"من منصة التتويج بنوبل إلى التحريض على العنف الطائفي لإنقاذ نفسه من الحصار"، من النادر أن نرى مثل هذه التقلبات الدرامية في حياة زعيم مثلما حدث مع مسيرة آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا.
وصلت مسيرة آبي أحمد إلى ذروة نجاحها عندما حاز في يوم من الأيام جائزة نوبل للسلام، وها هو الآن المتهم الآن بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بحق شعبه، والجهة التي ارتكب بحقها هذه الجرائم تقترب من عاصمته.
ولكنه واصل الغوص في استغلال المشاعر الإثنية لدرجة تهدد البلاد بالتفكك، فلقد طالب آبي أحمد مسؤولين في حكومته يوم الأحد 31 أكتوبر/تشرين الأول السكان بتأمين العاصمة للتصدي لهجوم محتمل من قوات المتمردين.
وأزال موقع فيسبوك منشوراً لرئيس وزراء إثيوبيا لانتهاكه سياسات الموقع التي ترفض التحريض على العنف، وقال أحمد في المنشور الذي حذفه الموقع، إن تقدم المتمردين "سوف يؤدي إلى زوال البلاد"، وحث المواطنين على "تنظيم صفوفهم والسير بأي طريقة شرعية وبأي أسلحة وقوة متاحة… لمنع وصدّ ودفن مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي الإرهابية".
يأتي هذا القرار بعد الكشف عن تلقي فيسبوك تحذيرات من أن الجماعات المسلحة في إثيوبيا تستخدم منصتها للتحريض على العنف ضد الأقليات العرقية، بحسب تسريبات لوثائق سرية من داخل فيسبوك الشهر الماضي.
وتحدثت الموظفة السابقة في فيسبوك فرانسيس هاوغين، أمام جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأمريكي، في أكتوبر/تشرين الأول، قائلة إن الشركة "تعمل حرفياً على تأجيج العنف العرقي"، في مناطق الصراع مثل إثيوبيا، بسبب فشلها في مراقبة خدماتها بشكل صحيح خارج الولايات المتحدة.
أخطاء كارثية في مسيرة آبي أحمد الذي كان نجم الغرب المفضل
"أين وقع الخطأ في مسيرة آبي أحمد، التي بدت يوماً واعدة؟"، للإجابة عن السؤال، يقول مراقبون معنيون بالأوضاع في إثيوبيا إن المشكلة تكمن في فشل آبي أحمد في التغلب على الانقسامات العرقية العميقة، التي لطالما استنزفت ثاني أكبر دولة في إفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي. والآن بعد العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا عليه، بات مستقبله فجأة في مهب الريح، حسبما ورد في تقرير نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية.
مضت ثلاثة أشهر بالكاد على فوز آبي أحمد بالانتخابات العامة في البلاد، وأقل من عام منذ إعلانه النصر العسكري على "جبهة تحرير شعب تيغراي"، غير أن هذا هو الحزب ذاته الذي تُهدد قواته الآن أديس أبابا، والذي كان يهيمن على السلطة في إثيوبيا، حتى تولى آبي أحمد السلطة في أبريل/نيسان 2018.
قبل عامين، فاز ضابط الاستخبارات العسكرية السابق بجائزة نوبل للسلام، على إثر توقيعه معاهدة سلام مع إريتريا المجاورة، لإنهاء الجمود الذي أعقب حرب الحدود بين عامي 1998 و2000. وفي ذلك الوقت، حظي آبي أحمد بترحيب كبير في الولايات المتحدة وأوروبا، باعتباره أفضل أمل لجلب الديمقراطية واقتصاد السوق إلى إثيوبيا، ولنشر الاستقرار في منطقة تغلب عليها الاضطرابات من السودان إلى الصومال.
غير أن مسيرة آبي أحمد آلت إلى التعثر بعد حين، ولا يقتصر الأمر هنا على استيلاء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الآن على مساحات شاسعة من الأراضي من القوات الفيدرالية التي تفوقها عدداً وعدة، بل لما يمكن أن تنتهي إليه الأوضاع من حرب أهلية أوسع نطاقاً، لا سيما بعد أن انضم جيش تحرير أورومو، وهو قوة مسلحة من المنتمين إلى عرقية الأورومو، إلى الهجوم على الحكومة، حسب الوكالة الأمريكية.
