فشلت الوساطة الأمريكية لوقف الحرب الأهلية في إثيوبيا، وتستعد قوات التيغراي والأورومو للزحف نحو العاصمة أديس أبابا بهدف إسقاط رئيس الوزراء آبي أحمد ومحاكمته، فهل تتفكك إثيوبيا، أم تنتهي الأزمة بغيابه عن المشهد؟
ويواجه آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام قبل نحو عامين فقط، موقفاً غاية في الدقة، مع اقتراب قوات التحالف المعادي له من الزحف نحو العاصمة وقطع الإمدادات عن البلاد بالسيطرة على الطرق الرئيسية، وارتفاع وتيرة التنديد الدولي بما تشهده البلاد التي تمزقها الحرب الأهلية.
كانت الحرب في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا قد اندلعت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عندما أمر رئيس الوزراء آبي أحمد بشن عملية عسكرية على الإقليم الذي كانت تحكمه جبهة تحرير شعب تيغراي، قائلاً إنه فعل ذلك رداً على هجوم تعرضت له قاعدة عسكرية للقوات الحكومية هناك.
وبعد أقل من شهر، أعلن آبي أحمد الانتصار العسكري وسيطرة القوات الحكومية على الإقليم وفرار قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لكن تقارير شككت في تصريحات رئيس الوزراء، وسط تحذيرات من تحول المواجهة إلى حرب عصابات طويلة الأمد.
وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ عادت قوات إقليم تيغراي للسيطرة على العاصمة ميكيلي بعد هروب القوات الإثيوبية، المدعومة من قوات إريتريا، وذلك في يونيو/حزيران الماضي، مما دفع الحكومة إلى إعلان وقف إطلاق النار. ومع ذلك، قال المتمردون في وقت لاحق إنهم صعّدوا هجومهم وفرضوا سيطرتهم على جزء كبير من جنوب تيغراي.
وانضمت قوات من قوميات أخرى في البلاد، أبرزها الأورومو، إلى قوات تيغراي، ليضيق الخناق على آبي أحمد، خصوصاً بعد أن أعلنت تلك القوات أنها ستبدأ الزحف نحو العاصمة أديس أبابا، ووجه آبي أحمد الدعوة للمواطنين لحمل السلاح، فهل أصبح سقوط الرجل الذي كان قد حصل على جائزة نوبل للسلام مسألة وقت؟
تعهدات بإسقاط آبي أحمد
وشهدت الساحة الإثيوبية المضطربة حد الاشتعال عدداً من التطورات اللافتة داخلياً وخارجياً الجمعة 5 نوفمبر/تشرين الثاني؛ إذ تم الإعلان عن تحالف من تسعة فصائل مسلحة مناهضة لحكومة آبي أحمد، قال في بيان له، صادر من واشنطن، إنه يهدف إلى إسقاط رئيس الوزراء سواء بالقوة أو بالمفاوضات وتشكيل حكومة انتقالية.
وتم إعلان تشكيل التحالف الجديد في اجتماع في واشنطن وأُطلق عليه اسم "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية". وقال التحالف إنه شكل قيادة لتنسيق جهوده العسكرية والسياسية.
وقال محمود يوجاس محمد، من فصيل المقاومة في الولاية الصومالية الإثيوبية، أحد الفصائل التسعة التي لديها جميعاً وحدات مسلحة: "ستكون الخطوة التالية تنظيم أنفسنا وإسقاط الحكومة القائمة بالكامل، إما بالقوة أو عن طريق التفاوض… ثم تشكيل حكومة انتقالية".
وقال المنظمون إن الاتفاقية توسع اتفاقية قائمة بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجبهة تحرير أورومو، بحسب رويترز. وقال برهان جبريكريستوس، القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وسفير إثيوبيا السابق لدى الولايات المتحدة: "نحاول إنهاء هذا الوضع الرهيب في إثيوبيا الذي خلقته حكومة آبي بمفردها.. الوقت ينفد بالنسبة له".
