أعلن المفتش العام الأمريكي لشؤون إعادة إعمار أفغانستان، جون إف سوبكو، أن مكتبه يُحقق في الاتهامات الخاصة بهروب الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، وبحوزته ملايين الدولارات عندما فر من البلاد مع سيطرة مقاتلي حركة طالبان على العاصمة كابول في منتصف أغسطس/آب الماضي، وذلك طبقاً لما أوردته صحيفة The Washington Post الأمريكية، الخميس 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
جاء ذلك خلال شهادته أمام إحدى اللجان الفرعية بالكونغرس يوم الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
كانت لجنة في الكونغرس قد طلبت سابقاً من سوبكو التحقيق في الاتهامات التي لاحقت أشرف غنى عقب هروبه من أفغانستان.
"تحقيقات مستفيضة"
حيث قال المفتش العام الأمريكي لشؤون إعادة إعمار أفغانستان إنه يعتزم فتح تحقيق في تلك المزاعم، وأضاف: "لم نتأكد بعد من هذه المزاعم، ولم نصل إلى نتائج حاسمة بعد، لكن سنحقق فيها بصورة مستفيضة بناءً على طلب لجنة أخرى في الكونغرس"، مشيراً إلى أنه سيخبر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بتطورات التحقيقات الجارية.
في حين أوضح المفتش العام الأمريكي لشؤون إعادة إعمار أفغانستان أن الاتهامات بالفرار بأموال أمريكية ليست مقتصرة على أشرف غني، مشيراً إلى أن هناك تقارير تفيد بأن مسؤولين كباراً من وزارة المالية والبنك المركزي وعدد من الوزارات الأخرى غادروا أفغانستان ومعهم ملايين من الدولارات، "لكن أعيد القول إن هذه مجرد ادعاءات؛ لم نتثبت من أيٍّ منها حتى الآن".
"اتهامات كاذبة"
كان غني أعلن في رسالة نُشرت باللغة الإنجليزية على موقع "تويتر" الشهر الماضي، أنه غادر أفغانستان بعد ساعات من دخول طالبان إلى كابول في 15 أغسطس/آب؛ لتفادي إراقة للدماء، نافياً ما تردد عن هروبه ومعه 150 مليون دولار من أموال الشعب الأفغاني، واصفاً تلك الادعاءات بأنها "كاذبة تماماً ولا أساس لها".
لكن التكهنات استمرت، وظلت متداولة على نطاق واسع داخل أفغانستان.
يشار إلى أنه في أغسطس/آب الماضي، قال السفير الأفغاني لدى طاجكستان للصحفيين، إنَّ غني "سرق 169 مليون دولار من خزائن الدولة"، وفقاً لما أوردته وكالة The Associated Press. ومع ذلك، لم يقدم الدبلوماسي، الذي قال إنه سيتقدم بطلب اعتقال لدى الإنتربول، أدلةً على هذا الادعاء.
أيضاً نقلت وكالة الإعلام الروسية عن سفارة روسيا في كابول، قولها إنّ غني هرب من البلاد ومعه أربع سيارات وطائرة هليكوبتر محمَّلة بالمال، واضطر إلى ترك بعض النقود، لأنه لم يكن هناك مُتَّسع لها، لذلك تُرك بعض المال ملقىً على المدرج.
فقد ذكر نيكيتا إيشتشنكو، المتحدث باسم السفارة الروسية في كابول، أن "شهوداً" هم مصدر معلوماته المُشار إليها.
أموال المساعدات الأجنبية
كانت الحكومة الأفغانية المخلوعة تعتمد اعتماداً كبيراً على أموال المساعدات الأجنبية، التي جاء معظمها من الولايات المتحدة؛ فمنذ عام 2001، أنفقت واشنطن نحو 145 مليار دولار، فيما تقول إنها محاولات لإعادة بناء قوات الأمن والحكومة والاقتصاد والمجتمع المدني في أفغانستان.
جدير بالذكر أن الكونغرس كان قد أنشأ مكتب المفتش العام الأمريكي لإعادة إعمار أفغانستان في عام 2008؛ للتحقيق في مزاعم الاحتيال والهدر التعاقدي في البلاد، ويحوز المكتب سلطة قضائية على جميع البرامج والعمليات الأفغانية المدعومة بمساعدة الولايات المتحدة منذ إسقاط حكومة طالبان لأول مرة قبل عقدين.
فيما ضغط أعضاء الحزب الجمهوري بلجنة الرقابة والإصلاح بمجلس النواب الأمريكي على إدارة بايدن للتحقيق في التقارير التي تزعم أنّ غني هرب بحقائب من النقود.
إذ كتب النواب في أغسطس/آب: "إذا كان هذا صحيحاً، فإن ما حدث لم يكن خروجاً كريماً لرئيس دولة راشد، بل خروج لرجل جبان ومخادع. وإذا تبين أنه اختلس النقود عن مصارفها المخصصة، فيجب على الولايات المتحدة تقديمه إلى العدالة".
كما سبق أن انتقد الرئيس الأمريكي الفساد بأفغانستان وفشل حكومة غني في القضاء عليه.
صعوبة المحاكمة في أمريكا
من جهتهم، أكد خبراء قانونيون أنه حتى لو تمكنت وزارة العدل الأمريكية من جمع أدلة كافية على اتهامات الفساد الخاصة بالرئيس الأفغاني السابق، فإن قدرتها على توجيه أي تهم جنائية ضده تتوقف على إمكانية تسليمه إلى الولايات المتحدة.
بدوره، قال دونالد روثويل، وهو خبير في القانون الدولي بجامعة أستراليا الوطنية: "غالباً ما تمنح الدول المستضيفة رؤساء الدول السابقين الذين فروا في ظل ظروف من هذا النوع، مستويات أعلى من الحماية القانونية والسياسية"، مضيفاً أنه إذا كان أشرف غني أخذ المال وهو لا يزال في منصبه، فقد "يتمتع بالحصانة بمقتضى القانون الأمريكي بوصفه رئيساً سابقاً لدولة".
في السياق، قال مسؤولون أمريكيون، في مقابلات حكومية سرية سابقة، إن أفغانستان "شهدت إفراطاً في تدفق الأموال، التي جُمعت بتمويل من دافعي الضرائب الأمريكيين، لدرجة أصبحت معها الرشوة وممارسات الاختلاس أمراً شائعاً بلا حدود".
كانت وكالة Associated Press الأمريكية قد قالت، الأحد 16 أغسطس/آب 2021، إن أشرف غني غادر بلاده بالطريقة نفسها التي قادها بها في السنوات الأخيرة، معزولاً ووحيداً، حيث رحل عن القصر الرئاسي خفية مع مجموعة صغيرة من المقربين، دون حتى أن يخبر القادة السياسيين الآخرين الذين كانوا يتفاوضون على انتقال سلمي للسلطة مع طالبان، بأنه في سبيله للرحيل.
يشار إلى أنه كثيراً ما كانت طريقة حكم غني توصف بأنها إقصائية ومتعجرفة؛ فنادراً ما كان يصغي لنصائح حكومته، ويهاجم من يعارضونه علناً.