بين المخابرات العامة والحربية والأمن الوطني! خريطة ولاءات نجوم الإعلام المصري للأجهزة السيادية

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/17 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/17 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش

عادة ما تمتلك أغلب دول العالم منابر إعلامية من قنوات ومذيعين ومقدمي برامج، يعبرون عن وجهة نظر تلك الدولة تجاه القضايا المختلفة الداخلية والخارجية، ويقومون بتوصيل الرسائل التي يريدها رئيس الدولة أو أجهزتها السيادية والحكومية إلى عموم الشعب.

 لكن الإعلام في مصر خلال السنوات الأخيرة شابته حالة واضحة من الاستقطاب استجابة لرغبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بامتلاك ما سماه في أحد لقاءاته مع رجال الجيش قبل توليه الرئاسة "أذرع إعلامية".

الجديد أن أغلب نجوم الإعلام المصري باتوا يتفاخرون في السنوات الأخيرة بولائهم للأجهزة السيادية وتعاونهم معها، بل ويهاجمون من يخرج منهم عن طوع تلك الأجهزة أو يتكلم عنها بالسوء، مثلما فعل عمرو أديب قبل سنوات حينما انتقد بقسوة زميله توفيق عكاشة بسبب هجوم الأخير على أجهزة سيادية بالدولة قائلاً إنها (الأجهزة) "أكلته لحماً ورمته عظماً".

انتقد أديب تعامل عكاشة مع "الأجهزة" قائلاً له "أنت عار علينا كلنا.. لا يصح أن تستفيد من الأجهزة السيادية دون أن تعمل معها، واللي عايز يعيش مع الأجهزة يعيش بس ما يجيش (لا يأتي) بعد كده يقول مفيش"، مضيفاً أن "جهازاً سيادياً قام بتخبئة الأخير في مكان آمن لمدة أسبوعين في عهد الإخوان، لأنه ابن الأجهزة الأمنية المدلل"، على حد وصف أديب. 

تحدَّث حتى أعرف لصالح أي جهة تعمل!

يوضح مصدر أمني لـ"عربي بوست" أنه اذا أردنا تلخيص معركة الولاءات في الإعلام المصري فالأوْلى أن نبدأ بتحديد الجهات التي تجتذب ولاءات الإعلاميين وطرق اجتذابهم.

يتصدر تلك الجهات في الوقت الحالي الجيش المصري من خلال المخابرات الحربية التي تتعامل مع الإعلاميين من وراء ستار إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة، وهي الجهة الرسمية المنوط بها العمل كهمزة وصل بين الجيش بكل فروعه ووسائل الإعلام ومن يعملون فيها، بجانب المجموعة 26 التي تمر من خلالها الموافقات للإعلاميين قبل إجراء أي لقاء إعلامي له علاقة بالجيش. 

ويستطرد المصدر أن المخابرات الحربية لا تمتلك كثيراً من الأذرع الإعلامية خصوصاً في الفضائيات التي احتكرتها تقريباً المخابرات العامة منذ أن تولى اللواء عباس كامل إدارتها، وذلك من خلال الشركة المتحدة للإعلام التي أنشئت في عام 2016، فضلاً عن أن تجربة إطلاق قنوات متخصصة بمعرفة المخابرات الحربية عرفت باسم قنوات دي إم سي لم تلقَ النجاح المنتظر، حيث أغلقت القناة الرياضية بعد أقل من عامين على إطلاقها، بينما لم ترَ القناة الإخبارية النور من الأساس رغم تعيين أطقم فنية كاملة عملت لمدة 3 أعوام تقريباً على البث التجريبي، وتلقت رواتب ضخمة، لكن جاء الأمر في النهاية بعدم إطلاق القناة.

عودة يوسف الحسيني والمناوي واستمرار إبراهيم عيسى يؤكد مقولة أن الجيش لا ينسى رجاله

أبرز المذيعين المحسوبين على المخابرات الحربية هم: يوسف الحسيني الذي كان يقدم برنامجاً على قناة أون، حينما كانت مملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، قبل أن يستبعد من الظهور تماماً بعد ذلك ولعدة سنوات، لكن الجميع فوجئ بعودته إلى شاشة القناة الأولى الحكومية، مع تعيينه نائباً في مجلس النواب المصري الذي تشكل العام الماضي، في خطوات وصفها إعلاميون بعبارة ساخرة تقول: "إن الجيش لا ينسى رجاله"!