وفي اليوم نفسه، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن عن فشل جهود الوساطة لوقف الحرب الأهلية في إثيوبيا، ونصحت واشنطن مواطنيها بمغادرة الدولة الإفريقية بأسرع ما يمكن. وقال بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية في أديس أبابا اليوم الجمعة: "الوضع الأمني في إثيوبيا غير واضح تماماً".
ومع اتساع رقعة الصراع وتصاعد تهديدات تيغراي والقوات المتحالفة معها بالزحف إلى العاصمة أديس أبابا، ناشدت القوات المسلحة الاتحادية العسكريين المتقاعدين الانضمام من جديد إلى صفوف الجيش، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وكان آبي أحمد قد دعا المواطنين إلى حمل السلاح دفاعاً عن العاصمة، وأعلنت حكومته حالة الطوارئ، لكن فيسبوك حذف منشور رئيس الوزراء المأزوم، معتبراً إياه انتهاكاً لسياسة عملاق منصات التواصل الاجتماعي التي ترفض التحريض على العنف.
ودعا آبي أحمد المواطنين إلى حمل السلاح لوقف تقدم جبهة تحرير شعب تيغراي المتمردة نحو العاصمة أديس أبابا، قائلاً إن تقدم المتمردين "سوف يؤدي إلى زوال البلاد"، وحث المواطنين على "تنظيم صفوفهم والسير بأي طريقة شرعية وبأي أسلحة وقوة متاحة… لمنع وصد ودفن مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي الإرهابية"، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس
لكن على الرغم من تقدم القوات المتمردة واقترابها نسبياً من العاصمة، التي يقطنها خمسة ملايين نسمة، قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإسدال الستار على الحرب الأهلية المستمرة منذ عام. وسيكون على القوات الموالية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أن تقاتل في مناطق تكن لها العداء في إقليم أمهرة المجاور من أجل بلوغ أديس أبابا.
كما قد تواجه أيضاً مقاومة من إثيوبيين آخرين يخشون أن يعود إلى السلطة حزب حكم البلاد بقبضة من حديد قرابة 30 عاماً وسيطر على الحكومة المركزية قبل تولي آبي أحمد رئاسة الحكومة في 2018. كما أوروميا، وهي المنطقة المحيطة بأديس أبابا، من الانقسامات، بحسب تحليل لرويترز.
وتتشكل إثيوبيا من عدد من القوميات والأقاليم، يتمتع كل منها بما يشبه الحكم الذاتي- أي وجود حكومة محلية تدير الإقليم- تحت مظلة الحكومة الفيدرالية ومقرها أديس أبابا العاصمة، وهذه القوميات هي: قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان، وقومية الأمهرية وتمثل 27% والقومية الصومالية وتمثل 6.2% وقومية التيغراي وتمثل 6.1% وقومية السيداما وتمثل 4% وقومية الجوراج وتمثل 2.5%..
ولآبي أحمد أصول من جماعة أورومو العرقية، وساعدته كبرى الجماعات العرقية في البلاد في الوصول إلى منصبه بعد أعوام من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. لكنه فقد بعض الدعم بعدما اعتقلت قوات الأمن الآلاف من الأورمو، الذين اتهمه بعضهم بأنه لا يقدم ما يكفي لجماعتهم. كما احتجزت السلطات عدة زعماء من الأورومو في أعقاب أحداث شغب أودت بحياة المئات.
وأدى ذلك إلى تحالف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مع جيش تحرير أورومو الذي يحارب الحكومة المركزية أيضاً، وأخيراً يمثل اتساع رقعة التحالف المناهض لآبي أحمد وحكومته تحدياً ضخماً؛ إذ يبدو جلياً أن ذلك التحالف يحظى، على أقل تقدير، بموافقة الإدارة الأمريكية، قياساً على أن الإعلان عنه تم من واشنطن.
