تساؤلات عديدة أثارها قرار فيسبوك إلغاء خاصية التعرف على الوجوه، فما أسباب اتخاذ هذا القرار، وتأثيراته على الصور السابقة المنشورة على الموقع وعلى طريقة تعاملنا مع حساباتنا، وما علاقة القرار بتوجه فيسبوك للتركيز على عالم ميتافيرس الخيالي؟
وقالت شركة فيسبوك المعروفة رسمياً الآن بشركة ميتا إنها ستحذف أكثر من مليار من قوالب التعرف على الوجه الفردية نتيجة لهذا التغيير، وإن الخدمات التي تعتمد على خاصية التعرف على الوجوه ستتم إزالتها خلال الأسابيع المقبلة، ومن المتوقع أن تكتمل عملية الإزالة بحلول ديسمبر/كانون الأول 2021.
وقالت الشركة في منشور لها إن أكثر من ثلث المستخدمين النشطين يوميًا على فيسبوك، أو أكثر من 600 مليون حساب، قد اختاروا استخدام خاصية التعرف على الوجوه.
وقال المنشور إن فيسبوك لن يتعرف تلقائياً على وجوه الأشخاص في الصور أو مقاطع الفيديو.
القرار ينهي خاصية تم تقديمها في ديسمبر/كانون الأول 2010 حيث كان البرنامج يتعرف على الوجه تلقائياً ويقترح على الأشخاص الذين ظهروا في الصور وضع علامة عليهم جميعًا بنقرة واحدة، وربط حساباتهم بالصور.
وبفضل خاصية التعرف على الوجوه أنشأ فيسبوك أحد أكبر مستودعات الصور الرقمية في العالم، وقد يكون جنى منها أرباحاً بالمليارات في ظل جاذبية التقنية لكثير من المشتركين.
أسباب قرار فيسبوك إلغاء خاصية التعرف على الوجوه
تعرّضت خاصية التعرف على الوجوه لانتقادات شديدة لأنها اتهمت بأنها تساعد الحكومات القمعية وتمكين مراقبة الشرطة، وأجهزة إنفاذ القانون والشركات، في وقت تتعرض فيه شركة فيسبوك لانتقادات في مجالات متعددة خاصة بعد تسريبات وثائق الشركة، وشهادة فرانسيس هوغن، الموظفة السابقة بفيسبوك أمام الكونغرس.
ومنذ عام 2020، فرضت شركات التكنولوجيا الأمريكية قيودًا على استخدامها أو مبيعاتها للتكنولوجيا خاصة خاصية التعرف على الوجوه، فقد أعلنت كل من أمازون وآي بي إم ومايكروسوفت العام الماضي أنها ستتوقف عن بيع تقنية التعرف على الوجه إلى سلطات إنفاذ القانون بعد احتجاجات حياة السود مهمة "Black Lives Matter" في العام الماضي.
وكان رجال حفظ القانون قد لجأوا في الولايات المتحدة إلى خاصية التعرف على الوجوه للمساعدة في حفظ الأمن، مما أدى إلى مخاوف من تجاوز الحدود وحدوث اعتقالات خاطئة. وقامت بعض المدن والولايات الأمريكية بحظر أو تقييد التكنولوجيا لمنع إساءة الاستخدام المحتملة.
وفي الصين، تستخدم السلطات القدرات لتعقب المسلمين الإيغور والسيطرة عليهم.
تجدر الإشارة إلى أن استخدم فيسبوك فقط قدرات التعرف على الوجه الخاصة به يقتصر على موقعه الخاص ولم يبِع برامجه إلى أطراف ثالثة. ومع ذلك، أصبحت التقنية تثير إشكاليات مشكلة تتعلق بالخصوصية والتنظيم للشركة.
وأثار المدافعون عن الخصوصية بشكل متكرر أسئلة حول مقدار بيانات الوجه التي جمعها Facebook وما الذي يمكن أن تفعله الشركة بهذه المعلومات، كما يمكن استخدام صور الوجوه الموجودة على الشبكات الاجتماعية من قبل الشركات الناشئة والكيانات الأخرى لتدريب برامج التعرف على الوجوه.
كما أدت ممارسات التعرف على الوجوه الخاصة بفيسبوك بالفعل إلى دعاوى قضائية باهظة الثمن للشركة.
وقد لا تكون صدفة أن قرار إلغاء خاصية التعرف على الوجوه يأتي بعد أشهر فقط من تسوية أبرمتها شركة Facebook في دعوى قضائية جماعية في ولاية إلينوي الأمريكية بسبب استخدام الشركة المزعوم لبرامج التعرف على الوجه وجمع البيانات الحيوية للمستخدمين دون موافقة، حيث دفعت الشركة 650 مليون دولار للولاية لانتهاكها قانون الخصوصية البيومترية.
كما نصت تسوية الخصوصية التي أبرمتها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية بقيمة 5 مليارات دولار مع فيسبوك في عام 2019 على أن الشركة بحاجة إلى تقديم مزيد من الإشعارات للمستخدمين حول كيفية التقاط بياناتهم واستخدامها.
ونظرًا لأن الولايات المتحدة لا تزال تفتقر إلى قانون الخصوصية الفيدرالي، فإن احتمال تعارض قوانين الولايات المختلفة مستمر.
حالياً، ولايات إلينوي وتكساس وواشنطن فقط هي التي لديها قوانين تنظم خصوصية القياسات الحيوية.
وقال جيروم بيسنتي، نائب رئيس الذكاء الاصطناعي في Meta، في منشور على مدونة أمس الثلاثاء إن الشبكة الاجتماعية تقوم بإجراء التغيير بسبب "العديد من المخاوف بشأن دور تكنولوجيا التعرف على الوجه في المجتمع".
وأضاف في حين أن تقنية التعرف على الوجه هي أداة قوية للتحقق من الهوية، إلا أنها تحتاج إلى ضوابط قوية للخصوصية والشفافية للسماح للأشخاص بالحد من كيفية استخدام وجوههم.
وقال: "وسط حالة عدم اليقين المستمرة، نعتقد أن قصر استخدام التعرف على الوجه في مجموعة ضيقة من حالات الاستخدام أمر مناسب".
ورأى أن التعرف على الوجه أكثر قيمة عند التشغيل على جهاز الشخص فقط -مثل فتح أجهزة iPhone– بدلاً من الاتصال بخادم خارجي، كما كانت تقنية فيسبوك تعمل.
ماذا سيحدث للصور الموسومة من قبل؟
قال متحدث باسم الشركة إنه لن يكون هناك أي تغيير على الصور أو مقاطع الفيديو التي تم وضع علامات عليها من قبل، ولكن لن يكون هناك علامة مقترحة في المستقبل، حسبما ورد في تقرير the Guardian البريطانية.
يعني التغيير أيضاً أنه لن يتم إخطار المستخدمين عندما يقوم مستخدم آخر بتحميل صورة لهم، كما أنهم لن يتلقوا العلامات المقترحة عند قيامهم بتحميل صورة على الموقع، حسبما ورد في تقرير لموقع the Drum.
سيؤثر التغيير أيضًا على نص البديل التلقائي، وهي الأداة التي تنشئ أوصافاً لصور للمستخدمين ضعاف البصر. ولن تتضمن هذه الأوصاف بعد الآن أسماء الأشخاص الموجودين في الصور.
ولكن سيظل بإمكان ذوي الإعاقة البصرية إضافة نصوص وعلامات إلى صورهم وفيديوهاتهم، لكن لن يقترحها فيسبوك تلقائياً.
ماذا سيحدث لبصمة وجهي المخزنة لدى فيسبوك؟
يقول فيسبوك إنه سيتم حذفها. إذا قمت بإلغاء الاشتراك في الخدمة قبل ذلك، أو لم تقم بالاشتراك مطلقاً، أو قمت بحذف حسابك، حسبما ورد في تقرير the Guardian.
فيسبوك لن يحذف البرنامج وسيستخدمه في هذه الحالات الاستثنائية
لن يلغي فيسبوك البرنامج الذي يعمل على تشغيل خاصية التعرف على الوجوه، وهو عبارة عن خوارزمية متقدمة تسمى DeepFace، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the New York Times الأمريكية.
وقال جاسون غروس، المتحدث باسم "ميتا"، إن الشركة لن تستبعد دمج تقنية التعرف على الوجه في المنتجات المستقبلية.
وقال غروس: "إجراء هذا التغيير يتطلب منا تقييم الحالات التي يمكن أن يكون فيها التعرف على الوجه مفيداً في مواجهة المخاوف المتزايدة بشأن استخدام هذه التكنولوجيا ككل".
وقالت Meta إن خاصية التعرف على الوجوه لديها عدد كبير من حالات الاستخدام الفعال والأخلاقي، التي يمكن الشركة العمل بها، مثل مساعدة الأشخاص في الوصول إلى الحسابات التي تم حظرها أو التي أقفلت، والتحقق من الهوية في الخدمات المالية وفتح الأجهزة الشخصية ومنع الاحتيال وانتحال الهوية.
وقالت الشركة إنها تعتقد أنه إذا تم نشر هذه التقنية بشكل صحيح، يمكن استخدام التكنولوجيا مع الحفاظ على الخصوصية والتحكم والشفافية.
علاقة القرار بميتافيرس
من المحتمل أن تكون فوائد تقنية وضع العلامات على الصور لفيسبوك قد تراجعت.
قبل عشر سنوات كانت خاصية التعرف على الوجوه وما يترتب عليها من تقنيات ضرورية لدفع نمو الشركة وجذب المستخدمين، ولكنها اليوم أقل أهمية وتجلب الانتقادات، في وقت تغيرت فيه أهداف الشركة.
فمع وجود حوالي 3 مليارات مستخدم على تطبيقاتها بما في ذلك WhatsApp وInstagram وFacebook، تعيد الشركة التركيز من النمو السريع إلى زيادة المشاركة مع التجارة الإلكترونية والمؤثرين وعالم metaverse الافتراضي، حسبما ورد في تقرير لموقع Quartz.
وبالإضافة إلى الدعاوى القضائية والانتقادات، يمكن أن تثير خاصية التعرف على الوجوه قلق المستخدمين في عالم الميتافيرس التي تريد الشركة الولوج له بالقوة.
إذ يمكن أن يؤدي تبني وادي السيليكون إلى metaverse إلى جمع كمية غير مسبوقة من المعلومات حول مستخدميها في المستقبل غير البعيد. يمكن أن تلتقط metaverse المزيد من البيانات حول مستخدميها وكيفية تفاعلهم مع بعضهم البعض، وبيانات قيمة للمعلنين.
يتم تعقب الواقع الافتراضي عادةً باستخدام نظارات وقفازات يمكن ارتداؤها، والتي يمكنها استشعار الحركة والصوت واللمس والاستجابة لها.
وبالتالي، لن يقتصر الأمر على التقاط ما نكتبه وننقله وتحميله فحسب، بل كل خطوة نقوم بها وكيف نتفاعل مع الآخرين. إذا لم تكن اللوائح والقواعد تحمي بشكل فعال بيانات المستخدم على الإنترنت اليوم، فإن الانتقال إلى metaverse قد يشكل تحدياً أكبر بكثير.
وقد تكون فيسبوك تسعى لتحسين سمعتها في مجال الخصوصية عبر إلغاء خاصية التعرف على الوجوه بعدما حصدت كثيراً من الأرباح منها، وذلك قبل انتقال الشركة إلى مرحلة metaverse التي قد تجمع فيها بيانات أكثر حساسية عن المستخدمين.