بعد عدة اجتماعات بين قادة الفصائل السياسية والمسلحة الشيعية في العراق، لبحث أمر الهزيمة المروعة التي تعرضوا لها فى الانتخابات البرلمانية المبكرة يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تم التوصل إلى اختيار وسيط بينهم وبين مقتدى الصدر الفائز بالانتخابات.
يأتي هذا بعد الاختلاف بين هذه الأحزاب حول اللجوء إلى تنفيذ تهديدهم باستخدام السلاح لمواجهة نتائج الانتخابات، ورفض الإطار التنسيقي الشيعي المستمر لنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، ودعوة أنصاره إلى الاحتجاج على النتائج شبه النهائية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية.
وبالفعل، نزل المتظاهرون أمام المنطقة الخضراء والتي تضم أغلب المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في العراق، للتظاهر والاعتصام ونصبوا الخيام منذ يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلى الآن، في محاولة "بائسة" من الفصائل الشيعية السياسية للضغط على الحكومة لتعديل نتائج الانتخابات.
يذكر أن الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يضم أغلب الأحزاب الشيعية العراقية التقليدية، تم تأسيسه في أعقاب المظاهرات التى اندلعت فى أكتوبر عام 2019، والمناهضة للحكومة، ويضم كلاً من ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006-2014)، والحركة الوطنية بزعامة رئيس الوزراء السابق أيضاً، حيدر العبادي (2014-2018)، وتحالف فتح (الجناح السياسي للفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران)، بزعامة هادي العامري رئيس منظمة بدر، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وفالح الفياض رئيس هيئة وحدات الحشد الشعبي.
هذا بالإضافة إلى رجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل، مقتدى الصدر زعيم تحالف سائرون، الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية الحالية، لكن الأخير أعلن انسحابه من الإطار التنسيقي الشيعي في منتصف العام الحالي، وقبل الانتخابات بأسابيع قليلة.
وساطة المالكي
اختيار نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون والذي حصل على 38 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، يعني رجوعه بقوة إلى الساحة السياسية، للتوسط بين الفصائل الشيعية ورجل الدين مقتدى الصدر زعيم تحالف سائرون الذي فاز بـ73 مقعداً، صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء القادم، وتشكيل الحكومة المستقبلية.
وبالرغم من أن المالكي والصدر خصمان لدودان منذ سنوات، إلا أن المالكي -بحسب قائد في تحالف فتح تحدث لـ"عربي بوست"- وافق على هذه الوساطة.
وأوضح المصدر: "المالكي كان معارضاً منذ اليوم الأول لاستخدام السلاح والتهديد بالعنف، وحاول تهدئة جميع الفصائل السياسية والمسلحة، لتخطي هذه الأزمة، لذلك وافق على الفور بمسألة الوساطة".
وبحسب قادة سياسيين في تحالف فتح، تحدثوا لـ"عربي بوست"، اجتمع المالكي والصدر خلال الأيام القليلة الماضية، لبحث مسألة تشكيل حكومة توافقية. يقول قائد بارز في تحالف فتح لـ"عربي بوست": "اجتماع المالكي مع الصدر كان من أجل التوصل إلى اتفاق بأن الحكومة المقبلة تكون حكومة توافقية وليست أغلبية، أي لا يسيطر التيار الصدري على الحكومة المستقبلية".
كما أشار المصدر السابق إلى مسألة أخرى، وهي رغبة نوري المالكي في العودة إلى رئاسة الحكومة العراقية مرة أخرى، فيقول لـ"عربي بوست": "الفصائل المسلحة والسياسية الشيعية توافق على تولي السيد المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة، وهو أمر ناقشه المالكي مع الصدر، لكن إلى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق محدد، لكن في النهاية لابد من حدوث التسويات التي ترضي جميع الأطراف".
يرى القائد البارز في تحالف فتح الذي يضم كافة الأجنحة السياسية للفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران، أن خيار اللجوء إلى العنف كان اقتراحاً خاطئاً، وكان لابد من أن يتولى أحد زمام التهدئة، فيقول لـ"عربي بوست": "كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، كانوا داعمين للخيار المسلح، توصلوا إلى اعتصام أنصارهم، ثم إثارة القلق في الشوارع، وفي النهاية حمل السلاح، لكن لم تتم الموافقة من قبل جميع قادة الإطار التنسيقي الشيعي".
تجدر الإشارة إلى أن الإطار التنسيقي الشيعي لجأ في البداية إلى تقديم الطعون القانونية إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، يقول مصدر مسؤول في المفوضية العليا لـ"عربي بوست": "تلقينا حوالي 1500 طعن، أغلبها غير مهمة، مجرد حركة احتجاجية، وأستطيع القول إنه حتى بعد التحقيق فيها، لن تؤثر على نتائج الانتخابات بأي شكل من الأشكال".