وفي هذا السياق، قالت بيلين سيوم، المتحدثة باسم رئيس الوزراء، إنه لا يمكن التعويل على هذا التحالف لتحقيق الديمقراطية. وكتبت في تغريدة على تويتر "أتاح فتح المجال السياسي قبل ثلاثة أعوام فرصة كبيرة للمتنافسين لتسوية خلافاتهم عبر صندوق الانتخابات في يونيو 2021".
وقال دبلوماسيون إقليميون، تحدثوا لرويترز شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، إن التهديدات بالزحف إلى أديس أبابا قد تكون مناورة لإجبار آبي على الدخول في مفاوضات أو التنحي. وقال جيتاشيو رضا، المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الذي لم يرد على طلبات للتعليق، إنه يجب تشكيل حكومة مؤقتة ومحاكمة آبي.
ويمكن لقوات تيغراي بدلاً من الزحف مباشرة نحو العاصمة أن تسعى لزيادة الضغط على حكومة آبي عن طريق عزل البلد غير الساحلي عن الميناء البحري الرئيسي في المنطقة. ويمكنهم أيضاً دخول العاصمة مع حلفائهم من الأورومو أو خلفهم.
وقال أودا طربي، المتحدث باسم جيش تحرير أورومو: "العملية سيقودها جيش تحرير أورومو… هذه ببساطة أرضنا وبالتالي تقع تحت ولايتنا".
هل تتدخل إريتريا مرة أخرى لإنقاذ آبي أحمد؟
وحتى الآن، أزهق الصراع، في الدولة التي كانت تعتبر في الماضي حليفاً مستقراً للغرب في منطقة تموج بالاضطرابات، أرواح آلاف الأشخاص ودفع نحو 400 ألف في تيغراي إلى شفا المجاعة وأرغم أكثر من 2.5 مليون على الفرار من ديارهم.
واحتشدت قوات من أمهرة، ثاني أكبر مناطق إثيوبيا من حيث عدد السكان، دعماً لحكومة آبي. وهناك نزاع حدودي طويل الأمد بين تيغراي وأمهرة. وسيطرت أمهرة على أراض في غرب تيغراي. كما اندلع العنف على الحدود بين أورومو وأمهرة. وقال وليام دافيسون، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، لرويترز إنه قد يكون هناك رد فعل عنيف إذا استولت قوات تيغراي وأورومو على العاصمة.
وقال: "قد تشن منطقة أمهرة تمرداً صريحاً إذا فرضت قوات تيغراي وجيش تحرير أورومو سيطرتهما على أديس أبابا. فسكان أمهرة ليسوا غاضبين فقط من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو فحسب، ولكن أيضاً من القادة الاتحاديين لأنهم تركوا (أمهرة) مكشوفة (دون دفاع)".
وقد يكون طريق قوات تيغراي وأورومو إلى العاصمة التي تحتضن أيضاً مقر الاتحاد الأفريقي والعديد من البعثات الدولية مفروشاً بالدماء. فأديس أبابا كانت البؤرة الساخنة للمعارضة لحكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي منذ أن أشرف الحزب على حملة قمع أسفرت عن اعتقال 30 ألفاً في أعقاب انتخابات عام 2005.
وقال تيفيري ميكونين، وهو عامل في محطة وقود يبلغ من العمر 30 عاماً، يوم الخميس: "لا أعتقد أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ستصل إلى أديس أبابا. لست خائفاً على الإطلاق… إذا أعطتني الحكومة سلاحاً وطلبت مني القتال، فسأفعل ذلك. لا أحد سيقبل عودتهم".
وقد يطلب آبي أحمد أيضا المساعدة من إريتريا مرة أخرى. وكانت قوات إريتريا قد دخلت تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني لدعم الجنود الإثيوبيين قبل أن ينسحب معظمهم في يونيو/ حزيران بعد سيل من التقارير عن عمليات قتل جماعي لمدنيين وحوادث اغتصاب جماعي. وتنفي إريتريا ارتكاب انتهاكات.
