تضم قائمة المرشحين لخوض الانتخابات العراقية، هذا الأسبوع، أحد القادة في واحدة من أكثر الميليشيات نفوذاً وقوة في البلاد، وهي ميليشيا حزب الله العراقي، التي لها علاقات وثيقة مع إيران، وشاركت في قتال القوات الأمريكية المحتلة للبلاد.
انضم حسين مؤنس إلى قائمة طويلة من المرشحين القادمين من خلفية الفصائل الشيعية المدعومة من إيران، للتنافس على مقاعد في البرلمان، لكنه أول من تحدّث علناً عن انتمائه لكتائب حزب الله العراقية، معلناً بذلك دخول الجماعة المسلحة الشيعية رسمياً حلبة السياسة.
"دخولنا إلى السياسة واجب ديني"
تقول وكالة The Associated Press الأمريكية، إن كتائب حزب الله مدرجة في القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية، ويتهمها مسؤولون أمريكيون باستهداف القوات الأمريكية في العراق. ومؤنس نفسه اعتقله الأمريكيون لمدة 4 سنوات، من عام 2008 إلى عام 2012، بتهمة المشاركة في قتال القوات الأمريكية.
قال مؤنس في حديث أجراه مع The Associated Press مؤخراً، من مكتبه في وسط بغداد: "دخولنا إلى السياسة واجب ديني، لقد قاتلت المحتلين عسكرياً، والآن سأقاتلهم سياسياً".
وأضاف مؤنس، البالغ من العمر 50 عاماً، أنه خلع رداءه العسكري من أجل السياسة، وهو يرأس الآن حركة سياسية تُسمى "حركة حقوق"، التي قدمت 32 مرشحاً وبرنامجاً انتخابياً، يؤكد على مطلب خروج القوات الأمريكية من العراق.
تُزين الدعاية الانتخابية لحملة "حركة حقوق" شوارع المناطق ذات الأغلبية الشيعية في بغداد وجنوب العراق.
الحركات الشيعية تُواصل الهيمنة على المشهد الانتخابي العراقي
ويُجري العراق انتخاباته البرلمانية، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وهي خامس انتخابات برلمانية تُجرى في البلاد منذ الغزو الأمريكي الذي قادته الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
وقد جاءت الانتخابات أبكر بعامٍ واحد عن موعدها، استجابةً للاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت أواخر عام 2019، على الفساد المستشري في البلاد، وسوء الخدمات، وتفشي البطالة.
ومع أن القانون الانتخابي الجديد يسمح لمزيد من المستقلين بالترشح، فإن الحركات الشيعية تواصل الهيمنة على المشهد الانتخابي، مع توقع سباقٍ قوي بين الأحزاب الموالية لإيران وميليشياتها -وأكبرها "تحالف الفتح"- وكتلة "سائرون" السياسية، بقيادة الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، الفائز الأكبر في انتخابات عام 2018.
يضم تحالف الفتح قادة مرتبطين بوحدات الحشد الشعبي شبه النظامية، وهي مظلة تضم ميليشيات عسكرية معظمها موالية لإيران، ومنها كتائب حزب الله العراقية، لكن الحركة فقدت بعض شعبيتها في أعقاب احتجاجات 2019، حيث اتَّهم نشطاء وحقوقيون الفصائل المسلحة المتشددة بقمع المتظاهرين بوحشية، واستخدام الذخيرة الحية وقنابل الغاز المسيلة للدموع لتفريق الحشود.
قرار إيراني
وفي كثير من الأحيان، رافقت الاحتجاجات المطالبة بالتغيير والإصلاح انتقادات مستمرة للتدخلات الإيرانية العنيفة في السياسة العراقية. وقد قُتل أكثر من 600 شخص وأصيب آلاف خلال الاحتجاجات التي استمرت لأشهر.
ويقول خبراء في الشأن العراقي إن دخول كتائب حزب الله العراقية الانتخابات قد يكون محاولة من إيران لتقوية حلفائها داخل البرلمان العراقي.
ويذهب بسام القزويني، وهو معلق سياسي عراقي مقيم في بغداد، إلى أن إيران قررت بعد حركة الاحتجاج في عام 2019، أن تدفع بالفصائل المسلحة الموالية لها للانخراط في السياسة.
وقال القزويني: "تفتح (حركة حقوق) الباب أمام الفصائل المتشددة لدخول عالم السياسة ومبنى البرلمان"، وإن كان لا يتوقع فوزها بعدد كبير من المقاعد.