كما دعا تحالف فتح إلى إعادة الفرز يدوياً في بعض الدوائر الانتخابية، وهذا أمر يبدو إلى الآن مرفوضاً من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، يقول المصدر السابق: "هذا أمر شبه مستحيل، لن تتم إعادة الفرز يدوياً، حتى وإن اقتحموا المفوضية بالسلاح".
التهديد بالسلاح
فور إعلان النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة، وحصول تحالف فتح الذي يضم أغلب الأجنحة السياسية للفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، على حوالي 17 مقعداً من أصل 329 مقعداً برلمانياً، بعد أن كان قد حصد حوالي 50 مقعداً فى الانتخابات السابقة فى عام 2018، مما يعني خسارته بنسبة 60% فى الانتخابات الأخيرة، بالإضافة إلى حصول حركة حقوق التابعة لكتائب حزب الله العراقية، الفصيل الشيعي المسلح القوي، على مقعد واحد فقط، أعلن تحالف فتح وحركة حقوق رفضهما لنتائج الانتخابات، واتهما المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية بالتزوير.
يقول مسؤول حكومي بارز في الحكومة العراقية، ومقرب من رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي لـ"عربي بوست"، إن نتائج الانتخابات كانت صدمة كبيرة لفتح، "النتائج جردتهم من النفوذ والغطاء السياسي، الذي يسعون إليه دائماً، للإفلات من المحاسبة القانونية، كما أنهم شعروا أنه تتم إزاحتهم من المشهد السياسي بشكل كامل"، على حد قوله.
لذلك، وبعد اجتماعات عديدة لقادة الإطار التنسيقي الشيعي، تحدث عن تفاصيلها المسؤولون والقادة الشيعة في العراق لـ"عربي بوست" في تقارير سابقة، قرر القادة الشيعة في النهاية شحن أنصارهم للنزول إلى الشوارع للاحتجاج، مهددين باللجوء إلى السلاح، لوضع الحكومة العراقية في مأزق.
يقول المسؤول الحكومي العراقي، لـ"عربي بوست": "قرر قادة فتح حشد أنصارهم على أبواب المنطقة الخضراء، لزيادة التوتر، فنحن نعلم بالتأكيد أن المعتصمين من انصارهم مسلحون بالطبع، وأن أي خطأ فردي من جانب المعتصمين أو قوات تأمين المنطقة الخضراء، سينتج عنه عنف مسلح لن نستطيع إيقافه بسهولة".
كان من الملحوظ أن أعداد المتظاهرين من أنصار الأحزاب الشيعية التي نزلت إلى شوارع بغداد، والبصرة، وعدد آخر من المحافظات العراقية، قليل نسبياً، مما أعطى انطباعاً بفقدان هذه الأحزاب لقاعدتها الجماهيرية، لكن في نفس الوقت، لا يمكن القول إن الأعداد المنخفضة تدل على فقدان الأحزاب الشيعية العراقية لوزنها السياسي الذي ما زال موجوداً في الحياة السياسية العراقية.
الحرس الثوري يتدخل لإنهاء التوتر
بعد يومين من إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وظهور المؤشرات الأولى على خسارة الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران، وتلويحها باستخدام السلاح رفضاً للاقرار بهزيمتها وإعلان النتائج، سافر وفد من قادة الحرس الثوري الإيراني إلى العراق، في محاولة للتدخل لتهدئة الأجواء المتوترة.
يقول مسؤول أمني إيراني، رفيع المستوى بوزارة المخابرات الإيرانية لـ"عربي بوست"، كان أيضاً من ضمن الوفد الذي زار العراق خلال الأيام القليلة الماضية: "كانت نتيجة الانتخابات سيئة للغاية، وصدمة بالنسبة للقادة الإيرانيين، كنا نتوقع عدداً أقل من المقاعد لتحالف فتح عن الانتخابات السابقة، لكن العدد الذى حصل عليه فى الانتخابات الأخيرة كان أكثر سوءاً من توقعنا".
فى حديثه لـ"عربي بوست"، أشار المسؤول الأمني الإيراني إلى وجود "شبهة مؤامرة" من رئيس الوزراء العراقي الحالي، مصطفى الكاظمي، بالتحالف مع مقتدى الصدر، والولايات المتحدة، لإزاحة الأحزاب الشيعية المقربة من إيران من البرلمان المقبل.