وعلى الصعيد الخارجي، بعد أن كان آبي أحمد بطل الغرب المفضل في إفريقيا، أوقفت الولايات المتحدة الدخول المُعفى من الضرائب لصادرات إثيوبيا يوم الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني. وكان الاتحاد الأوروبي قد خفض مساعدات الميزانية في أواخر العام الماضي، ويهرب المستثمرون من البلاد.
أراد تأسيس دولة مركزية تحيي الاستبداد
يقول وليام دافيسون، كبير محللي الشؤون الإثيوبية في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن "آبي أحمد ورث دولة هشة، وكان التعامل مع قضايا مثل مطالب الأورومو القومية والاحتجاجات التي أوصلته إلى السلطة تحدياً كبيراً حقاً. يتطلب التعامل مع كل ذلك كثير من الحنكة السياسية، التي برهن سير الأمور على أن آب أحمد لا يمتلكها".
ويتابع دافيسون، الذي طردته الحكومة من البلاد دون تفسير، أن إنشاء دولة قومية موحدة من دولة ممزقة عرقياً -وهي عملية سماها آبي أحمد "الطريق إلى التآزر"- كانت تحظى بالدعم في البداية، لكن ما تبيّن أنه "يحاول إنشاء حزب يتمركز حوله ويستبعد أي شخص لديه آراء مختلفة، وإعادة إثيوبيا إلى نظام تُجرَّم فيه أي معارضة للحكومة".
اتفاق السلام مع إريتريا أغضب التيغراي
غُرست بذور الصراع في وقت مبكر، ويحددها كثير من المنتمين إلى التيغراي باتفاق السلام مع إريتريا.
رأت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي أن هذا الاتفاق تحالف عسكري بين آبي أحمد والعدو اللدود لجبهة تحرير التيغراي، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي.
وكان للقوات الإريترية فيما بعد دورٌ مركزي في العمليات العسكرية للحكومة في تيغراي، وهو أمر له حساسية كبيرة بالنظر إلى الحرب الضروس التي خاضتها إريتريا ضد إثيوبيا في وقت قيادة التيغراي للحكم في أديس أبابا، علماً أن المفارقة أن أسياس أفورقي ينتمي للتيغراي، ولكن الفرع الإريتري من هذه العرقية.
الأورومو اعتبروه خان قضيتهم بتكريم الرجل الذي اغتصب نساءهم
أما الأورومو، فإن الشقاق مع آبي أحمد الذي ينتمي لهم من جهة والده، بدأ منذ افتتح قصراً كان قد سكنه الإمبراطور منليك الثاني في القرن التاسع عشر.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي في ذلك الوقت، إن القصر ينبغي أن يرمز إلى "قدرة إثيوبيا على العمل معاً من أجل هدف مشترك".
ويتذكر كثير من الأورومو الإمبراطور منليك، كونه أحد أمراء الحرب الذي اعتدت قواته على نساء الأورومو واستباحوهن، ومن ثم فقد رأوا مناشدات آبي أحمد للوحدة على أنها ليست إلا محاولة أنانية للاستحواذ على السلطة.
يقول أوول آلو، وهو محاضر بارز في جامعة كيلي البريطانية وأحد المؤيدين المتحمسين لآبي أحمد في أيامه الأولى: "لقد خان آبي قضية أورومو الوطنية. وفي الوقت الذي كان يستعرض فيه هذه الأفكار الليبرالية للاقتصاد والديمقراطية، كان أيضاً يعمل على تعزيز سلطته" على البلاد.
حل الأحزاب الإقليمية لصالح حزبه
حدثت نقطة تحول أخرى في ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما حلَّ آبي أحمد الائتلاف الحاكم السابق القائم على التحالف بين عدة كيانات عرقية، "الجبهة الثورية الديمقراطية الإثيوبية". أما حزب الازدهار الذي أنشأه آبي أحمد، فيقول أوول آلو إنه كان لديه رؤية عابرة للكيانات العرقية في إثيوبيا، ومن ثم لم تكن لديه فرصة تذكر للتنافس ضد الأحزاب القومية التي تهيمن في 10 مقاطعات إثنية في إثيوبيا. ويقول آلو إن ذلك دفع رئيس الوزراء إلى قمع المعارضة والزيادة في مركزية السلطة.
