أدت البشاعة والوحشية التي أظهرها مقطع فيديو انتشر لقتل شاب في ولاية آسام الهندية والقفز على جثته إلى تسليط الضوء أخيراً على ما تقوم به حكومة ناريندرا مودي الهندوسية، فماذا يحدث للمسلمين في الهند؟
كان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا أمس الإثنين 27 سبتمبر/أيلول فيديو يوثّق اعتداء أفراد من الشرطة الهندية على شاب مسلم، ما أدى إلى وفاته في ولاية آسام شمال شرقي البلاد.
وأظهر الفيديو عدداً من أفراد الشرطة الهندية وهم يطلقون الرصاص من مسافة قريبة على شاب قالت وسائل إعلام محلية إنه مسلم، ثم واصلوا ضربه بالعصي، فيما تقدم أحد الصحفيين وقام بالقفز على جثة الشاب المسلم ووجَّه له لكمات عنيفة، فيما قالت مواقع إخبارية هندية إن الصحفي الذي شارك في الجريمة يُدعى (بيجوي بانيا) وهو مصوّر استأجرته سلطات المدينة لتوثيق حملة الإخلاء التي تقوم بها السلطات بحق المسلمين.
تهجير المسلمين من ولاية آسام الهندية
أعادت مقطع الفيديو لمقتل الشاب المسلم والتنكيل بجثته التذكير بما يتعرض له المسلمون في الهند بشكل عام منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي السلطة عام 2014، واتباع رئيس الحكومة ناريندرا مودي سياسات تضطهد المسلمين البالغ عددهم نحو 210 ملايين مسلم يمثلون أكثر من 16% من عدد سكان الهند.
وتشن سلطات ولاية آسام الهندية منذ أسابيع حملة لتهجير 800 أسرة من الفلاحين المسلمين الذين يسكنون أرضاً رملية بمنطقة دَرانْغ بالولاية منذ سبعينيات القرن الماضي، بحجة أنها أراض تابعة للدولة.
وتظلّم هؤلاء المسلمون أمام المحكمة العليا وأبدوا استعدادهم للانتقال إلى مكان آخر خلال أيام، ولكن السلطات فاجأتهم، في الصباح الباكر يوم 25 سبتمبر/أيلول الجاري، بقوة تتكون من 1500 جندي وشرطي و14 جرافة دمرت بيوتهم ومسجدين ومدرسة دينية.
وحين احتج الأهالي أطلق الجنود النيران عليهم، فقتلوا رجلاً وطفلاً وجرحوا 20 شخصاً، وتقيم هذه العائلات الآن في العراء على ضفاف نهر في موسم الأمطار، وكانت هذه الحادثة أحدث الحلقات في سلسلة شهدت تهجير 6 قرى في المنطقة بالأسلوب نفسه.
وظلت هذه الأحداث والعنف الذي يتعرض له المسلمون حبيسة المحلية ولم تخرج للعالم حتى انتشر مقطع الفيديو الذي أظهر مدنياً رافضاً للإخلاء يشتبك مع أفراد من الشرطة فيردوه أرضاً وسط إطلاق وابل من الرصاص ثم ينزلون على جسده بالهراوات.
وبشكل عام انطلقت عمليات التهجير بحق المسلمين في آسام منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم في الولاية عام 2016، وتم حتى الآن تهجير نحو 20 ألف مسلم، من دون أن يكون لذلك صدى داخل الهند، فضلاً عن أن يعرف العالم شيئاً عن هذه الحوادث، بحسب تقرير لموقع الجزيرة.
ومن الناحية القانونية، تعتبر عمليات التهجير مخالفة لقانون "سياسة الأراضي" لسنة 1989 بالولاية، الذي يعترف بملكية المستخدم لأراضي الدولة بمعدل 1 بيغا (فدان) للسكن و7 بيغا للزراعة، في حال استعمالها المستمر لمدة 3 سنوات. وهؤلاء المهجَّرون كانوا يسكنون بالمنطقة منذ 1970، وقد لجأوا إليها هرباً من فيضانات أو انجراف الأراضي حول الأنهار في أماكن أخرى.
غضب شعبي ودعوات للمقاطعة
أثار فيديو القتل الوحشي للشاب المسلم في آسام غضباً كبيراً داخل الهند وخارجها، وانتشرت دعوات عربية لمقاطعة المنتجات الهندية لإجبار نيودلهي على "وقف قتل المسلمين"، بحسب تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وخرجت مظاهرات في مدينة كالكوتا الهندية تنديداً بالعنف ضد المدنيين في آسام وأحرقت خلالها صوراً لحاكم آسام ورفعت لافتات كُتب على بعضها "حياة المسلمين مهمة"، في إشارة إلى حركة "حياة السود مهمة" التي تشكلت بعد مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصل إفريقي على يد رجل شرطة أمريكي أبيض في صيف العام الماضي.
كما اتهم سياسيون وحقوقيون في الهند حكومة مودي بالتواطؤ في العنف الذي يتعرض له المسلمون في آسام، ووصف الحزب الديمقراطي الاجتماعي تصرفات الحكومة في هذا الأمر "بالنازية".