وأضاف: "يريد الصدر أن يلعب دوراً جديداً في العراق، يريد أن يصبح رجل الإصلاح الذي يرحب بوجود الأمريكان في العراق لإظهار أنه يتبنى أجندة مختلفة عن الجميع، كما أنه يريد السيطرة على الحكومة المقبلة، لكن هذا الأمر لن يحدث".
علم "عربي بوست"، من مصادر أمنية إيرانية، وقادة في الإطار التنسيقي الشيعي العراقي، أن وفداً من الحرس الثوري الإيراني ومعه عدد من مسؤولين أمنيين في وزارة المخابرات الإيرانية، سافر إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق فى اليومين الماضيين، لبحث تحالف الأكراد مع الشيعة المدعومين من إيران، لمنع سيطرة مقتدى الصدر على الحكومة المقبلة.
يقول قائد بارز في تحالف فتح لـ"عربي بوست": "اجتمع قادة الحرس الثوري في أربيل بقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، للحصول على ضمان بتحالفهم مع الشيعة في البرلمان المقبل".
تجدر الإشارة هنا إلى أن كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذين يتقاسمان الحكم في إقليم كردستان شبه المستقل، يتمتعان بعلاقة وثيقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبحسب القائد في تحالف فتح، فإن قادة الحرس الثوري الإيراني ما زالوا قلقين من احتمالية تحالف الأكراد وبعض السنة مع مقتدى الصدر، فيقول لـ"عربي بوست": "كان تحذير قادة الحرس الثوري للأكراد واضحاً، بأنه لا تحالف مع الصدر".
وبحسب المصدر ذاته، فإن قادة الحرس الثوري الإيراني الذين زاروا العراق مؤخراً، اجتمعوا في أربيل أيضاً مع خميس الخنجر رجل الأعمال السني، زعيم تحالف عزم السني، والذي حصل على حوالي 15 مقعداً، معلناً هزيمته أمام تحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي الذى حصل على حوالي 45 مقعداً.
يقول المسؤول الأمني الإيراني، الذي كان حاضراً في اجتماعات قادة الحرس الثوري الإيراني بالمسؤولين الأكراد والسنة العراقيين، فى مدينة أربيل، لـ"عربي بوست"؛ "نضمن تحالف عزم مع الشيعة، وحصلنا على ضمان من الأكراد للتحالف مع فتح".
وبحسب القائد في تحالف فتح، فقد طلب المسؤولون العراقيون الأكراد من الحزب الديمقراطي الكردستاني، من قادة الحرس الثوري الإيراني، تأمين منصب رئيس الجمهورية لأحد أعضاء الحزب.
جدير بالذكر أن منصب رئيس الجمهورية العراقية كان دائماً محجوزاً للمكون الكردي العراقي، منذ عام 2003، وكان دائماً ما يذهب إلى أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني الذين يسيطرون على الحكم فى مدينة السليمانية فى إقليم كردستان العراق، لكن على ما يبدو فإنه في هذه الانتخابات الأخيرة، يريد الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي يحكم مدينة أربيل، الحصول على منصب رئيس الجمهورية.
لا آفاق للتصعيد
من المقرر أن تقوم المحكمة الفيدرالية العراقية بالتصديق على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة خلال أسبوعين، وهذا يعني الإقرار بالنتائج التى تم إعلانها منذ أيام دون أي تغيير.
وفي ظل تهديد الأحزاب الشيعية، التي تلقت هزيمة نكراء فى هذه الانتخابات، والتلويح باللجوء إلى العنف، في حالة تصميم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية على نتائج الانتخابات التي أعلنوا رفضهم لها، إلا أنه وبحسب مسؤولين وقادة سياسيين شيعة، لا يوجد أي آفاق للتصعيد.
يقول مسؤول حكومي مقرب من رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي لـ"عربي بوست": "الايرانيون لا يريدون أي تصعيد، ولا يريدون دخول العراق في حرب أهلية جديدة، لذلك أستطيع القول بأنهم نجحوا في تهدئة حلفائهم في العراق، ولن تتطور الأمور إلى أكثر من مسألة الاعتصام والاحتجاج".
يؤكد سياسي شيعي بارز في الإطار التنسيقي الشيعي قول المسوول الحكومي العراقي، قائلاً لـ"عربي بوست": "لقد فقدت الأحزاب الشيعية الكثير في العام الماضي، ونتيجة الانتخابات حتى وإن لم تكن متوقعة بهذا الشكل، إلا أنها مؤشر خطير على بداية فقدان مكاسب الفصائل الشيعية التي حصلت عليها منذ النصر على تنظيم داعش، لذلك لن يلجأ أي أحد إلى تصعيد الأمور، أو استخدام السلاح، سيتم إبرام التحالفات المناسبة، للخروج من هذا المأزق".