أمَّا المرشح الشيعي حسين مؤنس، فقال إن ما دفعه إلى دخول المعترك السياسي هو خيبة الأمل التي يراها لدى الناس من الوضع السياسي الحالي وفشل السياسيين في تنفيذ الإصلاحات اللازمة.
وأضاف مؤنس: "لذلك نحن نشارك من أجل إحداث هذا التغيير". وفي حال فوزه، قال مؤنس إنه سيعمل من داخل البرلمان على "استعادة السيادة العراقية بإجبار المحتل الأمريكي على مغادرة البلاد".
ورداً على سؤال حول انتشار الأسلحة في البلاد خارج سيطرة الدولة، قال مؤنس: "متى يرحل الاحتلال عن البلاد، يمكننا مناقشة الأمر. فعندها لن تكون هناك حاجة إلى حمل السلاح"، على حد تعبيره.
خلاف بين الفصائل السياسية والمسلحة الشيعية
وبينما كانت تحاول هذه النخب السياسية، خاصة الشيعية، تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، لاستعادة توازنها بعد الاحتجاجات، أو ما يطلق عليها العراقيون "انتفاضة تشرين"، كان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الذي تولى منصبه في مايو/أيار 2020، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في نهاية عام 2019، نزولاً على رغبة المحتجين، منشغلاً بتأمين ولاية ثانية له في المنصب، من خلال القيام بالعديد من المناورات الداخلية والإقليمية.
وفقاً لعدد من المسؤولين والسياسيين الشيعة الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فهناك انقسام كبير داخل الأوساط السياسية الشيعية والفصائل المسلحة المقربة من إيران، حول مسألة منح مصطفى الكاظمي فترة ولاية ثانية.
مسؤول حكومي شيعي يقول لـ"عربي بوست": "عندما يتحدث الكاظمي عن استقلاليته التامة عن الأحزاب الشيعية، فهذا الأمر يكون غير حقيقي، الرجل يعقد التحالفات والتفاهمات من حين لآخر مع النخب السياسية الشيعية، لضمان استمراره في منصبه".
يقول المصدر السابق لـ"عربي بوست"، إنه فى البداية حاول الكاظمي التحالف مع أكثر السياسيين الشيعة علمانيةً مثل حيدر العبادي، كي لا يتم احتسابه على الإسلام السياسي الشيعي، لكنه أدرك أن حيدر العبادي حتى مع تحالفه مع رجل الدين عمار الحكيم، يمثلان قوى سياسية ضعيفة، فاختار الانضمام إلى مقتدى الصدر.
وبحسب المسؤول الحكومي الشيعي، فإن رغبة الكاظمي في التحالف مع مقتدى الصدر، تأتي من منطلق تأمين قوة دافعة له فى البرلمان، فتحالف سائرون بزعامة رجل الدين الشيعي والسياسي البارز مقتدى الصدر، هو أكبر كتلة برلمانية في برلمان 2018، كما أن التحالف مع الصدر يوفر له حماية فى مواجهة الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران والمناهضة للكاظمي، فرجل الدين مقتدى الصدر يسيطر على واحدة من أكبر الفصائل الشيعية المسلحة فى العراق: سرايا السلام.
لكن فى المقابل، ينافس تحالف مقتدى الصدر فى البرلمان، تحالف فتح بقيادة هادي العامري، رئيس منظمة بدر المقربة من إيران، ويضم تحالف العامري أغلب الممثلين السياسيين للفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران والتي تعمل تحت قيادة هيئة الحشد الشعبي العراقي.
يقول مصدر سياسي مقرب من هادي العامري لـ"عربي بوست": "العامري لا يوافق على منح الكاظمي ولاية ثانية، ولا يقبل تحالف الصدر أو حيدر العبادي مع الكاظمي، لكن فكرة أن الإيرانيين يوافقون على منح الكاظمي ولاية ثانية، تزيد من الضغط على العامري للقبول بالأمر الواقع".
وبحسب المصدر ذاته، فإن كتائب حزب الله العراقية، وهي فصيل مسلح شيعي مقرب من إيران، تنضم لتحالف فتح في البرلمان، يوافق على منح الكاظمي ولاية ثانية، فيقول: "في البداية كانت الكتائب رافضة لهذا الأمر، لكن كما قلت سابقاً، بعد موافقة إيران على الكاظمي، أعلنوا قبولهم، على عكس عصائب أهل الحق، والنجباء، يرفضون تماماً الأمر".