وسط أزمة معيشية واقتصادية وغضب من الأحزاب الموالية لإيران تجرى الانتخابات العراقية البرلمانية الشهر المقبل، في ظل تساؤلات عما إذا كان هذا الغضب سيُترجم إلى نتيجة تزيح النخب الموالية لإيران التي تهيمن على السياسة العراقية منذ الغزو الأمريكي للعراق.
وتجرى الانتخابات العراقية البرلمانية قبل موعدها المقرر سابقاً؛ استجابة لاحتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة في 2019، لكن ليست هناك دلائل تُذكر على أن التصويت سيحسّن الأوضاع في بلد مازالت فيه الفصائل المسلحة تتمتع بنفوذ كبير، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
وكانت الانتخابات المبكرة أحد أبرز الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إثر توليه السلطة في مايو/أيار 2020، بعد الحركة الاحتجاجية الواسعة التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وهاجمت الحركة التي قادها الشباب ودعمها في بعض الأحيان أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الطبقة السياسية بأكملها في العراق، معتبرةً أنها فاسدة وتفتقر إلى الكفاءة.
ويحلم العراقيون بتغيير جذري بعد صراع وفساد استمرا سنوات في أعقاب الإطاحة بحكم صدام حسين في 2003. وبعد عامين من انتهاء حرب ضارية مع تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017، اندلعت احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة قُتل خلالها المئات.
وفي حين تسعى الولايات المتحدة للانسحاب من العراق ذي الأغلبية الشيعية، تحتفظ إيران بنفوذ كبير في واحد من البلدان الرئيسية المنتجة للنفط بالمنطقة.
مقاتلو الحرب ضد داعش في مواجهة شباب المحتجين
وتعبّر لافتات وُضعت في ميدان رئيسي بجنوب البلاد عن الوضع السياسي الصعب، حيث تنتشر لوحات ضخمة تحمل صورَ من قُتلوا وهم يدافعون عن قضايا كانوا يأملون أن تخدم بلادهم.
إذ تَعرض الصور آلاف المقاتلين الذين قاتلت فصائلهم تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب صور مئات الشبان الذين قُتلوا بعد ذلك بعامين في احتجاجات ضد هذه الفصائل ذاتها.
كانت هزيمة التنظيم المتشدد قد وحَّدت العراقيين فصوَّتوا لصالح قيادات الفصائل المنتصرة في آخر انتخابات عامة في 2018.
لكن الانتخابات التالية المقررة يوم العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، من المتوقع أن تكشف عن انقسامات متزايدة ظهرت منذ ذلك الحين وخاصةً بين الأغلبية الشيعية التي أوصلها الغزو الأمريكي في 2003 إلى الحكم.
وتواجه فصائل شيعية مدعومة من إيران، فصائل شيعية أخرى مناهضة للنفوذ الإيراني بالبلاد، في الانتخابات المقبلة. والنشطاء الذين خرجوا إلى الشوارع في 2019 منقسمون أيضاً، فبعضهم يقاطع الانتخابات والبعض الآخر يشارك فيها.
وترسم مجموعة من المقابلات أجرتها رويترز، قبيل الانتخابات، مع فصائل شيعية مختلفة بالجنوب وفصائل سُنية في الشمال، صورة لبلد يعاني فيه الساسة والفصائل المسلحة والمجتمع ذاته من انقسامات لم يسبقها مثيل.
يقول محمد ياسر الناشط الحقوقي من مدينة الناصرية حيث قتلت قوات الأمن بالرصاص عشرات المتظاهرين في 2019، إن أفراد أسرته حتى منقسمون.
وأضاف أنه شخصياً يرفض الإدلاء بصوته وغيره من أفراد الأسرة يريدون التصويت لأحزاب إصلاحية وأحد أبنائه يؤيد التيار الصدري، مشيراً إلى رجل الدين مقتدى الصدر الذي يحظى بشعبية ويعِد بالإصلاح وفي الوقت نفسه له نفوذ عميق داخل الدولة وله فصيل مسلح خاص به.
