تعيش تونس أزمة مادية غير مسبوقة، بسبب القرارات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس البلاد، قيس سعيّد، الأمر الذي سبَّب شبه قطيعة مع الدول الأجنبية المانحة.
ولجأ سعيّد إلى طلب الدعم المادي الأجنبي، خصوصاً من دول خليجية، أهمها السعودية والإمارات، هاتان الدولتان اللتان وعدتا قصر قرطاج بمساعدته مادياً قبل أن تتخلفا عن وعدهما.
وكشف مصدر خاص لـ"عربي بوست" أن تونس لم تتلقَّ أي دعمٍ مادي من دول الخليج، لحدود الساعة، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات، رغم الجهود التي قام بها الرئيس التونسي، منها إرسال رئيسة حكومته إلى الرياض.
وأضاف المصدر أن دول الخليج تخوفت من فشل تجربة سعيّد في تونس، وذلك بعدما فشلت في دعم أنظمة لم تستطِع المقاومة، أبرزها نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت قرارات سعيّد في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، هذين الأخيرين اللذين اشترطا عليه إعادة الديمقراطية إلى البلاد لاستئناف المساعدات المادية.
الخليج يدير ظهره لتونس
حسب معلومات حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإن رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، قد فشلت خلال زيارتها الأخيرة للرياض في إقناع السعودية والإمارات بتمويل عجز الميزانية.
وأضافت المصادر نفسها أن فشل رئيسة الحكومة التونسية دفع الرئيس قيس سعيّد إلى التفكير في تقصير مدة الإجراءات الاستثنائية، والدعوة إلى اعتماد سياسة التقشف، وإبداء استعداده للحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد الدولي، رغبة منه في الحصول على الدعم المالي.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية حذرت أبوظبي والرياض من تقديم الدعم المالي لقيس سعيّد على غرار ما فعلته مع السيسي في مصر".
أيضاً طالبت أمريكا، حسب مصادر "عربي بوست"، قيس سعيّد بطريق الوفد الذي أرسلته لمقابلته في قصر قرطاج، والذي تم التكتم عن مخرجاته بإعادة البرلمان التونسي إلى عمله، والإعلان عن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، فضلاً عن إطلاق سراح المساجين السياسيين، ووقف مطاردة النواب والمحاكمات العسكرية للمدنيين.
وكان البنك المركزي التونسي قد أعلن عن وجود نقاشات "متقدمة جداً" مع دول خليجية انطلقت منذ شهر سبتمبر/أيلول الفارط حددها في المملكة العربية السعودية والإمارات، من أجل تعبئة الموارد المالية للدولة.
جاء ذلك على لسان المدير العام للتمويل والدفوعات الخارجية في البنك، عبدالكريم لسود، هذا الأخير الذي لم يحدد طبيعة المفاوضات، والقيمة المالية التي تناقش.
وبعد أن أبدت دول خليجية تحمساً لإجراءات قيس سعيّد الاستثنائية، وتعليقه نشاط البرلمان والعمل بالدستور، وتجميع كل السلطات بين يديه، ورغم التطمينات والوعود إلا أن هذه الدول لم تفِ بوعودها وتركته يواجه مصيره.
ما أسباب تراجع الدول الخليجية؟
يعود سبب تراجع الدول الخليجية على مساعدة تونس في تخوفها من مشروع قيس سعيّد، وعدم قدرته على الصمود لأطول فترةٍ ممكنةٍ، نتيجة الضغوطات الداخلية والخارجية، الأمر الذي جعلها تتراجع عن دعمه مادياً وتكتفي بمجرد وعود سياسية.
أنور الغربي، الأمين العام لمجلس جنيف للعلاقات الدولية، قال إن "هناك أسباباً عديدة تجعل السعودية غير متحمسة، ولا هي جاهزة حالياً للاستثمار في مشروع سعيد وإبقائه أطول فترة ممكنة في السلطة".
وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إن "دول الخليج تنتظر نتائج المهلة التي حددها الكونغرس الأمريكي في شهر ونصف لمعرفة حجم تورط المؤسسة العسكرية في ما وقع، وخاصة في علاقة تعطيل مجلس نواب الشعب".