لكن الحسيني مثل إعلاميين آخرين، لم يمنعه ولاؤه للمخابرات الحربية من تنفيذ أجندة رجل الأعمال نجيب ساويرس، حين كان يقدم برنامجه اليومي في قناة أون تي في وقت أن كان يملكها الأخير، ومن المواقف المشهودة له في ذلك الوقت دفاعه عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير اللتين تنازل عنهما السيسي للسعودية.

لكنه لاحقاً وبعد إعادة توظيفه لم يألُ جهداً في الإشادة بإنجازات الرئيس السيسي حتى وصل به الأمر إلى الانحناء على الهواء مباشرة تقديراً وشكراً لجهد الرئيس المصري في إعادة المصريين العالقين في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان عليها.

الإعلامي الثاني هو إبراهيم عيسى الذي يمثل حالة غير مفهومة لمن لا يعرف علاقته بالمخابرات الحربية، حيث اعتاد عيسى رفع وتيرة انتقاداته للمسؤولين في الدولة، بل وفي دول عربية أخرى كذلك، مما يضع القائمين على القناة التي يعمل بها في حرج فيقومون بتجميد برنامجه، لكنه لا يلبث أن يعود مع قناة أخرى وببرنامج آخر، حدث هذا من قبل مع قناة القاهرة والناس ثم قناة أون وكذلك قناة MBC. 

يمكن بسهولة ملاحظة دفاع عيسى المستمر عن الجيش المصري، ليس فقط في مهامه العسكرية وهو أمر قد يبدو منطقياً لأي إعلامي وطني، ولكن أيضاً في هيمنة القوات المسلحة على أغلب المشروعات المدنية في مصر، في تصرف نادر من إبراهيم عيسى الذي لا يسلم أحد ولا جهة من انتقاداته العنيفة.

رولا خرسا محسوبة على المخابرات الحربية "بالوكالة"!

المذيعة رولا خرسا التي أشار إليها عباس كامل في تسريبه يمكن اعتبارها أيضاً من المحسوبين على المخابرات الحربية، ليس بصفة شخصية ربما ولكن بالوكالة، من خلال زوجها الإعلامي عبداللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار في التليفزيون المصري سابقاً، والذي تحيط به علامات استفهام عديدة لا تفسرها سوى علاقته بالمخابرات الحربية، منها مثلاً دوره في الإبلاغ عن الفنانة سعاد حسني عندما كانت تربطها به وبزوجته رولا خرسا علاقة صداقة وطيدة خلال إقامة الفنانة في لندن للعلاج، حيث أشيع وقت وفاتها أن المناوي هو من أبلغ المخابرات الحربية بنية الفنانة نشر مذكراتها التي تفضح فيها فترة تعاونها مع المخابرات للقيام بأعمال منافية للآداب في ستينيات القرن الماضي، وهو ما تسبب في مقتل سعاد حسني في لندن في ظروف غامضة.

 كما يعرف بعض المقربين من المناوي أنه منع إذاعة خطاب للرئيس الأسبق حسني مبارك قبل ساعات من إعلان تنحيه، وبمجرد تسلمه الشريط الذي يحوي الخطاب من مندوب رئاسة الجمهورية (كان وقتها رئيس قطاع الأخبار) سارع بالاتصال بالمشير الراحل حسين طنطاوي يخبره فيه بالأمر، فما كان من الأخير سوى الطلب منه عدم إذاعة الخطاب والانتظار، حتى خرج اللواء عمر سليمان ليعلن تنحي مبارك عن الحكم، وقيل وقتها إن خطاب مبارك الممنوع كان سيعلن فيه إقالة طنطاوي، وكوفئ المناوي على موقفه بخروجه سالماً من مصر للإقامة في لندن حتى يفلت من المحاكمة في فترة حكم الإخوان، ثم عودته مجدداً ليتولى منصب العضو المنتدب لجريدة المصري اليوم.

