخلها".