علاوةً على كونه الطعام المفضل عند الضفادع، أخيراً اتضح أن للبعوض بعض الفوائد المؤثرة في نهاية المطاف! ويرجع ذلك إلى أنه كان سبب الإلهام في التوصُّل إلى تقنية جديدة تخفف من معاناة المرضى عند تلقيهم الحُقن.
الإلهام من لدغة البعوض دفع العلماء في مجال ابتكار الأدوات الطبية والجراحية المتخصصة إلى التوصُّل لتصميم معين للإبر الطبية يجعلها أقل إيلاماً عند ثقب سطح الجلد.
في هذا التقرير نستعرض كيف تمكّن العلماء من إيجاد الإلهام في لدغات البعوض، واستطاعوا من خلال ملاحظتها وتحليلها أن يطوروا من تصميم الإبر الطبية وجعلوها أقل إيلاماً وتأثيراً على الجلد عند تلقّى الحُقَن.
كيف كان الإلهام من البعوض؟
بالتعاون مع فريق من الباحثين في جامعة كانساي بمدينة أوساكا اليابانية، ابتكر المهندس الميكانيكي سيجي أوياجي لأول مرة بعام 2002، إبرة للحقن تحت الجلد تُعتبر خالية من الألم تقريباً، تعتمد في تصميمها على خرطوم البعوض الذي يقرص من خلاله ضحاياه.
وفي حين أن لدغات البعوض تسبب الحكة المزعجة والمؤلمة، إلا أن تلك الحكة تحدث فقط بعد عملية اكتمال التغذية، بسبب البكتيريا الموجودة في مانع التخثر الذي تحقنه الحشرات في مكان لدغتها.
أما بالنسبة لـ"العضة" الأولية نفسها، فهي بالكاد يمكن الشعور بها، بحسب شبكة BBC البريطانية.
كيف تمتص البعوضة الدم من الجسم دون أن نشعر؟
يتضمن خرطوم البعوض شفاً أنبوبياً داخلياً يقوم بعملية مصّ الدم من جسم الإنسان، وهو مُغلف بين فكين مسننين – يتواجد واحد منهما على كلا الجانبين.
الفكان العلويان للبعوضة هما أول ما يخترق الجلد ثم يغوص فيه، وبعد ذلك ينزلق الأنبوب الداخلي بينهما. ونظراً لأن الفك العلوي له سطح خارجي خشن، فإنه يتعرض لأقل قدر ممكن من الأعصاب في الجلد.
وبمجرد إدخال الخرطوم في الجلد، تضع البعوضة عاملاً مخدراً، وهي مادة تحتوي على بروتينات تخفف الألم. عندها فقط تبحث البعوضة عن أقرب شريان دموي باستخدام الطرف الناعم لخرطومها. وبعد العثور على الوعاء الدموي، تستخدم البعوضة مرة أخرى حركة اهتزازية لاختراق شعيرات الدم، ولكن هذه المرة بتردد أقل بكثير يصل إلى 5 هرتز. وبمجرد أن يكون طرف الخرطوم في الوعاء الدموي ، تبدأ البعوضة في سحب الدم.
على النقيض من ذلك، فإن الإبرة الطبية للحقن تحت الجلد الفولاذية الملساء تلامس أكبر عدد من الأعصاب، وبالتالي فهي غير مريحة وتُصيبنا بالألم عند تلقيها.
وبعد تصميمها، ثبت وفقاً لموقع مجلة New Scientist العلمية أن إبرة البروفيسور أوياجي المصنوعة من السيليكون تحاكي شفا البعوضة والفكين المطبقين عليها.
وفي طريقة عمل تلك الحقنة، تخترق شريحتان خارجيتان بحواف خشنة تشبه الحربة الجلد أولاً، وبعد ذلك يتحرك أنبوب ناعم ودقيق لتوصيل الدواء للجسم/ أو سحب الدم منها، بحيث لا يلمس المريض إلا طرف الحقنة الحاد الخارجي.
علاوةً على التقنية السابقة، يهز البعوض فكيه العلويين لمساعدة الخرطوم على الدخول عميقاً في الجلد من خلال الأنسجة، وبالفعل تمكن فريق أوياجي بنسخها أيضاً، إذ يتم هز كل جزء من الأجزاء الثلاثة لحقنته الاصطناعية بواسطة محركات بلورية كهرضغطية صغيرة عند نحو 15 هرتز.
أقل إيلاماً من الحُقن العادية
الإبرة المُبتكرة من خراطيم البعوض في شكلها الحالي تُعد دقيقة للغاية، إذ يبلغ طولها ملليمتراً واحداً، وقطرها 0.1 ملليمتراً، ولا يتجاوز سمك جدرانها 1.6 ميكرومتر.
وهي متصلة بخزان عرضه خمسة ملليمترات، مصمم لتخزين السوائل التي تجمعها الإبرة. ولاختبار الإبرة، استخدمها فريق كانساي من أوياجي لثقب مطاط السيليكون بمقاومة تشبه الجلد تماماً، وتحتها كان عبارة عن وعاء من الصبغة الحمراء. وبالفعل نجحت الإبرة في سحب الصبغة إلى خزانها.
عند اختبارها على البشر، ذكر الأشخاص الذين خضعوا للاختبار أنها كانت أقل إيلاماً بكثير من الحقن التقليدية للجلد، لكن الشعور بعدم الراحة استمر لفترة أطول، بحسب مجلة De Ingenieur للمعرفة.
يعتقد أوياجي أنه من خلال نسخ المزيد من أجزاء الفم السبعة للبعوضة، بما في ذلك نظام لتثبيت الإبرة عند دخولها الجلد، يمكن تقليل هذا الانزعاج بشكل أكبر في الإصدارات المستقبلية.
وبالفعل، منذ عام 2008 يتم استخدام تلك الإبرة لسحب عينات في المختبرات أو عند العلاج المباشر للمرضى في بعض المشافي حول العالم، بحسب موقع WIPO للمعدات الطبية.
ويؤمل أن تؤدي الحقنة الثلاثية المبتكرة إلى تطوير أجهزة مراقبة لاسلكية صغيرة يتم ربطها بشكل دائم بأجساد الأشخاص مثل المصابين بأمراض القلب ومرضى السكري.