هل تتفكك إثيوبيا؟
وفي ردها على تشكيل التحالف الجديد، قالت الحكومة الإثيوبية إنها تتحمل مسؤولية حفظ أمن البلاد، وحثت شركاءها الدوليين على الوقوف مع الديمقراطية الإثيوبية. وقالت في بيان: "لا وجه للمقارنة بين حكومة منتخبة ديمقراطياً ومجموعة من الإرهابيين والممثلين العرقيين الذين يواصلون إشاعة العنف والدمار".
لكن على الرغم من تزايد الدعوات لوقف لإطلاق النار وإجراء محادثات من الشركاء الدوليين، ومن بينهم أوغندا وكينيا، وهما دولتان لهما وزنهما في المنطقة، وكذلك من جهات مانحة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أنه حتى الآن لا توجد مؤشرات تذكر على أن أياً من الجانبين يريد إجراء محادثات. لكن بعض الأصوات الإثيوبية بدأت تنادي علناً بالسلام.
وقال دافيسون لرويترز: "سلطة آبي لم تُمس حتى الآن… لكن في ظل كل هذه الضغوط، من الممكن أن تنفتح أبواب (الغضب) على مصاريعها"، في إشارة إلى أن الحل في نهاية المطاف قد يكمن في إجبار آبي أحمد على التنحّي تفادياً لتفكّك البلاد.
وتناولت مجلة Foreign Affairs الأمريكية الصراع المحتدم في تحليل عنوانه "هل يمكن أن تنجو إثيوبيا؟"، خلُص إلى أن الوضع الحالي في البلاد يشير إلى أربعة احتمالات، لا أحد منها يشمل استمرار آبي أحمد في منصبه.
الاحتمال الأول يتمثل في تحقيق التحالف المناهض لحكومة آبي أحمد، والذي يقوده التيغراي والأورومو، انتصاراً حاسماً في مرحلة ما على الجيش الإثيوبي المنهك، وسوف يؤدي هذا الانتصار إلى إسقاط الحكومة المركزية، لكن سيظل التساؤل بشأن مدى قدرة التيغراي والأورومو على التوافق بشأن كيفية إدارة إثيوبيا كدولة موحدة كما هي الآن.
والاحتمال الثاني يشمل التوصل إلى تسوية ما، حينما يرى التيغراي أن زحفهم نحو العاصمة والاستيلاء عليها قد يضعهم في نفس موقف آبي أحمد المتأزم الآن ويتبادلون الأدوار، وبالتالي يسعون لإبرام اتفاق يحصلون بموجبه على موافقة الحكومة المركزية على إجراء استفتاء في إقليمي تيغراي وأورومو تحسم نتيجته الانفصال عن إثيوبيا أو استمرار النظام الفيدرالي الحالي. لكن صعوبة هذا الاحتمال تتمثل في التوتر الذي سيحدث مع الأورومو الذين يعتبرون العاصمة أديس أبابا جزءاً من أراضيهم، كما أن هذه التسوية لن تحل شيئاً من أسباب الصراع الحالي، مما يلقي بالشك حول جدواها من الأساس أو مدى استمراريتها.
أما الاحتمال الثالث فيتمثل في إبعاد آبي أحمد عن السلطة، على الأرجح بواسطة قادة الجيش الإثيوبي نفسه، بعد أن تحول صاحب نوبل للسلام إلى رمز الصراع الحالي وجرّ البلاد إلى أتون حرب أهلية مستعرة، لكن الانقلاب العسكري على آبي أحمد ربما لا يؤدي كذلك إلى حل الصراع وعودة الأمور إلى ما كانت عليه.
أما الاحتمال الرابع والأخير فيتمثل في استمرار الوضع الراهن لسنوات، بمعنى تمترس القوات الحكومية حول العاصمة وحول الطرق الرئيسية الرابطة بينها وبين جيبوتي لضمان استمرار تدفق البضائع وحركة التجارة، دون السعي لاستعادة الأراضي التي تسيطر عليها القوات المتمردة بقيادة التيغراي والأورومو.