بهدف التوسع وتقوية الحكم أو لرد الاعتبار وزيادة السيطرة أو حتى لنشر المرض والجوع والأوبئة بين شعوب أخرى، لقد شن البشر أنواعاً مختلفة من الحروب على مر الأزمان.
ورغم أن العديد من آلات الحرب ووسائلها القديمة والحديثة قد تكون معروفة لمعظمنا، كالسيوف والأسلحة والمنجنيق والدبابات، إلا أن بعض القوى لم تلجأ للآلات لكسب حربها لكنها اختارت استخدام الحشرات كأسلحة حرب.
تجلّت الحرب الحشرية- (entomological warfare)- عبر تاريخ البشرية في ثلاثة أشكال رئيسية: الحشرات المستخدمة مباشرة كأسلحة والحشرات المستخدمة لتدمير المحاصيل والحشرات المستخدمة كناقلات لإصابة الطرف المعادي بالأمراض وإنهاكه ونشر البؤس والمرض والجوع.
تعرّف معنا في هذا التقرير على بعض الأمثلة التي استخدمت فيها الحشرات كـ"جنود ذي ستة أرجل" بحسب وصف الكاتب جيفري لكوود في كتابه "استخدام الحشرات كأسلحة حرب".
براغيث لنشر الطاعون والكوليرا
كان إيصال المرض عن طريق الحشرات فعالاً إلى حد كبير كسلاح لإضعاف العدو. وأول تسجيل لهذا الاستخدام كان خلال الحرب العالمية الثانية حين أسقطت وحدات الحرب البيولوجية اليابانية البراغيث المصابة بالطاعون والذباب المغطى بالكوليرا على المدن الصينية- مما أسفر عن مقتل حوالي 440 ألف شخص.
ولم يتوقف الجيش الياباني عند تلك المجزرة، فقد وضع أيضًا خططاً لنشر البراغيث الحاملة للطاعون فوق مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، في عام 1945، لكنه لم يضعها قيد التنفيذ.
قذائف فخارية مليئة بالعقارب
وفقاً لرواية المؤرخ القديم هيروديان، في نهاية القرن الثاني حاول الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس السيطرة على بلاد ما بين النهرين التي كانت ذات موقع مميز على طرق التجارة.
حشد سيفيروس الجيوش وانطلق إلى معقل الحضر الصحراوي على طريق الحرير التجاري بهدف محاصرته حتى سقوطه.
لكن الملك الفارسي برساميا ومواطنيه الذين اختبأوا وراء أسوار حصينة يبلغ ارتفاعها 40 قدماً كانت لديهم خطة لهزم الرومان والقضاء عليهم دون محاربتهم في الساحات.
صنع الفرس قذائف خزفية مليئة بالعقارب والخنافس التي كانت منتشرة جدًا في المنطقة ومعروفة بخطرها؛ لدرجة أن الملوك الفارسيين أمروا بانتظام بصيد العقارب وجمعها لأهداف عسكرية. فقد كان هذا النوع من العقارب يسبب لسعات مؤلمة بشكل مرعب وسمها يمكن أن يتسبب في اضطراب التنفس والنبض البطيء والتشنجات التي قد تؤدي أحياناً إلى الموت إن لم تعالج.
بعد 20 يوماً من القصف اللاذع بالقذائف الفخارية المليئة بالعقارب، استسلم سيفيروس ورجاله وتراجعوا مهزومين.
أعشاش الدبابير وخلايا النحل كأسلحة
كان اختراع المنجنيق الكبير نقطة تحول في تاريخ أسلحة الحروب كآلية قادرة على إطلاق حمولات ثقيلة من المواد المدمرة كالحجارة والنيران أو حتى الحشرات!
ومثلما يفعل المقلاع بالصخرة المتواضعة، كان للمنجنيق، المحمّل بالنحل والدبابير، أثر كبير في تغيير ميزان القوى لصالح القوات المهاجمة.
