المشهد الليبي قبل أسابيع من الانتخابات.. ما هي السيناريوهات المتوقعة لتفادي عودة الحرب للبلاد؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/14 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/14 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
ليبيا بين الشرق والغرب

في تطور خطير من شأنه إرباك المشهد الليبي، هدد أعضاء في حكومة الوحدة الليبية من المنطقة الشرقية بالاستقالة، ولوَّحوا بتشكيل حكومة موازية في الشرق، مع إمكانية قطع النفط، على خلفية عدم دفع مستحقات عناصر قوات خليفة حفتر وتعطل الخدمات.

ولا تهدد هذه الخطوة بإسقاط حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعد فشل مجلس النواب في سحب الثقة منها فقط، بل بنسف المسار الانتخابي برمته، والذي لم يتبق على انطلاقه سوى نحو شهرين ونصف.  

وهذه المدة القصيرة التي تفصل الليبيين عن انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، مؤشر خطير على أن قيادات برقة مقتنعين بأن الانتخابات لن تجرى في موعدها، وأن حكومة الدبيبة ستبقى أشهرا أطول مما حُدد لها، لذلك يطالبونها بتقديم مزيد من التنازلات، دون أن يفرجوا على ميزانية الدولة أو أن يخضعوا قواتهم لحكومة الوحدة.

واتهم بيان، حمل توقيع "مسؤولي برقة بحكومة الوحدة"، الدبيبة، بعدم الالتزام "بتنفيذ بنود الاتفاق السياسي، والمبادئ الحاكمة لخارطة الطريق من توحيد للمؤسسات، والتوزيع العادل للمقدرات بالطرق القانونية الصحيحة بين الأقاليم".

ليبيا خليفة حفتر
رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد الدبيبة/ رويترز

الاجتماع الذي عقد الأحد 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وترأسه نائب رئيس حكومة الوحدة حسين القطراني، المقرب من حفتر، ضم بحسب البيان، كلا من: وزراء ووكلاء ورؤساء بلديات المنطقة الشرقية. 

وتتلخص مطالب مسؤولي حكومة الوحدة من إقليم برقة، في توفير الخدمات للمنطقة الشرقية، وتعيين وزير للدفاع، وتخصيص ميزانية كافية لقوات حفتر، التي لا تعترف بسلطة الحكومة، وتحديد صلاحيات نواب رئيس الحكومة.

وهذا الوضع يقودونا إلى سيناريوهات بعضها أكثر قتامة مما كان متوقعا.

  لا توجد نية للتوجه إلى الانتخابات

  "ليس هناك أي نية واضحة للانتخابات، وإذا تأكد لدينا إجراؤها في موعدها فسنتوقف عن كل مطالبنا"، هذا ما قاله بالحرف أحد الشخصيات الأمنية النافذة بالمنطقة الشرقية.

فرج قعيم، الذي يتولى منصب وكيل وزارة الداخلية بحكومة الوحدة، والذي تقف خلفه قبيلة العواقير ثاني أكبر قبيلة بالمنطقة الشرقية، كان أكثر وضوحا من غير من السياسيين بشأن استبعاد إجراء الانتخابات في موعدها، خلال تصريحه لقناة "ليبيا الأحرار".

فرغم إقرار مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، لقانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإعلان المفوضية العليا للانتخابات استلامهما، إلا أن ذلك مجرد ذر رماد في العيون، وتبرئة ذمة أمام المجتمع الدولي، وعدم الظهور بمظهر معرقل للانتخابات، وتجنب عقوبات مجلس الأمن.

فالمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) لم يعترف بالقانونين لأنه لم يتم استشاراته فيهما، كما ينص الاتفاق السياسي، ولم يحضيا بتأييد 120 نائب كما ينص الإعلان الدستوري، لذلك يطالب بعض النواب الموالين لعقيلة صالح، بتحصين قوانين الانتخابات من أي تعديل أو طعن.

ملتقى الحوار السياسي الليبي/رويترز

وحتى إذا جرت الانتخابات وفق القانونية فمن السهل إبطالهما عبر المحكمة العليا، مثلما حدث مع الانتخابات البرلمانية في 2014.

لكن الأهم من ذلك كله، عدم اتفاق الأطراف الليبية على قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، بل تم وضع العربة قبل الحصان، وأعدت قوانين الانتخابات قبل إعداد القاعدة الدستورية.

وحتى إذا أعدت القاعدة الدستورية قبل موعد الانتخابات، فإن المشكل سيطرح عندما تتناقض بنودها مع قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مما يتطلب العودة إلى نقطة الصفر، وتعديل قوانين الانتخابات، مثلما حدث ما بين 2017 و2018.

فملتقى الحوار السياسي، المكلف بإعداد القاعدة الدستورية، لم يتفق حول طبيعة النظام السياسي، برلماني أو رئاسي، في حين أن قوانين الانتخابات تفترض أنه رئاسي، وعلى أساسه تم إعدادها.

