يستخدم بعض الناس مصطلح إدمان الطعام للحديث عن الرغبة القهرية التي لا يمكن السيطرة عليها في تناول طعام، وهي الحالة التي ترتبط بالضرورة بمشاعر الجوع. وقد يتطور هذا السلوك عند الشخص المصاب استجابة لعاطفة حادة، مثل التوتر أو الحزن أو الغضب.
بالرغم من ذلك، يُعد تعريف إدمان الطعام أمراً صعباً ومختلطاً، إذ لا يتضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الأمريكي فئة قائمة بذاتها لتشخيص إدمان الطعام، ومع ذلك يُقر أخصائيي الصحة النفسية والطب الغذائي بأعراض هذا الاضطراب وخطورته.
وفي العادة يحتاج جسم الإنسان إلى الغذاء لتوفير الطاقة اللازمة لعمل الأعضاء وإمداد الجسم بالوقود اللازم للقيام بالأنشطة الأساسية، إلا أنه يمكن أن يشعر الناس بحاجة ملحة في تناول الطعام، عندما يصبحون معتمدين على أنواع معينة من الوجبات في تحقيق مشاعر معينة لديهم.
في هذا التقرير نستعرض ما هو إدمان الطعام بالتحديد، وكيف نميّز خصائصه التي تختلف عن الاشتهاء المعروف لبعض الأطعمة، كما نستوضح كيف يمكن إدارة هذا النوع من الاضطرابات؟
ما هو إدمان الطعام؟
اكتسبت فكرة أن الطعام يمكن أن يُصبح عنصراً قابلاً للإدمان دعماً متزايداً في السنوات الأخيرة، ويأتي ذلك وفقاً لموقع WebMD الطبي، بعد العديد من التجارب العلمية التي تم خلالها تصوير دماغ الشخص المصاب بإدمان الطعام وتحليل موجاته.
كما جرت عدة دراسات عن آثار الإفراط في الأكل القهري على مراكز المتعة في الدماغ، وكيف اتضح أنها تطابق ما يحدث في حالات إدمان المواد المُخدرة.
وتُظهر تجارب أُجريت على الحيوانات والبشر أنه بالنسبة للأشخاص المصابين باضطراب إدمان الطعام، فإن نفس مراكز المكافأة والمتعة في الدماغ التي تنشطها العقاقير المسببة للإدمان مثل الكوكايين والهيروين يتم تنشيطها أيضاً عن طريق الطعام، وخاصة الأطعمة التي يتم تناولها بشكل كبير.
ومن بين الأطعمة المسببة للإدمان الأنواع الغنية منها مثل: السكريات، والأملاح، والدهون.
ومثلها مثل العقاقير المسببة للإدمان تماماً، فإن الأطعمة المُشهِّية (الأصناف التي تُثير شهيتك حتى وإن كنت تشعر بالامتلاء) تؤدي إلى تحفيز مواد كيميائية محددة في الدماغ مثل الدوبامين.
وبمجرد أن يشعر الشخص بالمتعة المرتبطة بزيادة انتقال الدوبامين في مسار المكافأة في الدماغ بعد تناول أطعمة معينة، فإنهم يشعرون لاحقاً بالحاجة إلى تناول الطعام مرة أخرى لتحقيق ذات الشعور باللذة.
وتفوق إشارات المكافأة من الأطعمة المُشهِّية تلك إشارات الشبع والرضا الأخرى في الدماغ، ما يدفع الناس إلى الاستمرار في تناول الطعام، حتى عندما لا يكونون جائعين.
نوع من أنواع الإدمان السلوكي مثل التسوق والقمار
يُعد الإفراط القهري في الأكل نوعاً من أنواع الإدمان السلوكي، ما يعني أن الشخص يمكن أن ينشغل بسلوك (مثل الأكل أو القمار أو التسوق) لكي يحفِّز إحساسه بالمتعة الشديدة.
ويفقد الأشخاص الذين يعانون من إدمان الطعام السيطرة على سلوكهم الغذائي ويجدون أنفسهم يقضون فترات طويلة من تناوله، كما يبدأون تدريجياً في فقدان الشعور بالمتعة كلما أشبعوا تلك الرغبة لديهم.