ثم اندلع الصراع بعد أن أرجأ آبي أحمد الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها العام الماضي، متحججاً بوباء كورونا. غير أن جبهة تحرير شعب تيغراي قررت المضي قدماً في الانتخابات، بصرف النظر عن اعتراضات آبي أحمد وتحذيراته.
حرض على مجزرة دامية في العاصمة
حتى في العاصمة أديس أبابا نفسها، فإن الانقسامات العرقية ستجعل أي محاولة للدفاع المدني عن المدينة مجزرة دامية، بحسب ما يقول رجل أعمال إثيوبي في الأربعينيات من عمره ويدير شاحنات لنقل البضائع إلى أمهرة، وهي محافظة شمال العاصمة وتحتلها الآن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
ويرى رجل الأعمال الإثيوبي أن دعوة الحكومة للمواطنين لتسجيل أسلحتهم -والتي أطلقتها الحكومة بدعوى السماح لمن لديهم "أسلحة قانونية" بحماية أحيائهم- ليست إلا محاولة لنزع سلاح السكان واستباق اندلاع القتال بين مجموعات مختلفة في المدينة.
من جانب آخر، نشرت الأمم المتحدة، يوم الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني، تحقيقاً يتهم القوات الحكومية -وكذلك جبهة تحرير تيغراي وقوات آبي المجندة من إريتريا- بارتكاب انتهاكات بمنزلة جرائم الحرب خلال الصراع المستمر منذ عام.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية، أمس الأول الثلاثاء، فرض حالة طوارئ في كل أنحاء البلاد التي تشهد تجدداً للمعارك بعدما سيطر متمردو جبهة تحرير شعب تيغراي على مدينتين شماليتين رئيسيتين.
وللمدينتين الواقعتين في إقليم أمهرة المحاذي لتيغراي أهمية استراتيجية، وهما تقعان على بعد نحو 400 كلم إلى الشمال من أديس أبابا، ولم تستبعد الحركة مواصلة تقدمها نحو العاصمة.
ونفت الحكومة أن تكون قد فقدت السيطرة على هاتين المدينتين، لكن في حال تأكدت سيطرة المتمردين عليهما فإن هذا الأمر سيشكل تحولاً كبيراً في النزاع الدائر بين الجانبين منذ عام.
ورغم نفيها تحقيق المتمردين تقدّماً ميدانياً، فرضت الحكومة الإثيوبية حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد.
وأوردت مجموعة "فانا برودكاستينغ كوربوريشن" الإعلامية، أن القيود المفروضة تشمل حظر التجول وإغلاق الطرق وتفتيش "كل شخص يشتبه بأنه تعاون مع من تصفهم الحكومة بالمجموعات الإرهابية".
وأضافت المجموعة الإعلامية أن حالة الطوارئ تتيح للسلطات تجنيد "كل المواطنين الذين يمتلكون السلاح وهم في سن تسمح لهم بالقتال"، وبتعليق صدور كل وسيلة إعلامية يشتبه بأنها تقدّم "دعماً معنوياً مباشراً أو غير مباشر" لجبهة تحرير شعب تيغراي.
لماذا هُزم الجيش الإثيوبي أمام ميليشيات التيغراي؟
يمكن إرجاع الفشل الاستراتيجي للقوات الحكومية الإثيوبية في ترويض متمردي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى فترة ما قبل نشوب الصراع، حيث إن التيغراي، الذين هيمنوا على الحكومة الإثيوبية لعقود، لديهم حصة أكبر من وزنهم السكاني في مناصب كبار القادة العسكريين في البلاد. وانحاز العديد من هؤلاء إلى جبهة تحرير التيغراي، ما مهد الطريق للتغلب على نظرائهم في الجيش الفيدرالي، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
فقبل تولي آبي أحمد السلطة، شكل القادة السابقون في جبهة تحرير تيغراي، نواة الجيش الإثيوبي، الأمر الذي أدى إلى بروز أصوات معارضة، قالت إن الجيش لم يكن متوازناً عرقياً، لأن أبناء تيغراي يشكلون حوالي 6% فقط من السكان بينما يمثلون غالبية القوات المسلحة.
