قررت شركة نتفلكس قبل أيام إلغاء المسلسل الدرامي Hit and Run، وهو مسلسل إسرائيلي أمريكي جيوسياسي، تدور أحداثه حول رجل متزوج يفقد زوجته في حادث سيارة مأساوي ويقرر البحث وراء الجناة.
إلغاء بعد بث 9 حلقات فقط حطم الطموحات لموسمين آخرين
بالرغم من أنه قد تم إطلاق المسلسل المكون من 9 حلقات على نتفلكس في 6 أغسطس/آب الماضي، أي قبل شهر ونصف الشهر فقط، فإنه تم إلغاء المسلسل التلفزيوني فجأة.
أثار إلغاء المسلسل الجدل حول مستوى الدراما الإسرائيلية التي عادةً ما تدور حول "البطل الإسرائيلي الخارق"، وما إن كانت قادرة على المنافسة تجارياً مع مراعاة تكلفة العرض ومقدار التفاعل معه، بما في ذلك عدد الأشخاص الذين شاهدوا العمل كاملاً، وعدد الأشخاص الذين ثابروا وشاهدوا كل حلقة حتى آخرها.
تم عرض المسلسل وهو من إخراج وإنتاج وبطولة ليئور راز، صانع مسلسل إسرائيلي آخر يُسمّى "فوضى" عُرض أيضاً على نتفلكس، لأول مرة على منصة البث العالمية الشهر الماضي، وتم تصويره بين تل أبيب ونيويورك، مع الكثير من الحوارات فيه باللغة الإنجليزية باللكنة العبرية.
وبحسب تقرير موقع Express البريطاني، استغرق تصوير الموسم الأول ثلاث سنوات، بسبب تأثير الوباء على الإنتاج، ما كان من بين العوامل في زيادة الضغط على المسلسل.
ويلعب راز دور الزوج الحزين الذي يعمل مرشداً سياحياً قبل أن يضطر إلى أن يستعيد تجربته وخبراته كجندي سابق في القوات الإسرائيلية الخاصة، من أجل حل لغز وفاة زوجته بطريقة غير مفهومة.
وبالرغم من انتهاء الموسم الأول بنهاية مفتوحة للغاية، مع توقعات من صنّاعه أنه سيستكمل القصة في موسم أو موسمين إضافيين على الأقل، اختارت نتفلكس عدم تجديد المسلسل.
وعلاوة على الخسارة التجارية التي مُني بها العمل، إلا أن القيمة الدرامية التي احتواها العمل كانت مسماراً في نعشه كذلك.
يقول الكاتب أدريان هيننغ في مقالٍ له بعنوان "ما الدروس المستفادة من "فشل" مسلسل "Hit & Run"؟" بصحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن حياكة دور البطل في المسلسل أعادت إلى الأذهان نفس ما صوَّره الممثل والمنتج الإسرائيلي في مسلسله السابق "فوضى"، وكان يبدو كما لو أنه امتداداً له.
وقد جاء ذلك في دور "البطل الخارق" الذي يعالج كل مشاكله بالعنف، وتنفتح أمامه كافة الأبواب من أجل إيجاد الحقيقة.
وبخلاف الفشل التجاري للمسلسل في وقت قصير، إلا أن المحتوى الدرامي "الضعيف" وفقاً للكاتب، سيكون له آثار مدوية على صناعة الأفلام والمسلسلات الإسرائيلية لاحقاً بعد هذا فشل مستوى الإبداع في المسلسل.
مسلسل إسرائيلي يضرب "المكانة المحلية"
وبحسب موقع Times Of Israel، احتل "Hit & Run" صدارة المشاهدات في إسرائيل طوال شهر أغسطس/آب تقريباً. ومع ذلك فإن نتفلكس لا تعمل في إنتاج أعمال محلية.
ورغم أنها لا تخشى ضخ الملايين في مشاريع الإنتاج من جميع أنحاء العالم، فإنها تحتاج تلك المسلسلات أيضاً أن تتواصل مع جمهورها العالمي البالغ عددهم حوالي 210 ملايين مشترك، وهذا لم يكن أسهل من أي وقت مضى مع النسخ ذات الدبلجات المتعددة لجميع عروضها.
