تُشكل حوادث إيقاف الحسابات البنكية لفئة "البدون" في الكويت فصلاً جديداً من معاناة الآلاف منهم، الذين يعيشون في البلاد دون وثائق جنسية، ويُحرَمون من كافة الخدمات الرسمية والطبية، في محاولة قالت وسائل إعلامية إنها خطوة لدفعهم للقبول بجنسيات أخرى، من بينها العراقية.
وتعتبر الكويت أن معظم عديمي الجنسية لديها هم مهاجرون من دول أخرى قاموا بإخفاء جنسياتهم الأصلية، وتصنفهم على أنهم مقيمون بصورة غير قانونية.
وكثفت السلطات الكويتية ضغوطها على مجتمع البدون خلال السنوات الأخيرة "للكشف عن بلدانهم الأصلية" أو قبول الجنسية التي يتم وضعها على هوياتهم، من قبل الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وهو الجهاز الحكومي المعني بالتعامل مع هذه الفئة، بناء على تحقيقات أجرتها أجهزة الأمن الكويتية.
وتتزامن هذه الضغوط مع الوضع الصعب الذي تواجهه البلاد والضغوط المتزايدة على ميزانيتها العامة، بعد فترة من انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا.
14 شهراً دون راتب
أحمد العنزي، المنتمي إلى فئة البدون، قضى آخر 14 شهراً ضائعاً في متاهة بيروقراطية بعد إيقاف حسابه المصرفي، ما أدى إلى عجزه عن الوصول إلى راتبه ومدخراته في خضم جائحة فيروس كورونا، بحسب ما قالت وكالة رويترز، الخميس 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويطالب البنك العنزي، البالغ من العمر 26 عاماً، بإثبات هوية سارية المفعول، في وقت ترفض فيه السلطات الكويتية تجديد بطاقته الأمنية ما لم يقبل تعريفه باعتباره مواطناً عراقياً.
قال العنزي الذي يعمل موظفاً في مستوصف الصليبية بالكويت "يقولون أنت عراقي الجنسية، على أي أساس أنا عراقي؟! طيب، أنا لو عراقي، راح أطلع الجنسية من تاني يوم، ما عندي مشكلة، طبعاً عيشة الوافد أحسن من عيشتنا بألف مرة"، في إشارة إلى المعاناة التي يعيشها مجتمع البدون في الكويت.
قال العنزي لرويترز في منزل والديه في أحد أفقر الأحياء في البلد الثري المنتج للنفط، إنه لا يتوقع أن يتم تجديد بطاقته الأمنية لاعتقاد السلطات بأنه عراقي، مضيفاً "لا أحد يقدر على تحمل 14 شهراً بدون راتب".
فيما قال والده كامل العنزي إنه هو نفسه ولد في الكويت، وإن جده لأبيه كان موجوداً بالكويت في عام 1934، أي قبل استقلالها رسمياً عن بريطانيا عام 1961.
في حي الصليبية الفقير، حيث يعيش العنزي، تُرفرف الأعلام الكويتية فوق بعض المنازل الصغيرة التي يعيش فيها مئات من عائلات البدون منذ عقود، بينما كانت العشرات من سيارات الدفع الرباعي الأمريكية متوقفة في شوارع المنطقة المليئة بالحفر.
وقال واحد آخر من أبناء فئة البدون، طلب تعريف نفسه باسم أبوجابر فقط، إنه أصبح غير قادر على الوصول إلى حسابه المصرفي لذات السبب، حيث طلب البنك منه تحديث بياناته.
وأضاف أنه أصيب بالصدمة عندما طالبه البنك "بشيء شبه تعجيزي والكل يعلم به بالنسبة للبدون، وهو تجديد البطاقات"، مضيفاً: "صار عندنا انتكاسة، اجتماعياً، نفسياً، مادياً.. (أصبحت) غير قادر على توفير أي احتياجات".
انتهاك لحقوق الإنسان
الدكتورة ابتهال الخطيب، وهي أستاذ في جامعة الكويت وناشطة حقوقية كويتية قالت إن رفض صرف البطاقات الأمنية أو أي تعريف بالهوية للبدون هو أسلوب لدفعهم للاعتراف بهوية أخرى، مشيرة إلى أن كثيرين من البدون يرفضون "هذا النوع من المساومة" وبالتالي لا يحصلون على هوياتهم.
وأشارت الدكتورة إلى أن "هذه الخطة حكومية ممنهجة لتحويل البدون، بمن فيهم حتى الذين قالت الحكومة إنهم مستحقون للجنسية، إلى مقيمين بصورة غير قانونية.. يريدون ألا يكون هناك بدون في الكويت وإنما مقيمون بصورة غير قانونية وأشخاص رافضون لتسلم بطاقاتهم".
من جانبه، قال طارق البعيجان، وهو مسؤول في الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، "إن الجهاز يحدد جنسيات بعض البدون أو يضع مؤشرات تدل على جنسياتهم الأصلية من خلال دلائل "موثقة ومعتمدة" قدمتها جهات رسمية مثل الاستخبارات وأمن الدولة".
وقال البعيجان إن من يتسلمون بطاقاتهم من الجهاز المركزي "جميع حقوقهم المدنية يتم منحها لهم وجميع معاملاتهم مستمرة.. أما من يرفض التسلم فإن الجهات الرسمية الأخرى لن تتعامل معه"، ملقياً باللائمة على هؤلاء لأنهم يرفضون تسلم بطاقاتهم الأمنية، لكي لا يعترفوا بالجنسيات التي تم تثبيتها عليها.
أزمة البدون
تقول البيانات الحكومية الرسمية إن 85 ألفاً على الأقل من البدون يعيشون في الكويت، لكن النشطاء يقولون إن العدد قد يصل إلى 200 ألف.
ومع نشأة الدولة الحديثة في الخليج في الستينات من القرن الماضي لم يتقدم الكثيرون بطلب للحصول على الجنسية إما لأنهم كانوا أميين أو لا يستطيعون تقديم وثائق، أو لم يعرفوا مدى أهمية المواطنة.
تقول منظمات حقوقية دولية إن وضع البدون يمثل عقبة أمام حصولهم على الوثائق المدنية والخدمات الاجتماعية ويضعف الحق في الصحة والزواج والتعليم والعمل.
حيث لا توجد بيانات رسمية متاحة للجمهور عن العدد الدقيق للبدون الذين تم تجميد حساباتهم المصرفية بسبب الهوية الأمنية، لكن وسائل إعلام محلية قالت إن من بينهم موظفين حكوميين وعسكريين وعاملين في القطاع الخاص.