اشتدت المنافسة الاقتصادية بين السعودية والإمارات خلال الفترة الماضية، وتسابق كلتاهما الزمن الآن لتوطيد العلاقات التجارية مع الهند، فماذا تقول الأرقام عن ذلك السباق المحتدم؟
ولأسباب جغرافية اقتصادية بشكلٍ رئيسي، كانت نيودلهي تمثل الحليف الاستراتيجي المُفضَّل للرياض وأبوظبي على مدى سنوات. فمن ناحية، تُعَدُّ السعودية ثاني أكبر مورِّدٍ للنفط إلى الهند، ورابع أكبر شريكٍ تجاري لها، إذ بلغت قيمة التجارة الثنائية بينهما 27.48 مليار دولار في 2017-2018. وبالإضافة إلى ذلك، خلال زيارة وليّ العهد محمد بن سلمان إلى الهند في عام 2019، أُعلِنَت استثمارات مُحتَمَلة بقيمة 100 مليار دولار.
ومن ناحيةٍ أخرى، تُعَدُّ أبوظبي ثاني أكبر شريكٍ تجاري لنيودلهي، إذ تبلغ قيمة التجارة غير النفطية 40 مليار دولار. وتولت عمليات شركة موانئ دبي العالمية مع 15% من واردات الهند غير النفطية في عام 2016. لذا تتمتَّع الإمارات بحضورٍ اقتصادي قوي في الهند.
ونشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً عنوانه "الإمارات والمملكة السعودية تتطلَّعان إلى توطيد التجارة مع الهند"، رصد سعي السعودية والإمارات لزيادة حصة استثماراتهما في الهند وتداعيات ذلك على المنافسة المحتدمة بينهما.
خطوات الإمارات في التجارة مع الهند
أطلقت شركة موانئ دبي العالمية، وهي شركة عالمية رائدة في الإمارات، خططاً في الآونة الأخيرة لتطوير البنية التحتية اللوجستية في إقليم جامو وكشمير في الهند. ورغم توقيع مذكرة تفاهم أوَّلية بين حكومة دبي وحكومة جامو وكشمير في عام 2018، فقد أُضفِيَ الآن الطابع الرسمي على الصفقة، وفقاً لإعلانٍ، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكان سلطان بن سليم، رئيس مجلس إدارة شركة موانئ دبي ورئيسها التنفيذي، قد توقع أن تبلغ قيمة قطاع الخدمات اللوجستية في الهند 215 مليار دولار في عام 2020، بأجمالي 34 مجمَّعاً لوجستياً و1300 مشروع للبنية التحتية قيد التنفيذ. ومن خلال التعامل مع ربع إجمالي حجم تجارة الحاويات في الهند، استثمرت موانئ دبي العالمية أكثر من 2 مليار دولار في الموانئ والبنية التحتية.
وسوف تُستثمَر 3 مليارات دولار أخرى في شراكةٍ مع صندوق الاستثمارات الوطني والبنية التحتية في الهند الآن. كما أُطلِقَت 4 رحلات أسبوعية من سريناغار إلى الشارقة بغرض تعزيز التجارة والسياحة بين البلدين.
وتظهر هذه الأرقام سيطرة إماراتية كبيرة على السوق الهندية، ولم يكن ذلك يمثل مشكلةً في السابق، لكن العلاقات السعودية الإماراتية تغيَّرَت هذا العام. ففي ظل سعي البلدين لتنويع اقتصادهما في مرحلة ما بعد النفط، أصبحت كلتا الدولتين العربيَّتين متنافسة. تحاول الرياض استبدال دبي كمركزٍ اقتصادي إقليمي، وقد حقَّقَت هدفها إلى حدٍّ ما بسبب حجمها الهائل وإمكاناتها الاقتصادية. ورداً على ذلك، أعلنت الإمارات عن بعض المشروعات المبتكرة وأنظمة التأشيرات المُخفَّفة لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي.
إذ تسعى السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر مصدر للنفط في العالم، لإعادة تنشيط خطتها الاقتصادية لرؤية 2030، الهادفة لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط. ويأمل ولي العهد في تحفيز فرص الاستثمار في المملكة لتصل إلى 6 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل، نصفها يمثل مشاريع جديدة.
وقفزت السعودية 30 مركزاً منذ 2019 إلى المرتبة 62 بين 190 اقتصاداً في العالم، في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، بينما احتلت الإمارات المرتبة الـ16 (الأولى عربياً)، وفق البنك الدولي.
ماذا عن السعودية؟
قبل عامين، أعلنت الرياض استثماراتٍ مُحتَمَلة بقيمة 100 مليار دولار، لكن التقدُّم بطيءٌ نسبياً. وفيما يخص الاستثمار في قطاع الطاقة الهندي، خطَّطَت شركة أرامكو السعودية في أوائل 2019 لشراء حصة تتراوح قيمتها بين 15 و16 مليار دولار في شركة ريلاينس إندستريز للنفط والكيماويات الهندية.
في ذلك الوقت، كانت تلك صفقةً جذَّابة للشركة الهندية، لكن تغيُّر موقف أرامكو منذ ذلك الحين سيجعلها أكثر فائدةً الآن للسعوديين. وتأكيداً على اهتمام الرياض بالمشروع، قال المبعوث السعودي إلى نيودلهي، سعود بن محمد الساطي، العام الماضي، إن الخطط تسير على الطريق الصحيح، وتجري أيضاً مناقشة فرص الاستثمار في قطاعاتٍ أخرى.