المخابرات العامة تسيطر على أغلب المذيعين

الجهة السيادية الثانية التي باتت تسيطر على أغلب نجوم الإعلام ومقدمي برامج التوك شو في السنوات الأخيرة هي المخابرات العامة من خلال ذراعها الإعلامية المسماة الشركة المتحدة للإعلام، وهي تمتلك حالياً أغلب القنوات الفضائية الخاصة في مصر ومن بينها الحياة وأون ودي إم سي وسي بي سي، وغيرها، وبالتالي باتت تتحكم في أغلب مقدمي برامج التوك شو وتوجيههم إلى الوجهة التي تريدها، سواء بالابتعاد نهائياً عن السياسة والتحول إلى تقديم برامج منوعات مثلما حدث مع منى الشاذلي التي تقدم برنامج منوعات بعنوان "معكم" على قناة سي بي سي.

من بين أبرز المذيعين أصحاب الولاء لجهاز المخابرات العامة المصرية يبرز توفيق عكاشة، صاحب قناة الفراعين وعضو مجلس الشعب السابق، الذي كان يحظى كما قال عمرو أديب بمكانة مميزة لدى المسؤولين في المخابرات منحته دفعة قوية لامتلاك قناة خاصة به، ثم الحصول على عضوية مجلس الشعب، وقبلهما الحصول على تقسيم أراضٍ سكنية ذات مساحة هائلة في موقع متميز بمدينة الشيخ زايد باسم جمعية وهمية أنشأها، وسهلت له الحصول على عشرات الملايين من الراغبين في تملك قطع الأراضي.

لكن مشكلة عكاشة -كما قال صديق مقرب له لـ"عربي بوست"- أنه تصور مع اتساع شعبيته لدى قطاع عريض من المصريين أنه يستطيع أن يناطح الرئيس السيسي نفسه، وهو ما قاله مجازاً في لقاء له مع وائل الإبراشي، حيث قال "الشعب جاء بالسيسي رئيساً للجمهورية في عام 2014، والشعب الآن يريد أن يأتي بي رئيساً للبرلمان".

"اجتماع الماسة" أعاد للأمن الوطني بعضاً من نفوذه القديم على الإعلاميين

الجهة السيادية الثالثة هي جهاز الأمن الوطني أو أمن الدولة كما كان يلقب قبل ثورة يناير 2011، والذي ظل يسيطر منفرداً بشكل تقليدي على الإعلام والإعلاميين منذ عصر الرئيس الراحل السادات، لكن نفوذه تراجع في السنوات التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، بعد تدهور شعبية الجهاز واقتحام المواطنين لمقراته، لكنه استرد بعضاً من نفوذه القديم عقب المظاهرات التي اندلعت في عدة محافظات مصرية في سبتمبر/أيلول 2019 استجابة للمقاول الهارب محمد علي.

تحديداً استعاد أمن الدولة بعضاً من نفوذه في اجتماع شهير عرف بـ"اجتماع الماسة" الذي ترأسه المشير الراحل حسين طنطاوي بطلب من السيسي الذي كان في زيارة وقتها إلى أمريكا.

 في ذلك الاجتماع سأل طنطاوي مدير أمن الدولة عما يغضبهم، فأوضح له الأخير أن ما يغضبهم سحب ملف الإعلام منهم بعدما كانوا منفردين به طوال عقود، وردَّ عليه طنطاوي بأن الملف سيعود لهم، وهو ما حدث جزئياً حيث استعاد أمن الدولة نفوذه في ترشيح رؤساء تحرير الصحف القومية، وكذلك في الحصول على حصة من ترشيح مذيعي الفضائيات القومية والخاصة التي لا تمتلكها المخابرات.

"الطاعة العمياء" تحوّل أحمد موسى إلى نجم التوك شو الأول في مصر

أبرز إعلامي مرتبط بأمن الدولة هو أحمد موسى، الذي يقدم برنامجاً يومياً على قناة "صدى البلد"، ورغم أن القناة مملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، فإن موسى يستمد نفوذه داخل القناة من علاقته القديمة والممتدة بأمن الدولة، وهو كما يعده كثيرون الناطق بلسان أمن الدولة في الإعلام المصري، وهو أمر لا ينكره موسى نفسه، بل إنه يسارع بالدفاع عن وزارة الداخلية بشكل عام، والأمن الوطني (الاسم البديل لأمن الدولة) كلما طلب منه ذلك، مثلما فعل في إحدى حلقات برنامجه العام الماضي، حين تصدّى للهجوم على مَن زعموا عودة مسمّى أمن الدولة، وكال الاتهامات لكل من قال ذلك أو صدَّقه من الشعب المصري.

