بشكل غير متوقع، ارتفع سعر النفط عالمياً بسبب العديد من الأمور أهمها عودة اقتصادات العالم بعد فترة الركود الكبيرة التي صاحبت بداية جائحة فيروس كورونا العام الماضي، لكن متغيراً آخر كان يشير إلى التوتر بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبين الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وعلى رأسه الرئيس جو بايدن.
ويبدو أن الأمير السعودي يريد الانتقام من الديمقراطيين عامة، ومن الرئيس جو بايدن على وجه التحديد؛ بسبب زيادة تباعد الحزب عن المملكة، من خلال رفع أسعار الطاقة وتأجيج التضخم العالمي، بحسب تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.
بايدن وعدم مقابلة محمد بن سلمان
بدا أنَّ بايدن نفسه يلمح إلى هذا في حدث بقاعة المدينة مع شبكة CNN الشهر الماضي، حين أرجع أسعار الغاز المرتفعة إلى "مبادرة سياسة خارجية" معينة له، مضيفاً: "هناك الكثير من الناس في الشرق الأوسط الذين يرغبون في التحدث إليّ. لكنني لست متأكداً من أنني سأتحدث معهم".
كان بايدن يشير إشارة واضحة إلى رفضه لقاء محمد بن سلمان والاعتراف به حاكماً فعلياً للسعودية بسبب دوره في القتل المروّع للصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
في يونيو/حزيران 2018، مع اقتراب الانتخابات النصفية، طلب ترامب من المملكة العربية السعودية وكارتل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، خفض أسعار الطاقة من خلال زيادة الإنتاج، وهو الأمر الذي لم تمتثل له المملكة. وانخفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في عام 2020 وسط وباء فيروس كورونا المستجد، وهبوط الاستخدام إلى مستويات قياسية. ثم ارتفعت الأسعار بمجرد تضاؤل الوباء وإعادة فتح الاقتصاد، وطلب بايدن في أغسطس/آب 2021 من أوبك زيادة الإنتاج مرة أخرى.
لكن هذه المرة رفض محمد بن سلمان، غاضباً من عدم حصوله على مقابلة مع بايدن بعد، وازدراءً للانسحاب الأمريكي من الحرب في اليمن. وبرغم أنَّه أنهى الدعم الأمريكي للسعودية والإمارات في حرب اليمن من خلال منع دعم "العمليات الهجومية" فقط، إلا أنَّ المملكة اعتبرتها ضربة قاضية.
وقال علي الشهابي، وهو مواطن سعودي يعتبر صوتاً لمحمد بن سلمان في واشنطن، في تعليق لموقع The Intercept: "لقد بذلت السعودية الكثير من الجهد لتحافظ على منظمة أوبك + متماسكة للعمل على مدار الأشهر الـ15 شهراً الماضية منذ الأزمة التي أسقطت العقود الآجلة للنفط إلى ما دون الصفر؛ لذا لن تتعارض مع الإجماع أو مع روسيا بشأن هذا. بجانب أنَّ المملكة مستاءة من إلقاء اللوم عليها بسبب ما هو في الأساس مشكلة هيكلية ليست من صنعها في الولايات المتحدة والتي أعاقت إنتاجها للطاقة".
يعتمد الاقتصاد الأمريكي اعتماداً كبيراً على الوقود الأحفوري، وفوق الأسعار التي يدفعها المستهلكون مباشرة في المضخة وللطاقة في المنزل، فإنَّ تكاليف الغذاء والسلع المصنعة معرضة بشدة لتقلبات أسعار الطاقة.
الغاز هو الآخر يرتفع
قال بايدن الشهر الماضي: "ترتبط أسعار الغاز بمبادرة سياسة خارجية تتعلق بشيء يتجاوز تكلفة الغاز. ولدينا حوالي 3.30 دولار للغالون في معظم الأماكن، والآن يرتفع بعدما كانت قيمته برقم من خانة واحد؛ وذلك بسبب حجب العرض من قبل أوبك. ولذا هناك الكثير من المفاوضات، وهناك الكثير من الناس في الشرق الأوسط الذين يريدون التحدث معي. لست متأكداً من أنني سأتحدث معهم. لكن النقطة المهمة هي أنَّ الأمر يتعلق بإنتاج الغاز".
ومنذ هذه الكلمة، ارتفعت أسعار الغاز أكثر، وصولًا الآن إلى حوالي 3.40 دولار، وهو أعلى مستوى خلال 7 سنوات.
وتابع: "هناك احتمال بإمكانية خفض الأسعار. [الأمر] يعتمد قليلاً على المملكة العربية السعودية وبعض الأشياء الأخرى في المستقبل القريب".
