كل شيء صار على عكس المتوقع، والقانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية المغربي خدم هذه المرة عبد الإله بنكيران، وأعاده مرة أخرى، رغم الهزات الداخلية والخارجية إلى قيادة واحد من أهم الأحزاب السياسية في المملكة.
عاد بن كيران لقيادة حزب العدالة والتنمية لكن بوضع مختلف، فالحزب الذي كان يترأس الحكومة، ويقود أهم الوزارات وأكبر المؤسسات، أصبح حزباً يقف متفرجاً على الهامش، بمجموعة نواب في البرلمان، وذلك بعد الهزيمة الكبرى التي مُنِي بها في الانتخابات الماضية.
السقطة غير المتوقعة، بالإضافة إلى الهزات الداخلية التي عاشها التنظيم، تضع أمام بنكيران امتحاناً وتحديات كبيرة، تفرض عليه أن يعيد الحزب الذي كان قوياً أكثر قوة وتماسكاً، أو على الأقل يُعيده كما كان قبل 2011.
لماذا بن كيران الآن؟
يعتبر عبد الإله بن كيران ورقةً رابحة في يد مهندسي الخريطة السياسية في المغرب، فالرجل استطاع سنة 2011 أن يقفز بالمملكة من فوق شرارة الربيع العربي التي مست عدداً من الدول العربية، وانطلقت من تونس، شمال إفريقيا غير بعيدة عن المغرب.
فمنذ 2011 أصبح حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الإله بنكيران بمثابة طوق النجاة، إذ سهلت عليه المرجعية الإسلامية للحزب، والخطاب السياسي له أن يخترق الطبقة الأقل من المتوسطة التي ترتفع نسبتها في المغرب، فأقنع الناس بالإصلاح ومحاربة الفساد.
أيضاً ساهم الخطاب الشعبوي الذي لا يُميزه أحد غير بن كيران في الساحة السياسية في المغرب أن يجعل من الرجل استثناءً قادراً على إقناع الغير، رغم أن هناك أسماء سياسية وعلى رأسها سعد الدين العثماني، أكثر تعليماً وثقافة وتفكيراً.
لكن هذه المرة كانت مختلفة، فعبد الإله بن كيران عاد والمغرب يعيش وضعاً سياسياً واجتماعياً عادياً، والمواطن ما زال ينتظر تحقيق وعود حكومة عبد العزيز أخنوش، على عكس الأوضاع الداخلية، التي تعيش تصدعاً غير مسبوقٍ.
عودة عبد الإله بنكيران لقيادة حزبٍ منهزمٍ طرحت مجموعة من التساؤلات، منها كيف عُبدت الطريق للرجل ليعود بسهولة إلى قيادة الحزب، بعدما أقفلت جميع الأبواب أمامه في وقتٍ سابقٍ ليتنحى جانباً، وأُخرج من رئاسة الحكومة قصراً، بعدما نجح في الحصول على أكبر مقاعد في البرلمان في تاريخ الحزب؟
كما أن التهنئة التي أرسلها الملك محمد السادس لعبد الإله بن كيران بعد انتخابه أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية، كانت كافية لتؤكد أن بن كيران يحظى بتقدير واحترام من القصر، كما أن عودته جاءت بضوءٍ أخضر من "الفوق".
وجاء في تهنئة الملك: "الثقة التي حظيت بها تجسد التقدير الذي يكنه لك مناضلات ومناضلو الحزب، اعتباراً لمسارك الحزبي المتميز، ولما هو مشهود لك به من خصال إنسانية ومؤهلات سياسية، وما هو معهود فيك من روح المسؤولية، والتشبث بمقدسات الأمة".
وقال الملك: "والله تعالى نسأل أن يلهمك التوفيق في مسؤوليتك القيادية، من أجل تعزيز مكانة الحزب في المشهد السياسي الوطني، لمواصلة مساهمته البناءة، إلى جانب الأحزاب الوطنية الجادة، في المرحلة الجديدة التي تدشنها بلادنا…".
كل هذه المؤشرات تؤكد أن الخريطة السياسية في حاجة لبن كيران اليوم على عكس أمس، فالمغرب ولكي يحافظ على صورته الديمقراطية لا بد أن يترك حزب العدالة والتنمية داخل المشهد السياسي، حتى وإن لم يكن متصدراً لكنه من الأحزاب المهمة في البلد.
بن كيران: لست ميسي!
في أول خروج له بعد إعلان فوزه بقيادة حزب العدالة والتنمية، خرج عبد الإله بنكيران في بث مباشر على صفحته في فيسبوك في كلمة ألقاها على أعضاء المجلس الوطني (برلمان الحزب) بمناسبة إعادة انتخابه بنسبة تفوق 80%.
بن كيران، وكالعادة اختار الخطاب الشعبي ليُلقي كلمته، التي أعلن من خلالها أنه "ليس بميسي" لكي ينقذ العدالة والتنمية من الوضع الراهن الذي يعيشه، ويعيده بطريقة سحرية لتسلم الوزارات، وقيادة المؤسسات وإدارة المجالس الجهوية والإقليمية كما كان في السابق.
وقال بن كيران: "هناك أشخاص يتخيلون أنه يمكن أن نعيد بناء الماضي بهذه السهولة وننطلق من جديد، أنا لست بطلاً من أبطال كرة القدم، أنا لست ميسي، لكني سوف أبذل جهدي، علينا إعادة بناء حزبنا، وإعادة بعث الروح التي تأخذ نفسها من الروح الإسلامية، ولا تنسوا أنكم جئتم من مرجعية إسلامية".
ودعا بن كيران إلى "العمل الجماعي لتجاوز التراجع الحاد في انتخابات البرلمان الأخيرة"، معتبراً "الأهم أن الحزب حافظ على وحدته".
وعن خلافاته مع إخوانه قال بن كيران: "لست إقصائياً، صحيح أنا بشر وعندي حساسيات لكني سأشتغل مع الجميع، وسنتعاون من أجل حل المشاكل، لن أخفيكم إن قلت إني ما زلت عاجزاً عن استيعاب وضعية الحزب بعدما حصل في 8 سبتمبر/أيلول (الانتخابات التشريعية)".
من جهته اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، الأكاديمي بجامعة "الحسن الأول" (شمال)، أن "عودة بن كيران إلى قيادة الحزب أملته الضرورة وفي سياق استثنائي بعد الهزيمة بالانتخابات".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في تصريح لوكالة الأناضول: "كما أملته الحاجة إلى إنقاذ الحزب من فقدان حيويته وموقعه السياسي في العلاقة مع الدولة والمجتمع".
وذكر أن "الدلالة السياسية لانتخابه هي الرغبة في إعطاء مضمون سياسي ذي بعد نضالي خصوصاً في القضايا التي يترافع بخصوصها الحزب".
وأردف: "وتنظيمياً البحث عن الحفاظ على الأداة الحزبية، لكن من خلال ربما أطروحة جديدة بعناوين قادرة على تجميع أعضاء الحزب والحفاظ على دور الحزب كمؤسسة وسطية".
تحديات أمام عبد الإله بنكيران
أثارت عودة عبد الإله بنكيران لرئاسة حزب "العدالة والتنمية" المغربي، تساؤلات حول التحديات والمهام المطروحة أمامه لإخراج الحزب من وضعيته الحالية، إثر التراجع بالانتخابات التشريعية الأخيرة.
وفي 30 أكتوبر/كانون الأول المنصرم، انتخب المؤتمر الاستثنائي للحزب، بن كيران، رئيس الحكومة الأسبق (2011-2017)، أميناً عاماً له (لولاية تمتد 4 سنوات)، بعد حصوله على 1012 صوتاً من أصوات 1252 عضواً بالمؤتمر.
وقبل ذلك، رفض المؤتمر الاستثنائي للحزب، المصادقة على طلب الأمانة العامة المستقيلة، بتأجيل عقد المؤتمر العادي، عاماً واحداً، بعد أن صوت 901 من أعضاء المؤتمر ضد قرار التأجيل، بينما صوت 374 آخرون لصالحه، خلال أشغال المؤتمر.
والسبت، نظم "العدالة والتنمية" (معارض/ذو مرجعية إسلامية) مؤتمره الاستثنائي، بمدينة بوزنيقة قرب العاصمة الرباط، لانتخاب قيادة جديدة بعد استقالة أمانته العامة برئاسة سعد الدين العثماني.
كما اختار المؤتمر، الذي استمر يومين، نائبين لبن كيران، هما جامع المعتصم وعبد العزيز عماري، واختيار عبد الحق العربي، مديراً عاماً للحزب، فضلاً عن 15 عضواً بأمانته العامة (الهيئة التنفيذية).
وفي 8 سبتمبر/أيلول الماضي، أُجريت انتخابات تشريعية بالمغرب، تصدر نتائجها حزب "التجمع الوطني للأحرار"، بـ102 مقعد من أصل 395 بمجلس النواب (غرفة البرلمان الأولى)، وشكل ائتلافاً حكومياً.
بينما حصل "العدالة والتنمية" على 13 مقعداً فقط، مقارنة بـ125 مقعداً في انتخابات 2016، بعد أن قاد الحكومة منذ 2011، للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
مواجهة أخنوش
وإن تعددت أسباب عودة بن كيران بين إنقاذ ما تبقى من الحزب والتصالح مع المجتمع، فبن كيران أصبح ضرورياً حتى يخلق حالة من التوازن في المشهد السياسي المغربي، خصوصاً أن رئيس الحكومة الحالي، عبد العزيز أخنوش قليل التواصل والكلام.
ولأن أخنوش يحمل عقلية رجل الأعمال الذي جيء به لممارسة السياسة، فإن بن كيران سيعتبر معارضه الأول من خارج الحكومة والبرلمان، وذلك في غياب أي شخصية سياسية قوية يمكنها أن تواجه حكومة عبد العزيز أخنوش.
ويبقى بن كيران الرقم الصعب، والتحدي الكبير أمام عزيز أخنوش وحكومته، فخطاب رجال الأعمال الذي يميز وزراء الحكومة الحالية يعتبر "مملاً" بالنسبة للمشهد السياسي رغم أنه ضروري، إلا أن الشعبوية التي يمارسها بن كيران لن يقوم بها أحد غيره..
ويرى مناضلو حزب العدالة والتنمية وخصوصاً القواعد أن بن كيران هو الشخص الوحيد القادر على مواجهة أخنوش سياسياً، وانتقاد عمل الحكومة من خارج البرلمان، بحكم أن الحزب لم يعد له اليوم فريق برلماني قوي يمكنه أن يمارس المعارضة.
وتراهن قواعد الحزب على بن كيران ليعيد لهم مكانتهم وسط الساحة السياسية، في ظل الهيمنة التي أصبحت لدى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يُعتبر الغريم رقم واحد أمام العدالة والتنمية.
تقييم المسار
اعتبر محسن مفيدي، عضو المجلس الوطني (برلمان الحزب)، أن "التحدي الأول المطروح أمام بن كيران هو تجميع الحزب بعد الهزات التنظيمية التي عرفها بالمرحلة الأخيرة".
وأضاف مفيدي في تصريح لوكالة الأناضول أن "الحزب لم يعرف استقراراً تنظيمياً وسياسياً طيلة الفترة الماضية لذلك المطلوب تقوية وحدته وتماسك أعضائه".
وتابع أن "التحدي الثاني هو إطلاق مسلسل تقييم المسار ككل، لأن الحزب شارك في الانتخابات التشريعية منذ سنة 1997، وقضى 14 سنة في المعارضة و10 سنوات في رئاسة الحكومة".
وأردف: "24 سنة في مسار الحزب بحلته الجديدة تحتاج إلى تقييم حقيقي وجريء وشجاع يسائل حتى الأسس التي كانت على أساسها فكرة المشاركة السياسية".
وأوضح أن "بن كيران مطالب بإبداع حلول جديدة لأنه وقعت متغيرات عديدة على المستوى الإقليمي والدولي والفعل السياسي للدولة".
ولفت إلى أن "التحدي الثالث هو الحفاظ على قوة الحزب وقوة حضوره النضالي، لأن الانكماش الذي حصل في حضوره التمثيلي لا يجب أن يتحول إلى انكماش في حضوره السياسي".