واللافت هنا أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت مقالاً عنوانه "الهند بزعامة مودي على خطى النازية"، شبّه فيه الكاتب ما يتعرض له المسلمون في آسام على أيدي الهندوس ما قامت به حكومة ألمانيا النازية تجاه اليهود في أوروبا.
وتسبب الفيديو في حالة من الغضب الشديد بين الشعوب العربية، انعكست في دعوات لمقاطعة المنتجات الهندية، للضغط على حكومة مودي المتهمة بالتطهير العرقي ضد المسلمين، تحت وسم #الهند_تقتل_المسلمين. وعبر كثيرون عن دعمهم للعائلات المهجّرة وتنديدهم بتعامل السلطات معهم.
ووصف الكاتب والباحث في الإسلاموفوبيا خالد بيضون، ما يجري "بالإسلاموفوبيا المدعومة من الدولة" و"العنف القومي الهندوسي" (عنف الهندوتفا وهي التيار السائد من القومية الهندوسية).
وذكَّر بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالحملة الشعبية لمقاطعة المنتجات الفرنسية في أعقاب تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن الإسلام والتي أغضبت كثيراً من المسلمين، إضافة إلى دعم الرئيس الفرنسي لنشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام وكيف نجحت دعوات المقاطعة الشعبية في إجبار ماكرون عن الاعتذار.
مودي واضطهاد المسلمين من كشمير لآسام
تقع ولاية آسام شمال شرقي الهند وتبلغ نسبة المسلمين فيها نحو 34% من سكان الولاية البالغ عددهم 34 مليون نسمة، وهي أعلى نسبة للمسلمين في أي ولاية هندية بعد كشمير.
ويرى أغلب المحللين أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء ما يتعرض له المسلمون في آسام حالياً، أو بمعنى أكثر دقة، تكثيف عمليات اضطهاد المسلمين وتهجيرهم خارج الولاية مقابل تسكين هندوس مكانهم.
وتأتي تلك الإجراءات القمعية من جانب حكومة ولاية آسام الهندوسية التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطيات العالم، والتي يطبقها مودي منذ مجيئه إلى سدة الحكم.
ففي 5 أغسطس/آب 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.
وكان إقليم جامو وكشمير منذ عام 1954، يتمتع بوضع خاص بموجب الدستور الهندي، الذي سمح للولاية بسن قوانينها الخاصة، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها. وأصدرت حكومة مودي تشريعات تمنح مواطنيها الهندوس، الذين عاشوا في جامو وكشمير لمدة تزيد على 15 عاماً، صفة مواطن محلي لتمكينهم من امتلاك الأراضي والإقامة والعمل، إضافة إلى تقلد المناصب العامة.
وفي مقابلة مع الأناضول، بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لإلغاء الهند للحكم الذاتي بولاية جامو وكشمير، اعتبر المفوض السابق للحكومة الهندية محمد مختار أنصاري أن "القرار المتعجل من الهند، يُنظر إليه على أنه محاولة لتغيير ديموغرافيا (التركيبة السكانية) لإقليم كشمير، لتلبية رغبات الجماعات اليمينية الهندوسية، التي تطالب علناً بتغيير في تركيبة السكان للحصول على مزايا انتخابية".
وفي هذا السياق أيضاً، أقرت الحكومة الهندية قانوناً سمته "قانون المواطنة"، وصفته منظمات حقوقية دوليه بأنه يمثل خطراً على الأقلية المسلمة في البلاد، حيث حذرت شبكة حقوق الإنسان في جنوب آسيا أن التضييق على المجتمع المدني والمعارضة في الهند قد جعل البلاد مكاناً خطيراً على الأقلية المسلمة.
ورصد تقرير الشبكة أن الملايين من المسلمين أصبحوا مهددين بتجريدهم من جنسيتهم، مضيفاً أن سياسات الأغلبية القومية الهندوسية التي ينتهجها بهاراتيا جاناتا بقيادة مودي قد زادت من الضغوط على المسلمين في الهند.
"قانون المواطنة الذي تم سنُّه مؤخراً في البلاد مهّد الطريق لحصول المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش على الجنسية، ما أدى إلى استبعاد المسلمين، بشكل عنصري"، بحسب التقرير الذي لفت إلى أن "المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، والجماعات الأيديولوجية التي تدعمها الدولة يتعرضون للتهديد المستمر".
ويسمح قانون المواطنة الذي أقرته حكومة مودي بمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير النظاميين الحاملين لجنسيات بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، شرط ألا يكونوا مسلمين وأن يكونوا يواجهون اضطهاداً بسبب دينهم، في تناقض مع القيم الديمقراطية والعلمانية التي تقوم عليها الهند، كما يرى سياسيون معارضون داخل البرلمان ومتظاهرون في عدة مدن هندية أن "مشروع القانون يعد تمييزاً ضد المسلمين، وينتهك الدستور العلماني الهندي".