ويقول بعض الساسة إن العراق يتحرك للأمام.
الصدر يتنافس مع الموالين لإيران في الانتخابات العراقية العراقية
وتُجرى الانتخابات العراقية البرلمانية قبل موعدها بستة أشهر بموجب قانون جديد يهدف إلى مساعدة المرشحين المستقلين، في حين يشارك 167 حزباً في الانتخابات، وفقاً للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق.
ولم يعد العنف الطائفي ملمحاً رئيسياً، وتحسَّن الوضع الأمني عما كان عليه في الأعوام السابقة.
ويقول مواطنون عاديون ودبلوماسيون أجانب ومحللون إن الواقع يتمثل في التناحر بين فصائل مدججة بالسلاح تسيطر على أجهزة الدولة ومواردها ومستعدة للجوء إلى القوة للحفاظ على السلطة، تتمثل في الفصائل الموالية لإيران، والتيار الصدري الذي يقدم نفسه كتيار مستقل عن طهران، إلا أن العلاقة بينهما ملتبسة، كما ظهر في رد فعله الحاد على اغتيال الأمريكيين قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حيث تحول موقف التيار الصدري تجاه الحراك العراقي، بعد اغتيال سليماني في يناير/كانون الثاني 2020، الأمر الذي أفقد الحراك الدعم السياسي الذي وفره تأييد الصدر لمطالبهم، والأهم فقدانهم الحماية التي كانت توفرها ميليشياته.
وكان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قد تراجع الشهر الماضي عن قراره مقاطعة العراقية البرلمانية، مؤكداً أن تياره سيشارك في الاقتراع؛ من أجل "إنقاذ العراق من الفساد"، بعدما كان قد أعلن في 15 يوليو/تموز، مقاطعة الانتخابات التشريعية وسحب دعمه لأي حزب.
وأعلن الصدر، صاحب النفوذ السياسي الكبير بالبلاد، في كلمة متلفزة من على منبر تجمَّع حوله عشرات من مسؤولي التيار الصدري، بعد تسلُّمه ورقة إصلاح وقَّعها عدد من الزعماء السياسيين، أن "تلك الورقة جاءت وفق تطلعاتنا وتطلعات الشعب الإصلاحية، لذلك فإن العودة للمشروع الانتخابي المليوني الإصلاحي باتت أمراً مقبولاً".
وأضاف: "يجب أن تكون الورقة الإصلاحية ميثاقاً وعقداً معهوداً بين الكتل والشعب بسقف زمني معين بدون مشاركة الفاسدين وذوي المصالح الخارجية وعشاق التبعية والتسلط والفساد".
وحاز التيار الصدري أكبر عدد من المقاعد في العراقية البرلمانية في عام 2018، إذ يملك أكبر كتلة برلمانية مؤلفة من 54 نائباً من أصل 329.
ويقدم الصدر، الذي يحظى بشعبية بين ملايين العراقيين وكان يتزعم سابقاً فصيلاً مسلحاً، نفسه على أنه المناهض الأول للسياسيين الفاسدين والفساد والمدافع الأبرز عن العدالة الاجتماعية.
والصدر نجل المرجع الشيعي الكبير محمد الصدر الذي خاض معارك ضد القوات الأمريكية ولديه أنصار مخلصون بين الأغلبية الشيعية بالبلاد، خصوصاً في مدينة الصدر، الحي الفقير بشرق بغداد.
وكانت المفاجأة في الانتخابات العراقية البرلمانية الماضية أن الصدر الذي يمثل تيار شيعياً دينياً ووراثياً، قد تحالف مع الشيوعيين العراقيين، الذين كان نفوذهم يتركز قديماً في المناطق الشيعية، حيث إنه خلافاً لكل رجال الدين الشيعة، اختار الصدر خوض حملته الانتخابية جنباً إلى جنب مع أطراف كان يعتبرهم حتى فترة قريبة، بعيدين عن الدين ويعملون من أجل دولة علمانية.