 ولاء أحمد موسى من النوع الذي يوصف في الأجهزة الأمنية بـ"الطاعة العمياء"، ولهذا يمكن للمشاهدين ملاحظة تحول مواقفه بسهولة من النقيض إلى النقيض دون تفكير، لمجرد تنفيذ التعليمات التي تصدر له، حيث لا يجد غضاضة في الهجوم على حركة حماس وعلى الفلسطينيين، ثم في وقت آخر ينفعل بشدة على الهواء دفاعاً عن فلسطين وغزة (التي تسيطر عليها حركة حماس)، التي تتعرض للانتهاكات على أيدي القوات الإسرائيلية!

مصطفى بكري ينقذ وزير الداخلية من الإقالة بتعليمات من أمن الدولة

مصطفى بكري هو الآخر من أبرز الإعلاميين المرتبطين بأمن الدولة، وهو الارتباط الذي أمَّن له البقاء في الساحة الإعلامية لسنوات طويلة، والتحول في مواقفه، من تقبيل يد جمال مبارك قبل ثورة يناير 2011، والارتماء في أحضان صفوت الشريف وزير الإعلام في عصر مبارك، إلى موالاة جماعة الإخوان خلال السنة التي حكم فيها الرئيس الراحل محمد مرسي، وقبلها (خلال فترة المجلس العسكري)، وبعدها بانتمائه المعلن للجيش المصري.

المواقف التي تعكس ارتباط بكري بأمن الدولة أكثر من أن تُحصى في موضوع واحد، لكن نتذكر واقعة لافتة للغاية، حين تلقَّى أمراً من أمن الدولة عام 2005، بنشر خبر في جريدته (الأسبوع)، عن مطالبة أمريكا بإقالة حبيب العادلي من منصب وزير الداخلية، وذلك لإحراج الرئيس الراحل مبارك، الذي توفرت معلومات لأمن الدولة بنيته إقالة العادلي، بسبب فشله في منع الأعمال الإرهابية في طابا وشرم الشيخ في ذلك العام، وبالفعل انتشر خبر بكري على نطاق واسع، واحتفظ العادلي بمنصبه كوزير للداخلية، خوفاً من أن يقوم مبارك بإقالته، ويُقال إنه فعل ذلك استجابةً لطلب أمريكي. 

كل هذه المعارك كانت تدور خلف ستائر المشهد الإعلامي قبل أن يكشف عنها موقفان، الأول سنورد ذكره لاحقاً، أما الثاني فكان عبارة مقتضبة قالها اللواء إسماعيل عتمان، مدير الشؤون المعنوية السابق أثناء مداخلته مع الصحفي والبرلماني والمذيع المعروف مصطفى بكري، في برنامجه "حقائق وأسرار"، حينما قال له ببساطة: "كنا بنعتمد عليك"، ورغم بساطة العبارة فإنها ألقت الضوء على كيفية استخدام جهة ما للإعلاميين لتوصيل رسالة بعينها.

أما الموقف الأول فكان التسريب القديم الذي نُشر لحوار بين اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي سابقاً ومدير المخابرات العامة حالياً، مع العقيد أحمد علي، المتحدث العسكري السابق، حيث يطلب كامل من علي أن يكتب الأفكار المطلوب أن يقوم الإعلاميون المحسوبون على الجيش وعلى السيسي بترويجها على المشاهدين.

 المثير أن كامل حدّد خلال الحوار عدداً من أسماء الإعلاميين الذين يعملون لصالح الأجهزة السيادية أو بالتنسيق معها، ومنهم أحمد موسى، ووائل الإبراشي، وإبراهيم عيسى، بخلاف رولا خرسا، الإعلامية السورية، التي كانت تقدم برنامجاً في قناة صدى البلد، وعزة مصطفى، ومحمود سعد.

تحميل المزيد