بعدما صدم المجتمع الأدبي في إسبانيا بأن حقيقة الكاتبة التي فازت بجائزة قيمتها مليون يورو كارمن مولا ما هي إلا 3 رجال، اشتعل نقاش في الأوساط الأدبية والإعلامية حول الدوافع الحقيقية للتنكر خلف اسم امرأة ثم الاعتراف لاحقاً بالحقيقة عند موعد تسلم الجائزة.
على مدى سنوات، أخفى الكتّاب الثلاثة حقيقة انتحال شخصية أستاذة جامعية متزوجة في عقدها الرابع ولها 3 أولاد، ألفت رواية "الوحش" في العام 2018، والتي تسرد جرائم قتل الأطفال في مدريد أثناء تفشي الكوليرا عام 1834.
من هي كارمن مولا؟
ظهر اسم الكاتبة المزيف كارمن مولا، والتي رفضت طوال الفترة الماضية الظهور في مقابلات، واكتفت بالرد على أسئلة الصحافيين والراغبين عبر البريد الإلكتروني، ما سمح للكتاب بالتحرك بحرية خلف الشاشات وتقديم الصورة التي ارتأوها لهذه المؤلفة من جهة وبطلة رواياتها، حتى على الموقع الإلكتروني للكاتبة، تظهر صورة لسيدة نحيفة تدير ظهرها للكاميرا، بينما تدور أحداث رواياتها التي لفتت الأنظار حول شخصية المحققة إيلينا بلانكو، التي وصفتها دار النشر Penguin Random House بأنها "امرأة غريبة وحيدة محبّة للكاريوكي وجمع السيارات وممارسة الجنس في سيارات الدفع الرباعي"، حسب ما نشر موقع CNN.
واشتهرت روايات مولا بكونها دموية، وهو ما أشارت إليه وسائل الإعلام الإسبانية في الماضي بشأن التناقض بين حياة مولا المفترضة كأستاذة جامعية متزوجة والطبيعة العنيفة لكتبها، والتي كانت بمثابة أداة تسويقية أفادتها إلى حد كبير.
ومن رواياتها "العروس الغجرية" والتي تقص أحداثاً غامضة ومشوقة لأختين يتم تعذيبهما حتى الموت. يقود التحقيق في القضية أذكى وأغرب محققة في قسم الشرطة، ليتبين لاحقاً أن جريمة القتل تمت عبر زرع دود داخل رأس إحدى الضحايا، لتتحول هذه المحققة بطلة أكثر من رواية لاحقة.
طريقة الموت والتعذيب المقززة كانتا حجة " كارمن مولا" المزيفة خلف رفضها الظهور علناً، زاعمةً أنها خجلت من إظهار هويتها الحقيقية أمام زملائها في العمل ووالديها خوفاً من الحكم القاسي على مخيلتها الأدبية.
لكن مولا ليست إلا 3 رجال في امرأة، فلماذا كشفوا هويتهم لاحقاً؟ وهل سبقهم أحد على هذا الانتحال الأدبي؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية كشفت أن المؤلفين ووكيلة أعمالهم، عمدوا على تنظيم حملة ترويجية للرواية معتمدين على الأفكار المسبقة بأن النساء عاجزات عن تأليف روايات مشيقة، وإن فعلن ذلك سيخشين من كشف هوياتهن الحقيقية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها القراء والصحفيون في شباك حيلة تسويقية، ولكن هذه المرة ساد شعور بالإحباط "من عدم تطبيق بعض الأسماء المرموقة في التحرير والنشر لمعايير أساسية للحقيقة"، حسب ما قالت الصحافية الإسبانية ماريا راميريز.
فاسم كارمن مولا هذه المرة لم يكن اسماً مستعاراً لحماية شخص ما من رد فعل عنيف أو لتحريرها من قيود أحكام الآخرين وإطلاق حريتها في الإبداع.
وبينما قال بعض الأدباء الإسبان إن أنامل الرجل كانت واضحة في أحداث الرواية، لام البعض الآخر الصحافة الإسبانية لعدم التحقق جيداً من الحقائق قبل النشر والترويج للرواية التي حازت على عقود تحويلها إلى مسلسل وترجمت لـ 14 لغة.