داعش أو الهجرة
ويقول مواطنون إن الاستياء الشعبي من الفساد وضعف الخدمات يمكن أن يخدم مصالح فصائل مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو يدفع مزيداً من العراقيين للهجرة إلى الغرب.
وما ستسفر عنه الانتخابات العراقية البرلمانية هو ما سيحدد الاتجاه في السنوات المقبلة، فإما أن ترفع الفصائل سلاحها في وجه بعضها البعض أو أن تقسّم الغنائم فيما بينها سلمياً، حسب تقرير رويترز.
يقول توبي دودج الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد: "الانتخابات مهمة حقيقةً للتنافس فيما بين النخبة، وكيف ستعالج هذه النخبة اختلال التوازنات دون أن تتكبد خسارة كبيرة".
وأضاف أن انقسام الأحزاب الشيعية يناسب إيران طالما لا يهدد سلطة الشيعة التي جاءت بالنفوذ الإيراني إلى البلاد منذ 2003.
الأحزاب تتجنب الدعاية العلنية في مدينة الناصرية الجنوبية
تشكل الناصرية، وهي بؤرة احتجاجات مناهضة للحكومة، صورة مصغرة للمشهد السياسي في العراق.
فالأحزاب هناك تعقد تجمعاتها الانتخابية بعيداً عن الأنظار ولا تعلّق لافتات دعائية، لأن المحتجين يمزقونها.
والنشطاء الذين يترشحون يحبّذون البعد عن الأنظار؛ خوفاً من فصائل مسلحة يقول المسؤولون إنها كانت وراء أعمال قتل وترويع، وتنفي الفصائل ذلك.
وقال المرشح داود الحفاظي إن الانقسامات في الحركة الاحتجاجية جلبت عليه تهديدات من محتجين آخرين يريدون مقاطعة الانتخابات.
وروى أن أحد الشبان من الحركة الاحتجاجية قال له إنه إذا فاز بمقعد في البرلمان ولم ينفذ إصلاحات على الفور، فسيحرق إطارات أمام منزله.
الصدريون يخشون أعمال عنف من الموالين لإيران إذا فازوا
والتنافس الأساسي في الانتخابات العراقية البرلمانية بين الفصائل الشيعية المدعومة من إيران، وفصيل مقتدى الصدر الذي يعارض كل أشكال التدخل الأجنبي.
ويهوّن المرشحون الصدريون والمتحالفون مع إيران في الناصرية من شأن خلافاتهم، ويقولون إن كل طرف ينأى بنفسه عن الآخر أغلب الوقت قبيل الانتخابات.
لكن أحد المسؤولين الصدريين في بغداد قال طالباً عدم الكشف عن هويته، إنه يخشى من اندلاع عنف إذا حقق حزبه فوزاً كاسحاً في الانتخابات العراقية البرلمانية. وأضاف: "الجانب المدعوم من إيران لن يسمح بذلك. سيندلع قتال".
وسادت الانقسامات كذلك محافظات شمال العراق السُّنية وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي. وسُحقت احتجاجات في كردستان بعنف، العام الماضي، مما أبعد كثيرين عن الساحة.
وما زالت الأسر السُّنية التي يشتبه في تعاطفها مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تخشى الانتقام.
قال إبراهيم الأحشماوي، وهو سُني يقيم في كردستان، إنه إذا أراد أن يدلي بصوته فعليه أن يعود إلى مدينته "بلد" الواقعة شمال بغداد.
وأضاف الأحشماوي: "هربت مع عائلتي؛ خوفاً من انتقام عشيرة شيعية تسكن منطقتنا… أشعر بالخوف الشديد من الرجوع. ما فائدة المخاطرة بحياتي للتصويت في انتخابات لن تؤدي إلى أي تغيير!".