والتاريخ الأوروبي مليء بروايات عن خلايا النحل وأعشاش الدبابير التي كانت تستخدم كرؤوس حربية في المجنيق- بما في ذلك استخدامها في أعالي البحار كوسيلة فعالة للغاية للقضاء على العدو على أسطح السفن المعادية.
يذكر كتاب Robbing The Bees: A Biography Of Honey تفاصيل عن الاستخدام القديم لخلايا النحل في الحرب:
"بالنسبة للمعارك البحرية، طوّر الرومان مقاليع سرب خاصة على متن السفن. وقد قاموا بتربية النحل واحتفظوا به في خلايا ترابية خفيفة الوزن وهشة لغرض وحيد هو إلقاؤه على سفن العدو".
يثير النحل ارتباك البحارة لدرجة أنهم غالباً ما كانوا يقفزون من على ظهر السفينة للهروب. وفي كثير من الحالات قد يؤدي الاضطراب والهلع إلى إخلاء أسطح السفن تماماً مما يضعف العدو وقد يؤدي إلى هزيمته.
"البئر السوداء"… حشرات تأكل الناس أحياء!
نسمع أحياناً مقولة مفادها أن كل شيء مباح في الحرب، وكل طرف قد يبرر استخدامه لأي استراتيجية أو سلاح بهدف الفوز وتحقيق النصر. لكن أمير بخارى، نصر الله بهادر خان، كان مصدر رعب لأعدائه بسبب طرق تعذيبه السادية للأسرى.
حكم بهادر خان بخارى (أوزبكستان الحالية) في القرن التاسع عشر، ومن أشهر وسائله للتعذيب كان "البئر السوداء" أو "حفرة الحشرات" التي لا تزال موجودة كمعلم سياحي حتى اليوم.
وفقًا لموقع Vice، كان عمق حفرة البئر السوداء يتراوح بين 12 و40 قدماً، وكانت مغطاة بشبكة حديدية ولا يمكن النزول إليها إلا بحبل.
كان الأمير يقوم بتربية الحشرات آكلة اللحوم من بينها البق القاتل والقراد التي كان لها مناقير قوية ومنحنية لاختراق فرائسها.
وقد تمت مقارنة لدغة هذه الحشرات بالطعن بإبرة ساخنة، كما أن الإنزيمات الهاضمة التي تفرزها لتناول أنسجة فرائسها تسبب تقرحات دامية في لحم الإنسان.
الحشرات لنشر الآفات والقضاء على المحاصيل
إن استخدام الحشرات لتدمير محاصيل العدو هو عمل يتهم العديد من الدول بعضها البعض به، ولكنه أيضاً نادراً ما يتم إثباته لصعوبة التحقيق به والتأكد من أنه لم يحدث لسبب طبيعي.
على سبيل المثال، في عام 1944، اتُهمت ألمانيا بنقل خنافس البطاطس في كولورادو إلى بريطانيا لتدمير المحاصيل هناك خلال الحرب العالمية الثانية.
وبعد حرب فيتنام عام 1955، اتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بإطلاق الحشرات في زراعتها. وبدأ الصينيون بجمع الأدلة التي تشير إلى أن الولايات المتحدة كانت تنشر البكتيريا والحشرات في الريف الكوري، مما سبب دماراً كبيراً في المحاصيل وانتشار أمراض كثيرة كالطاعون والتيفويد والكوليرا.
شكل الصينيون لجنة علمية دولية للتحقيق في حقائق الحرب البكتيرية والحشرية. وقد خلصت اللجنة إلى أن الولايات المتحدة ربما شاركت في حرب بيولوجية محدودة في كوريا.
إلا أن الولايات المتحدة نفت جميع المزاعم، واقترحت أن ترسل لجنة تحقيق رسمية إلى الصين وكوريا للتحقيق فيها، لكن الصين وكوريا رفضتا.
وعلى الرغم من أنه يكاد يكون من المستحيل إثبات صحة هذه الادعاءات، لكنها بالتأكيد خدمت في وصول الشكاوى إلى المستوى العالمي، وأصبح استخدام الحشرات لتدمير المحاصيل محظوراً بموجب اتفاقية الأسلحة البيولوجية لاتفاقيات جنيف.