ورغم ذلك، في بداية حرب تيغراي، بدا أن آبي أحمد سيحقق انتصاراً سهلاً، ولكن المذابح التي ارتكبتها القوات الحكومية والقوات الإقليمية الأمهرية والإريترية المتحالفة معها استفزت شعب التيغراي، وحفزت شباب الإقليم للمقاومة والانضمام للمقاتلين المخضرمين لجبهة تحرير تيغراي، الذين سبق أن أسقطوا نظام منغستو هيلا مريم الشيوعي، في نهاية تسعينيات القرن العشرين.
وزاد من قدرات التيغراي تقلد قادة عسكريين مخضرمين مثل تسادكان جبريتنساي، القائد السابق للجيش الإثيوبي، الذي يعتبره بعض خبراء الأمن الدولي، أحد أفضل الاستراتيجيين العسكريين من بين أبناء جيله في إفريقيا، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وها هي جبهة تحرير تيغراي توشك أن تكرر ما حدث عام 1991، عندما تحولت جبهة تحرير شعب تيغراي، إلى جيش ضخم يزيد قوامه عن أكثر من 100 ألف مقاتل، وشملت فرقاً خاصة تمتلك آليات ومعدات عسكرية، وأسقط نظام هيلا مريم بالتحالف مع المقاتلين الإريتريين.
فلقد أعاد تسادكان جبريتنساي تنظيم صفوف التيغراي ملحقاً هزيمة مذلة بالقوات الحكومية المركزية وحلفائها، رغم حملات التجويع والقصف الجوي التي نفذها آبي أحمد.
المفارقة أن تسادكان جبريتنساي، تعرضت لانتقادات من قبل زملائه السابقين في جبهة تحرير شعب تيغراي، عندما رحب بتعيين آبي أحمد رئيساً للوزراء في البلاد عام 2018، معلناً أنه مستعد للعمل معه.
وفي عام 2019، انضم جبريتنساي إلى مجموعة غير رسمية كانت تحاول التوسط بين آبي أحمد وقادة جبهة تحرير تيغراي لكنه انسحب، قائلاً إن آبي أحمد ليس جاداً، ومع تصاعد المشاعر المناهضة للتيغرايين في العاصمة أديس أبابا، عاد أدراجه إلى ميكيلي عاصمة تيغراي، ليقود قوات التيغراي بعد اندلاع الحرب.
يقول ويليام دافيسون، كبير محللي الشؤون الإثيوبية في مجموعة الأزمات الدولية، إن قوات تيغراي المدربة تدريباً جيداً تمكنت من تحقيق زخم كبير منذ يوليو/تموز 2021، واستفادت من انخفاض في معنويات القوات الفيدرالية التي تفاقمت لتحقق مكاسب إقليمية.
وفي حين أظهرت الضربات الجوية التفوق التكنولوجي للحكومة، وأدت إلى اتهامات لآبي أحمد باستهداف المدنيين أضافت مزيداً من التلطيخ لسمعته، إلا أنها لم تفعل شيئاً يذكر لوقف تقدم المتمردين، نظراً لأن قواتهم تعتمد على المشاة وليس لديها أهداف مركزية كثيرة يمكن ضربها، ولذا يقول دافيسون: "لذلك لا أعتقد أن الحكومة الفيدرالية تحقق أي شيء، حقاً من هذه الضربات، بخلاف إثارة المزيد من غضب التيغراي".
في المقابل، فإن الجيش الإثيوبي رغم أنه من أقوى جيوش إفريقيا، يظل جيشاً صغيراً بالمعايير العالمية، حيث يحتل المرتبة رقم 66 بين أقوى 140 جيشاً في العالم، وفقاً لتقرير عن أقوى جيوش العالم في 2021، نشره موقع "غلوبال فاير بور" الأمريكي.
ويبدو أنه كان يعتمد على التحالف مع القوات الإريترية وقوات إقليم الأمهرة ولكن الأخيرة فقدت السيطرة على الإقليم ذاته، وفقاً لما يتضح من سير المعارك.
ويصل عدد جنود الجيش الإثيوبي إلى 162 ألف شخص، وتضم القوات الجوية الإثيوبية 92 طائرة حربية بينها 24 مقاتلة وطائرة اعتراضية و9 طائرات نقل عسكري و26 طائرة تدريب و33 مروحية بينها 8 مروحيات هجومية، فيما تمتلك القوات البرية الإثيوبية 365 دبابة و130 مدرعة و65 مدفعاً ذاتي الحركة و480 مدفعاً ميدانياً و180 راجمة صواريخ.