وأمام رفض الأقلية الموالية لحفتر وعقيلة، في ملتقى الحوار، حسم الخلاف حول القاعدة الدستورية عبر التصويت، تجمد الحديث عن اجتماع جديد الأعضاء الـ75 للملتقى.

وهذا الصمت الغريب، قبيل أسابيع من موعد الانتخابات، يشي بأن القاعدة الدستورية لن تكون جاهزة قبل 24 ديسمبر، بسبب الانسداد الذي وصلت إليه، رغم مختلف الصيغ المقترحة لتجاوزه.

  انشطار الحكومة

إنشاء حكومة موازية في الشرق "خيار قائم وقريب"، بحسب حسين القطراني، نائب رئيس حكومة الوحدة، مما يعكس أن الوضع جدي، خاصة أنه ليس الأول من نوعه.

إذ سبق لعقيلة صالح، أن حذر، في يوليو/ تموز الماضي، من عقيلة يحذر من ظهور حكومة موازية في ليبيا إذا تأجلت الانتخابات.

لذلك يسعى ممثلو المنطقة الشرقية في حكومة الوحدة إلى الضغط على عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة من أجل تحقيق، مطالبهم المالية والسياسية، في الوقت الذي تجد الحكومة نفسها عاجزة عن الاجتماع في مدينة بنغازي (شرق)، وبدون قانون ميزانية، بسبب عرقلة حفتر وعقيلة صالح لعملها.

ليبيا
وزراء خارجية ليبيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في طرابلس/ رويترز

وبينما دعا الدبيبة، وزراء الشرق بالعودة إلى مناصبهم بكامل صلاحياتهم، يُصر ممثلو برقة على تحقيق مطالب محددة، يصعب تحقيقها.

وفي حال انشطار الحكومة، وتشكيل حسين القطراني، حكومة موازية بالشرق، كما يروجه بعض الناشطين، فإن إجراء الانتخابات في كامل البلاد، يصبح "مستحيلا".

ما سيؤدي بليبيا إلى العودة لمرحلة "الحكومة الوفاق الوطني" (2016-2021)، من انقسام معظم مؤسسات البلاد، خاصة الاستراتيجية منها مثل مجلس النواب، والبنك المركزي، ومؤسسة النفط، وقد يتم تجميد تصدير النفط والغاز من المنطقتين الشرقية والجنوبية.

لتبدء مرحلة جديدة سيسعى من خلالها المجتمع الدولي إلى توحيد الحكومة وبقية المؤسسات السيادية والاستراتيجية، ورسم خارطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة.

ضغوط حفتر

حفتر يعد الغائب الحاضر في الأزمة الأخيرة لحكومة الوحدة، إذ أن إحدى مطالب مجموعة القطراني وقعيم، إحدى حلقات مسلسل الضغوط التي يمارسها حفتر على الدبيبة، عبر الموالين له في البرلمان والحكومة، لتخصيص ميزانية معتبرة لقواته، وهو ما لم يقبله الدبيبة رغم التنازلات التي قدمها لقائد قوات الشرق.

وتمثلت تلك الضغوطات في تعطيل مجلس النواب تحرير ميزانية الدولة، حتى بعد تخصيص نحو ملياري دينار ليبي (نحو 440 مليون دولار) لقوات حفتر، فيما يتحدث نشطاء إعلاميون أن حفتر طلب بشكل غير رسمي نحو 6 مليار دينار (أكثر من 1.3 مليار دولار)، في حين أن ميزانية وزارة الدفاع في حدود 5 مليارات دينار (نحو 1.1 مليار دولار)، بحسب مشروع الموازنة الذي طرح على النواب، وتسبب ذلك في عدم تمرير مجلس النواب، ميزانية الدولة.

وهذه الميزانية الكبيرة التي يسعى حفتر للحصول عليها، دون تقديم كافة الأرقام العسكرية للمنتسبين لقواته، بزعم سريتها، قد يذهب جزء منها لدفع الديون المترتبة عليه لحساب شركة فاغنر الروسية، وأيضا للمرتزقة الأفارقة الذين اشتكى العديد منهم عدم دفع مرتباتهم. 

تهديد خليفة حفتر بالحرب في ليبيا
خليفة حفتر (رويترز)

 بل صعّد عقيلة صالح، الأمر عندما قام بسحب الثقة من حكومة الوحدة، ليرد عليه الدبيبة بإخراج مظاهرات في عدة مدن ليبية طالبت برحيل البرلمان ما أفشل مخطط إسقاط الحكومة.

ويعترف القطراني، نائب رئيس الحكومة، في حوار مع قناة "ليبيا الأحرار"، أن موقفهم الأخير جاء نتيجة "ضغط كبير من الرأي العام في برقة، بعد توقف مستحقات بعض القطاعات العامة والأجهزة فيها"، في إشارة إلى قوات حفتر، وقطاع الخدمات.