أيضاً، وحسب المتحدث، تسعى الدول الخليجية لعدم تأزيم الأمور أكثر مع المنظومة الدولية، وانتظار ما ستقوله الأطراف بخصوص الوضع في تونس ومآلاته، وذلك في ظل عدم وجود جهة ضامنة ذات مصداقية، خاصة أن أمريكا لم تتأكد بعد من تورط المؤسسة العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، يقول المتحدث إن "السعودية لها تجربة مريرة مع نظام معمر القذافي، مع وجود بوادر قوية لاستنساخ التجربة من طرف قيس سعيّد وجماعته، دون تناسي التخوف الكبير من تأثير الدور الإيراني في قرارات قرطاج، وهو الأمر الذي يزعج السعوديين أكثر من أي شيء آخر، خاصة أن تجاربهم مع الحوثيين وحزب الله، والحشد الشعبي".
وأشار المتحدث إلى أن "السعودية والإمارات تسعيان إلى عدم المجازفة أكثر بمصالح البلاد والعائلة الحاكمة، خاصة أن السلطات تسعى لإغلاق الملفات المفتوحة، وتسعى للعب أدوار سياسية متقدمة في المنطقة".
الإمارات.. الداعم الإعلامي واللوجيستي
وتبقى الإمارات، حسب تصريح أنور الغربي، الأمين العام لمجلس جنيف للعلاقات الدولية لـ"عربي بوست" الداعم الأكبر إعلامياً ولوجستياً وخارجياً لقيس سعيّد، إذ سارع حكامها لزيارة الرئيس بعد استيلائه على كل السلطات.
وأضاف المتحدث أن "الخطة التي ينفذها سعيّد حالياً تتماهى مع السياسة الإماراتية المعلنة، بالتصدي للديمقراطية وحكم الصندوق في العالم العربي".
من جهته أكد المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة رياض الشعيبي أن "قيس سعيّد مدعوم من جهات خليجية، وأن هذا الدعم يصطدم بعزلة دولية، وبالتالي لم يجدوا منفذاً لمساعدته، رغم محاولاتهم فعل ذلك من خلال الزيارات الدبلوماسية، وتسريبات حول وعود لم يتحقق منها شيء إلى حد الآن".
وقال الشعيبي في تصريح لـ"عربي بوست" إنهم "لو وجدوا إمكانية لدعمه فلن يتأخروا، لكنهم إلى حد الآن غير واثقين بنجاحه نتيجة الحصار والعقوبات الدولية الصامتة المسلطة على تونس".
إقتصاد تونس بلغة الأرقام
يمر الاقتصاد التونسي بصعوبات كبيرة منذ 2011، إذ لم يتجاوز معدل النمو 0.6%، كما ارتفعت نسبة التضخم إلى 6%، وزادت الأزمة الصحية من تفاقم الوضع في البلاد، كما خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، مؤخراً، تصنيف البلاد السيادي من "B3" إلى "Caa1″، مع نظرة مستقبلية سلبية.
أرام بالحاج، الأستاذ الجامعي والمتخصص في الاقتصاد، قال إن "هناك إشكالاً كبيراً في الميزانية العمومية، ووجود تمويل أجنبي في هذا الوقت بالذات يمكن أن ينقذ الموقف".
وأضاف بالحاج في تصريح لـ"عربي بوست" أن "تونس لم تحصل إلا على ثلث موارد الاقتراض الخارجي المبرمجة في قانون المالية لسنة 2021، (حسب آخر أرقام تنفيذ الميزانية)".
وأشار المتحدث إلى أنه "في حال لم نجد بلداً صديقاً أو شقيقاً، ستلجأ الحكومة إلى حل غير مرحب به من طرف صندوق النقد الدولي وكافة الشركاء، وهو التمويل المباشر من طرف البنك المركزي".
وقال الخبير الاقتصادي إن "هناك سيناريو آخر يمكن أن يحد من الضغط على البنك المركزي التونسي (الضغط المتعلق بالتمويل المباشر)، وهو رصد الجزء المتبقي من الاعتمادات المخصصة للاستثمار والتي لم تصرف في تغطية ميزانية التصرف".