ومن الواضح أنه رغم تفوق الجيش الإثيوبي في القوة النيرانية، فإن تأثير هذا التفوق محدود ميدانياً، خاصة في ظل الطبيعة الجبلية للبلاد التي تُحيد، كثيراً من تأثير المدرعات والطيران، بينما تعطي الأفضلية للأكثر مهارة وخبرة في القتال الأعلى في المعنويات.
وفي ظل فارق الخبرة بين قوات التيغراي وبين الجيش الفيدرالي والقوات المتحالفة معه، والطبيعة المفككة للميليشيات الإقليمية التي تظل دوافعها للقتال إقليمية وليست وطنية، فإن ميزان القتال مال لصالح التيغراي.
المعارك تنتقل لمناطق أقل ولاء له، ولم يعد لديه سوى خيار واحد
ويزيد الأمر سوءاً بالنسبة لآبي أحمد أن المعارك الأخيرة جرت في إقليم أمهرة ثاني أكبر إقاليم البلاد، وأكثرها تحالفاً معه، وبالتالي هي المنطقة التي يفترض أنها كان يجب أن تكون الأكثر مقاومة للتيغراي، خاصة في ظل العداء بين الشعبين في ضوء اتهامات التيغراي للأمهرة بسلب أراضيهم.
ويعني هذا أنه مع استمرار تقدم التيغراي فسيقتربون إلى مناطق أقل عداء لهم وأقل ولاء لآبي أحمد ومنها إقليما عفار والولاية الصومالية اللذان يسكنهما أغلبية مسلمة يفترض أنها غير معنية كثيراً بالصراع بين قوميتي الأمهرة والتيغراي المسيحيتين اللتين فرضتا سيطرتهما تاريخياً على إثيوبيا.
كما أن تقدم التيغراي نحو العاصمة أديس أبابا سيعني أنهم قد يدخلون إقليم الأورومو أكبر أقاليم البلاد، والذي يشعر سكانه بالغبن وخيبة الأمل من ابن عرقيتهم آبي أحمد ويرون أنه قد انحاز للأمهريين.
ومع وجود تحالف بين جبهة تحرير تيغراي، وجبهة تحرير أورومو، فإن نجاح الأخيرة المحتمل في استقطاب شريحة من الأورومو أكبر قومية في البلاد، قد ينقل الصراع إلى مستوى مختلف.
وبينما قد لا يكون غزو أديس أبابا وشيكاً، فإن لدى الجبهة الشعبية لتحرير تيغري وسائل أخرى للضغط على الحكومة المركزية. استيلاؤها الأخير على البلدات الرئيسية جعلها على وشك السيطرة على الطريق التجاري الرئيسي للدولة غير الساحلية المؤدي إلى ميناء جيبوتي، مما أتاح للمتمردين فرصة لخنق العاصمة وتحرير طريق للمساعدات التي تشتد الحاجة إليها لما يقدر بنحو 400 ألف شخص يواجهون المجاعة في تيغراي.
في مواجهة قوة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، والضربة الاقتصادية التي تلوح في الأفق من واشنطن، قد يكون أفضل خيار لآبي أحمد هو خفض التصعيد.
تنقل مجلة Foreign Policy عن ويليام دافيسون، الخبير في الشؤون الإثيوبية: "أعتقد أن الوقت قد حان لكي تعترف حكومة آبي أحمد بالدرجة التي أصبحت فيها مقاومة تيغراي قوة لا يستهان بها، وأن تنظر في تقديم نوع من التنازلات لمحاولة إيقاف المسار الحالي".. "لأن الاتجاه الذي تسير فيه الأمور يبدو محفوفاً بالمخاطر بشكل هائل".
آبي أحمد لا يزال في السلطة وقد يستمر، لكن تحليلاً عسكرياً أجرته شركة Janes، المتخصصة في الشؤون العسكرية، ذهب إلى ارتفاع فرص الإطاحة بآبي أحمد ما لم يتفاوض مع المتمردين الذين وصفهم بأنهم إرهابيون.
ومع ذلك، فلا يبدو أن آبي أحمد يميل إلى ذلك، ففي بيان أصدره يوم الأربعاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني في ذكرى بدء الصراع في تيغراي، قال: "بدمائنا وعظامنا سندفن هذا العدو، ونعيد لإثيوبيا مجدها".