وبحسب WebMD، يعتقد العلماء أن إدمان الطعام قد يلعب دوراً مهماً في وباء السمنة المتفشّي عالمياً في عصرنا الحديث، ومع ذلك يعاني الأشخاص ذوو الوزن الطبيعي أيضاً من تلك المشكلة.
الفارق الوحيد بينهم أنه قد تكون أجساد أصحاب الوزن الطبيعي المدمنين للطعام مبرمجة وراثياً للتعامل بشكل أفضل مع السعرات الحرارية الإضافية التي يتناولونها، أو أنهم قد يزيدون من نشاطهم البدني للتعويض عن الإفراط في تناول الطعام.
ووجد بحث علمي بمجلة Frontiers In Psychology للأبحاث في علم النفس، أن ما يصل إلى 10% من الأشخاص الذين يمتلكون وزناً طبيعياً أو يعانون من زيادة الوزن لديهم اضطراب إدمان الطعام السلوكي. ومع ذلك هناك عدد قليل من الدراسات الحديثة حول مستوى انتشار هذا النوع من الإدمان.
ومثله مثل إدمان المخدرات تماماً، يعاني الشخص المصاب من صعوبة القدرة على التوقف عن تناول الأطعمة، حتى وإن رغب في ذلك.
وحتى بعد المعاناة من المشكلات المترتبة على الأكل بإفراط، مثل زيادة الوزن أو تطوير أمراض السكر وضغط الدم والقلب، فإنهم سيحتاجون إلى برنامج إعادة تأهيل صارم لمساعدتهم في السيطرة على المشكلة السلوكية من أساسها.
أسباب إدمان الطعام
ينتج إدمان الطعام على الأغلب نتيجة لعدة عوامل تتداخل في السبب العام لهذا الاضطراب. وقد يصاب الرجل أو المرأة بالإدمان نتيجة أسباب بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية.
تشمل الأسباب البيولوجية التي قد تؤثر على تطوير اضطراب الأكل، الاختلالات الهرمونية، أو تشوهات هياكل الدماغ، أو الآثار الجانبية لاستخدام بعض الأدوية، أو وجود أفراد من العائلة يعانون من هذا النوع من مشاكل الإدمان، وفقاً لموقع Eating Disorder Hope لعلاج اضطرابات الطعام.
هناك أيضاً العوامل النفسية للإصابة، وقد تشمل التعرُّض لاعتداء عاطفي أو جنسي، أو كونك ضحية أو ناجياً من حدث صادم، أو عدم القدرة على التكيف النفسي الصحي مع المواقف السلبية، أو تدني احترام الذات المزمن، أو الشعور بالحزن أو الخسارة.
ويمكن أن تدفع العوامل النفسية تلك الشخص المصاب إلى استخدام الطعام كآلية للتكيُّف وتخفيف المشاعر المؤلمة التي قد تكون نتجت عن الأمر الصادم.
أخيراً، هناك آثار اجتماعية قد تكون مرتبطة بإدمان الطعام، بما في ذلك عوامل مثل الاضطرابات في وظيفة الأسرة، والضغط من الأقران أو المجتمع، والعزلة الاجتماعية، وإساءة معاملة الأطفال، ونقص الدعم الاجتماعي، وأحداث الحياة المجهدة.
كما يمكن أن يرتبط إدمان الطعام أيضاً باضطرابات أخرى متزامنة، مثل اضطرابات الأكل أو تعاطي المخدرات الحقيقية. ونظراً إلى أن إدمان الطعام يمثل مشكلة صحية عقلية مُعقدة، يمكن أن تكون لها مضاعفات خطيرة إذا تُركت دون علاج، لذلك من المستحسن بشدة طلب المساعدة المهنية للشفاء بشكل فعال من هذا الاضطراب وفقاً لـEating Disorder Hope.