وأدلى بايدن بتعليقات مماثلة في قمة مجموعة العشرين في أكتوبر/تشرين الأول، قائلاً إنَّ روسيا والسعودية ودول أخرى تمتنع عن إنتاج المزيد. وأضاف: "هذا له تأثير عميق في أسر الطبقة العاملة بالنسبة لرحلة الذهاب إلى العمل والعودة كل يوم".
وقال أحد كبار مساعدي مجلس الشيوخ، غير المخول بالتحدث علناً، لموقع The Intercept: "لقد منحت الولايات المتحدة، من خلال سياساتنا الخاصة، سلطة لمحمد بن سلمان بمعاقبتنا اقتصادياً".
وقال جون هوفمان، محلل شؤون الشرق الأوسط، الذي كتب مؤخراً مقالاً انتقادياً عن الإمارات ومحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للبلاد، إنَّ رفض محمد بن سلمان إنقاذ بايدن من خلال "فتح صنبور الإنتاج محسوب في السياسة الخارجية… وهم يعرفون بالتأكيد ما يفعلونه، وأولئك الذين يلعبون دور الأبرياء ويتصرفون وكأنها ليست استراتيجية منسقة هم إما جاهلون أو في جيوب محمد بن سلمان أو محمد بن زايد"، بحسب الموقع الأمريكي.
معضلة بايدن-السعودية
وتكشّفت سياسات النفط والاقتصاد والسياسة الخارجية هذا الأسبوع، مع مضي إدارة بايدن قدماً في بيع أسلحة كبيرة إلى المملكة بسبب حربها في اليمن، مع تعرضه لانتقادات شديدة من الناقدة السعودية البارزة، النائب إلهان عمر من ولاية مينيسوتا.
يسلط بيع الأسلحة الضوء على معضلة بايدن-السعودية؛ لأن محمد بن سلمان لا يريد الأسلحة فقط بل يريد الثناء دون كلمة معارضة من أي ديمقراطي.
وقالت تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد Quincy Institute والمنتقدة للسعودية، إنَّ الخطوة التي اتخذها محمد بن سلمان تهدف إلى تعزيز الجمهوريين، الذين يعتبرهم ولي العهد حليفاً أكثر موثوقية. وأضافت: "أرى أنها جزء من استراتيجية سعودية أوسع لتفضيل الحزب الجمهوري؛ إذ يقدر محمد بن سلمان أنَّ رئيساً جمهورياً سيعيد الاستثمار في فكرة الهيمنة على الشرق الأوسط عسكرياً؛ مما يجعل العلاقة مع المملكة العربية السعودية حاسمة مرة أخرى".
ودفعت التحالفات السياسية الإقليمية العديد من كبار قادة الشرق الأوسط إلى تفضيل قيادة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. في أعقاب سعي الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما إلى الاتفاق النووي الإيراني في مواجهة معارضة من السعودية والإمارات وإسرائيل، تعزز التحالف بين الدول الثلاث.
وقالت تريتا بارسي إنَّ محمد بن سلمان يريد العودة إلى الأيام التي كانت فيها السعودية محصنة تماماً من أي انتقاد وتتلقى دعماً أمريكياً دون طرح أي أسئلة. وأوضحت: "بينما من الواضح أنَّ بايدن لم يكسر تماماً هذه السياسات، على الرغم من تصريحاته، فإنَّ الديمقراطيين- خاصة التقدميين- يضيفون المزيد من الاصطدام إليها وهم أكثر تردداً في إعادة تأهيل محمد بن سلمان. لذا، فبالنسبة لمحمد بن سلمان على وجه التحديد، وكذلك حزب الليكود الإسرائيلي اليميني، والقادة في أبو ظبي، فالرئيس والكونغرس الجمهوريون أفضل كثيراً. وقد أظهرت جميع هذه الدول الثلاث بالفعل ميلاً كبيراً للتدخل في السياسة الأمريكية".
قد يكون للتدخل السعودي في السياسة الأمريكية نيابة عن الحزب الجمهوري آثار عميقة على سياسات الطاقة النظيفة؛ إذ تتزايد دوافع الديمقراطيين القوية للابتعاد عن الاقتصاد القائم على النفط، الذي يمكن أن يقع ضحية للتلاعب من الخصوم السياسيين. وقال بايدن خلال خطابه في قاعة المدينة: "الجواب في النهاية- أي خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة- هو الاستثمار في الطاقة المتجددة"، موضحاً إطاراً زمنياً متفائلاً بدرجة غير واقعية، لكنه يصف الاتجاه الذي يخطط الديمقراطيون للذهاب إليه.
وفي غضون ذلك، يمكن أن يكون للجمهوريين قبضة ثابتة على إنتاج النفط، التي يمكنها بسهولة تحريك معدلات الموافقة أو الاقتراع العام في الكونغرس صعوداً أو هبوطاً حسب الرغبة. كل ما يتطلبه الأمر هو غض الطرف.