وانتقدت مؤلفات في الوسط الأدبي الإسباني بشدة استغلال صفة كاتبة أنثى، وغردت الكاتبة بياتريس جيمنو قائلة إن الانتحال تخطى استخدام اسم مستعار لاستغلال شخصية مستعارة بأكملها، أدلت بتصريحات تناقش كونها امرأة في عالم يسيطر عليه الرجال.
الخداع الأدبي وأخلاقيات التأليف والأسماء المستعارة
وقضية مولا ليست الأولى من نوعها، إذ تم استخدام الأسماء المستعارة للكتابة من قبل العديد من المؤلفين البارزين الذين أرادوا إخفاء هوياتهم الحقيقية على مدى قرون.
لكن السائد والأكثر شيوعاً هو استخدام مؤلفات أسماء رجال مثل الكاتبة ماري آن إيفانز التي اختارت اسم جورج إليوت أملاً في أن يأخذ الناس كتاباتها على محمل الجد في القرن التاسع عشر، ولإخفاء علاقتها العاطفية برجل متزوج.
كما اختارت مثلاً مؤلفة سلسلة كتب هاري بوتر جاي كاي رولينغ اسم روبرت غالبرايث لكتابة روايتها "The Cuckoo's Calling ".
وذكرت صحيفة The Guardian إن رولينغ تمنت لو بقي الأمر سراً لأنها كانت تشعر بحرية أثناء كتابة أحداث الجريمة بعيداً عن التوقعات العالية من القراء وبحثاً عن ردود أفعال بعيدة عن هويتها الحقيقية، على حد تعبيرها.
ولعل أشهر كاتبة عاشت في الظل كانت جاين أوستن التي لم تكشف عن هويتها طوال حياتها لتنتج روايات كلاسيكية مثل Sense and Sensibility، و Pride and Prejudice؛ ولم يتم كشف السر إلا عندما كشف شقيها الفخور هنري السر في رثائها، حسب ما نشر موقع Am Reading.
لماذا يلجأ الأدباء لأسماء مستعارة؟
يستخدم الكتاب أسماء مستعارة لعدة أسباب، والعديد من الكتاب الكلاسيكيين الناجحين معروفون بأسمائهم المستعارة أكثر من أسمائهم الحقيقية، وهي ممارسة معروفة عالمياً، حسب ما نشرت مجلة Writer's Digest المتخصصة بعالم الأدب والكتابة.
ويلجأ بعض الكتاب المعروفين عالمياً لهذه الطريقة للتخلص من عباءة اللون الواحد وحباً في التنوع، فكاتب القصص المثيرة ستيفن كينغ استخدم اسما مستعاراً لكتابة قصص رومانسية حتى لا يخيب أمل معجبيه المخلصين؛ وكذلك الروائية أغاثا كريستي التي تتخصص في كتابة قصص الجريمة، استعانت باسم مستعار لكتابة روايات رومانسية تحت اسم ماري ويسماكوت.
من الأسباب الأخرى التي تدفع الكتاب إلى اللجوء لأسماء مستعارة هي تغيير دور النشر بكل بساطة، وربما البحث عن مصدر مالي آخر بدون التعرض لعواقب قانونية أو خلافات.
وقد يختار البعض بكل بساطة إخفاء هويته ليكتب بأريحية عن أحداث شخصية تشمل زملاء في العمل أو أفراد في العائلة فلا يرج نفسهم ولا الآخرين عندما ينتشر الكتاب بين أيدي القراء، حسب موقع "أخلاقيات الكتابة".
أما السب الأكبر لهذه الممارسة هي تعرض الكتاب الأول للفشل، فإذا لم يحصد الكاتب على النجاح الذي يأمل به مع دار النشر، سيفشل على الأرجح في إبرام صفقة مرة ثانية.
وإعادة الولادة باسم جديد هي بكل بساطة محاولة أخرى وبداية ثانية.
لكن في قضية الكاتبة مولا، كانت وما زالت الجائزة والتقدير المعنوي والمالي مثار جدل كبير.