أعراض إدمان الطعام الأكثر شيوعاً
نشر موقع Healthline للطب والصحة، عدداً من الأعراض التي قال إنها مؤشر واضح على الإصابة باضطراب إدمان الطعام، وتشمل:
اشتهاء أصناف معينة بالرغم من الشبع هو المؤشر الرئيسي
الوحم الشديد واشتهاء صنف معين أمر طبيعي وشائع، وهو غير منوط أبداً بإحساس الجوع الطبيعي. فأنت قد تتناول وجبة كبيرة ودسمة، ومع ذلك تشتهي تناول الحلوى بعدها مباشرة بالرغم من الشعور بالامتلاء.
ويُعد ذلك عرضاً شائعاً ولا يعني بالضرورة أنك تعاني من إدمان الطعام. إلا أنه إذا كانت تلك الرغبة الشديدة تحدث كثيراً وأصبح إرضاؤها أو تجاهلها صعباً، فقد تكون مؤشراً على شيء آخر.
ولا يتعلق الاشتهاء المُلح لصنف معين بالحاجة إلى الطاقة أو العناصر الغذائية، لكنها رغبة العقل في الدوبامين كما وضحنا.
ومن بين الأعراض الأخرى:
- تناول الطعام زيادة عن الحاجة.
- تناول الأكل حتى الشعور بالامتلاء البالغ والألم.
- تكرار الأمر بالرغم من مشاعر الذنب.
- إيجاد الأعذار الدائمة لتكرار النمط.
- الإخفاق الدائم في ضبط النفس.
- تناول الطعام في الخفاء والشعور بالإحراج.
- عدم القدرة على التوقف رغم التبعات السلبية.
- انخفاض الكفاءة خلال اليوم وتراجع المستوى الوظيفي.
- إنفاق مبلغ كبير من المال على شراء بعض الأطعمة المُشهِّية.
- قلة الطاقة والتعب المزمن وصعوبة التركيز.
- اضطرابات النوم، مثل الأرق أو كثرة النوم.
- العصبية وسرعة الانفعال.
- الصداع المزمن والاضطرابات الهضمية.
- الاكتئاب المزمن.
كيف يمكن علاج هذا الإدمان السلوكي؟
يجب أن يعالج الشخص المصاب بأي من أنماط الأكل القهرية احتياجاته العاطفية والجسدية والنفسية على حدٍّ سواء، لأن أسباب المشكلة مترابطة ومُتشعِّبة كما أسلفنا.
ويركز العلاج بشكل مبدئي على كسر العادة المدمرة للإفراط في تناول الطعام المزمن، ويكون الهدف منها هو استبدال عادات الأكل الخاطئة بأخرى صحية، إضافة لذلك يتم التركيز بشكل كبير على علاج مشاكل الاكتئاب والقلق المزمن.
وتشمل العلاجات التي قد تكون فعالة ما يلي، بحسب موقع Medical News Today للمعلومات الطبية والصحة:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يهدف هذا الفرع من العلاج النفسي إلى تحديد أنماط التفكير السلبية وتغييرها، بالإضافة إلى إنشاء آليات جديدة للتعامل مع مسببات إدمان الطعام.
- الأدوية: قد يتناول الشخص أدوية لتخفيف أعراض الاكتئاب أو القلق التي قد تكون سبباً لمشكلة الأكل القهري.
- العلاج النفسي الذي يركز على الحل: يمكن للمعالج أن يساعد الفرد في إيجاد حلول لمشاكل محددة ومحفزات وضغوط في حياة الشخص تؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام.
- علاج الصدمات النفسية: يساعد المعالج النفسي الشخص المصاب على التعامل مع الصدمة النفسية الأساسية التي يعاني منها وتدفعه لتطوير هذا النمط من السلوك.
- تلقّي الاستشارات الغذائية: يمكن أن يساعد ذلك الشخص على تطوير نهج صحي لاختيار الطعام وتخطيط الوجبات واختيار العناصر الصحية.
- تغيير أسلوب الحياة: يمكن أن تساعد العديد من التغييرات في نمط الحياة الشخص أيضاً على إدارة الحوافز الكامنة التي لا يمكن السيطرة عليها. وبينها: تناول الطعام الصحي، والصيام المتقطع، والحصول على وجبات متوازنة في مواقيت ثابتة يومياً، وشرب الكثير من الماء، وتمارين التأمل والتنفُّس، وممارسة الرياضة بانتظام، وتحسين جودة النوم.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.