ويتواجد أكثر من ثلث هؤلاء المشتركين في الولايات المتحدة وكندا وحدهما، لذلك ليس من الصعب تخيُّل أن أي عرض يفشل في "اختراق" السوق الأمريكي سيتعين عليه تقديم أداء جيد بشكل استثنائي في مكان آخر لتبرير التكلفة، وهو ما حدث في حالة المسلسل.
فقد وضع المسلسل جزءاً بسيطاً من أحداثه على الأراضي الإسرائيلية، في حين نقل سير الأحداث إلى العاصمة الأمريكية نيويورك، في محاولة منه لتوسيع رقعة التأثير والقدرة والسيطرة للجندي الإسرائيلي الخارق، لكن بالطبع لم تكن هذه الحبكة واقعية.
وقال الكاتب أدريان هيننغ في مقاله بصحيفة Haaretz: "أعتقد أنه إذا كان هناك درس كبير يمكن تعلمه من الفشل التجاري للمسلسل، فهو أن الجماهير العالمية تتوق دائماً إلى شيء جديد، شيء غريب، ونيويورك بالتأكيد ليست المكان المناسب للعثور على ذلك".
وبخلاف هذه المشاكل السالف ذكرها، يأتي المسلسل في ظل العمل السابق المشابه والأكثر إثارة للجدل "فوضى". وهو مسلسل تلفزيوني إسرائيلي قام الممثل ليئور راز بصنعه كذلك، وهو أيضاً مستوحىً من تجربة بطل العمل الذي خدم في الجيش الإسرائيلي واضطرته الأحداث إلى العودة للعب دور "المُنقذ".
ترديد لصدى مسلسل "فوضى" المثير للجدل
في الموسم الثالث والأخير الذي تم إصداره أواخر العام الماضي من مسلسل "فوضى"، فإن نفس وحدة الكوماندوز الإسرائيلية السرية التي كانت تنجح في عملياتها بشكل مثير للجدل داخل الضفة الغربية خلال الموسمين الأول والثاني، أصبحت البطلة في مسرح عمليات جديد، وهو غزة.
وتشارك الوحدة التي مثّلها بطل العمل، والتي يتحدث أعضاؤها العربية ويتم تدريبهم على الاغتيال و"الاندماج"، في عملية لإطلاق سراح شابين إسرائيليين اختطفتهما حماس.
وتأتي تلك الرواية الإسرائيلية المُجحفة بينما يخضع الفلسطينيون في غزة لحصارٍ بري وجوي وبحري إسرائيلي منذ عام 2007 تقريباً.
لذلك وفقاً للكاتب الفلسطيني جورج زيدان، الذي انتقد المسلسل بعد عرض أجزائه الثلاثة، فإنه في واقع الأمر لم يكن سوى قلة قليلة من الإسرائيليين الذين تمكنوا من دخول غزة خلال العقد الأخير، ما يشير إلى صورة مُتخيلة وغير واقعية للدراما التي قدّمها ذات الممثل وصانع العمل بشكل يضرب مصداقية الدراما تماماً، خاصة لدى المتابعين للمشهد السياسي والعارفين بطبيعة الأوضاع على الأرض.
وفي مقال آخر بصحيفة Haaretz بعنوان "مسلسل 'فوضى' ليس مجرد عمل جاهل وغير شريف وعبثي، لكنه تحريض ضد الفلسطينيين أيضاً"، يقول الكاتب جورج زيدان إنه بينما اعتقد كُتّاب العمل أنهم قاموا بواجبهم في بحث مادة المسلسل، من خلال إظهار مجرد مشاكل انقطاع التيار الكهربائي في غزة وأزمات تلوث المياه، إلا أن الواقع أسوأ من السيناريو التلفزيوني بمراحل.
ويعيش 38% من السكان في فقر، و54% يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و39% من الشباب عاطلون عن العمل، وأكثر من 90% من المياه غير صالحة للشرب.
وبطبيعة الحال، لن يمكن تسليط الضوء على هذه الصورة في الدراما الإسرائيلية التي تصب جل تركيزها على إظهار "كم أن الطرف الآخر" متطرف، وكم أن الجندي الإسرائيلي "عطوف وماهر" بشكل يفوق الخيال، إلى درجة تبدو مُقحمة بإفراط، وهو ما يبدو أنّ الجمهور العالمي ملّ من هذه السردية ولم يعد منجذباً لها.