ورغم عدم اكتمال الشراكة، فإنها لا تزال على قيد الحياة وعُيِّنَ رئيس مجلس إدارة أرامكو، ياسر الرميان، مؤخَّراً مديراً مستقلاً في مجلس إدارة ريلاينس.
وقد يساعد تعزيز الأعمال مع الهند أيضاً المملكة السعودية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية لـ"رؤية 2030″. ونتيجةً لذلك، أُنشِئ مجلس شراكة استراتيجية من كلا البلدين، وأطلقت الرياض مبادرة إصلاح العمل لتسهيل وجود العمال الهنود المهاجرين. ومع ذلك، فإن أبوظبي هي التي تتمتَّع بصلاتٍ أعمق مع نيودلهي.
قال سوين: "هناك عمالٌ هنود يعيشون في الإمارات ضعف عددهم في المملكة السعودية. والإمارات هي الشريك التجاري الأول للهند في منطقة الشرق الأوسط، وكلتاهما تريد مضاعفة تجارتهما غير النفطية في السنوات الخمس المقبلة… وستعزِّز المشاريع التجارية الجديدة لدولة الإمارات في الهند علاقتها بشكلٍ أكبر".
وعلاوة على ذلك، أعلنت الإمارات خططاً لمضاعفة تجارتها غير النفطية في الهند إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة، وكان وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، في نيودلهي مؤخَّراً لإجراء محادثاتٍ مع نظيره بيوش جويال، بشأن ميثاقٍ اقتصادي لتعزيز الأعمال والاستثمار والوظائف.
طبيعة التنافس بين الرياض وأبوظبي
كانت الرياض قد أنهت التعريفات التفضيلية على السلع المصنوعة في المناطق الحرة، مثل الإمارات. وبعد ذلك، كان هناك خلافٌ بين الدولتين العربيَّتين في منظمة أوبك بشأن إنتاج النفط. وقال أمير خان، كبير الاقتصاديين في البنك الوطني السعودي لموقع المونيتور: "كانت الفكرة في السابق هي إنشاء سوق خليجية، لكنْ هناك الآن إدراك بأن أولويات المملكة السعودية والإمارات مختلفة تماماً".
وقال أشوك سوين، أستاذ أبحاث السلام والنزاع في جامعة أوبسالا في السويد، في مناقشةٍ حول هذا الوضع مع موقع Al-Monitor الأمريكي: "على الرغم من أن السعودية والإمارات حليفتان وثيقتان، تزداد المنافسة الاقتصادية حِدَّة. ورغم كونها دولةً أصغر حجماً، كانت الإمارات متقدِّمةً في قطاعات الأعمال والتجارة والسياحة، لكن المملكة السعودية تحاول كسب اليد العليا في الوقت الذي تستعد فيه لعالم ما بعد النفط".
وبالنظر إلى أن كلتا الدولتين تتمتَّع بحصصٍ اقتصادية كبيرة في الهند، فلا بد من ظهور بعض التنافس. وقال سوين: "ستكون المنافسة صعبة، إذ أصبحت الإمارات أقرب إلى الولايات المتحدة على الجبهة الدبلوماسية من خلال رصيدٍ سياسي وعسكري ثمين. وبالمثل، طوَّرَت الإمارات أيضاً علاقةً أقوى بكثيرٍ مع الهند".
وقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات، لشبكة CNBC الأمريكية: "ما يحدث هنا هو أن هذين أكبر اقتصادين في المنطقة. وبما أن السعودية تريد إصلاح اقتصادها، وتريد الخصخصة، إلخ، فلا بد أن تكون هناك منافسةٌ بينهما… ومن المُحتَّم أن تزداد المنافسة حِدَّة في الأيام المقبلة".
وقال مايكل تانتشوم، الزميل الأقدم في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية، والزميل غير المقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إنه على الرغم من العلاقات التجارية بين الإمارات والهند، تتمتَّع السعودية بمزايا خاصة بها.
وقال تانتشوم: "إلى جانب الموارد الطبيعية والمالية للسعودية، تتمتَّع المملكة بمزايا جغرافية. يشمل "الممر التجاري العربي المتوسطي" للهند الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل واليونان، ولدى الهند والمملكة السعودية إمكانية إنشاء ممر مماثل عبر عمان وميناء الدقم. وعلاوة على ذلك، يمكن لساحل المملكة السعودية على البحر الأحمر أن يقدِّم العديد من المزايا الجغرافية الاستراتيجية للهند".
الخلاصة هنا هي أن المنافسة الاقتصادية بين السعودية والإمارات قد تكون أمراً طبيعياً في العلاقات بين الدول، ما دامت لم تصل إلى نقطة الصراع السياسي، وإن كان الخلاف داخل منظمة أوبك تحديداً يثير القلق من هذه الناحية.
إذ إنه من النادر أن يخرج الخلاف بين السعودية والإمارات إلى العلن كما حدث في ملف النفط قبل أشهر، خصوصاً أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد استفاض في توجيه النقد العنيف للموقف الإماراتي.