أما مطلب تعيين وزير الدفاع الذي يحتفظ الدبيبة بهذا المنصب، فهو مطلب حفتر ذاته مقابل السماح للحكومة بالنشاط في مناطق سيطرته بالشرق والغرب، بحسب ما أكده رئيس المجلس الأعلى للدولة.

فحفتر يسعى لتولي منصب وزير الدفاع للحصول على حصانة دولية من شأنها تخفيف الضغوط الأمريكية عليه من محكمة فرجينيا، بسبب دعوى قضائية مرفوعة ضده لارتكابه جرائم حرب.

أو أنه يرغب في تولي إحدى الشخصيات المقربة منه منصب وزير الدفاع، للتفرغ لحملته الانتخابية للرئاسيات، والتي استقال بسببها من قيادة قوات الشرق.

فهناك رأي يعتقد أن وزارة الدفاع يجب أن تعود إلى المنطقة الشرقية مادام وزير الداخلية من المنطقة الغربية.

   انتخابات مزورة

الاحتمال الوحيد لإنجاز انتخابات في موعدها، وبضغط دولي وأممي شديد، أن يقوم مجلس النواب بتعديل الإعلان الدستوري، بما يتوافق مع قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

لكن هذا سيناريو يفترض عدم احترام الاتفاق السياسي ولا الإعلان الدستوري ولا النصاب القانوني، ولا مبدء التوافق بين الشرق والغرب، والذهاب إلى انتخابات أقل ما يقال عنها أنها "غير مثالية"، لكن سيضطر المجتمع الدولي للقبول بها، بمنطق "ليس هناك أفضل مما كان".

وانتخابات بدون احترام أدنى الشروط القانونية والتوافقية، من السهل تزويرها، خاصة وأن عقيلة صالح وجماعته من النواب، من يشرفون في هذه المرحلة على رسم قواعد اللعبة السياسية، ما يتيح لهم التحكم في نتائجها بتواطؤ من المفوضية العليا للانتخابات، والمجتمع الدولي، وصمت البعثة الأممية.

وهذا ما حذر منه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الذي عبر عن تخوفه من تزوير كبير في الانتخابات، وبعض الدول تعرف ذلك، وقد تشارك فيه لصالح مرشحين بعينهم.

  انتخابات مقسمة مكانيا وزمانيا

في ظل ضيق الوقت وصعوبة إجراء الانتخابات في مثل هذه الأجواء، يأتي اقتراح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بإجراء انتخابات مناطقية في ليبيا بحسب جدول زمني، بدلا من إجرائه في يوم واحد، "وذلك بالتعاون بين دول الجوار والأمم المتحدة".

ومع أن هذا الاقتراح سبق وأن طرحه "جيران ليبيا"، في أغسطس/آب الماضي، إلا أن الأوضاع الحالية في البلاد، لا تدعو للتفاؤل بشأن إجراء هذا الانتخابات في موعدها.

وتزامن هذا الطرح الجزائري مع زيارة قادت رئيس مجلس النواب الليبي إلى الجزائر، مما لا يستبعد أنه تم بحثه، إلى جانب موضوع المصالحة الوطنية، الذي تسعى الأخيرة إلى تصديره للفرقاء الليبيين.

هل ينعم الليبيون بالاستقرار هذه المرة؟/ رويترز

ورغم أن الانتخابات المناطقة المتباعدة زمانيا تكون في البلدان الكبيرة مساحة أو سكانيا، والمترامية الأطراف، إلا أن الانقسام الليبي وعدم التقدم الجدي في العملية الانتخابية، قد يجعل من 24 ديسمبر، موعدا للفرقة والانقسام بدلا من الخروج من نفق المراحل الانتقالية.

وهذا ما حذر منه الرئيس الجزائري عندما تحدث عن أطراف تحاول عرقلة الانتخابات الرئاسية في ‎ليبيا، ودعوته الدول الكبرى إلى درء أي سيناريوهات خارج مسار الانتخابات المقبلة.

ويشكل هذا التصريح اعترافا دوليا بوجود سيناريوهات لعدم إجراء الانتخابات في موعدها، ما قد يتم تجزئتها زمانيا ومكانيا، لتفادي تأجيلها.

وإجراء الانتخابات الرئاسية طيلة شهرين، يعني تأجيل الانتخابات البرلمانية ثلاثة أشهر على الأقل، بحسب قانون الانتخابات البرلمانية، المثير للجدل، والذي نص على تنظيم الانتخابات البرلمانية بعد شهر من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية.

ويعكس أن خيوط الأزمة الليبية بدأت تخرج من أيدي اللاعبين الدوليين وتتجه إلى سيناريوهات ليس بينها إجراء انتخابات نزيهة ومعترف بها داخليا وخارجيا، وتنهي الانقسام، بدل أن تفجر حربا جديدة.

تحميل المزيد