لم يصل إلى دولة بوروندي الواقعة في وسط إفريقيا جرعة لقاحٍ واحدة لفيروس كوفيد-19 حتى الآن، في مؤشر خطير لتفاقم فجوة اللقاحات بشكل قد يؤدي إلى نتائج مرعبة على سكان البلدان الفقيرة لا سيما في إفريقيا.
ففي كينشاسا، المدينة الضخمة التي يبلغ عدد سكَّانها 12 مليون نسمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قُدِّمَ للعاملين في مجال الرعاية الصحية أقل من 40 ألف جرعة لقاح فقط. وفي أوغندا، يصطف الناس لساعاتٍ على أبواب المستشفيات، ثم يُبعَدون عن الطوابير، في ظلِّ تناقص إمدادات اللقاح.
بعد ما يقرب من 10 أشهر من إتاحة أول لقاح لكوفيد-19 للجمهور، أصبح الانقسام بين الدول التي لديها لقاحات وتلك التي لم تنل أياً منها أوضح من أيِّ وقتٍ مضى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
إذ توزِّع الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى، مثل إسرائيل والمملكة المتحدة، جرعاتٍ ثالثة الآن، بينما في البلدان منخفضة الدخل- والغالبية العظمى منها في إفريقيا- فقط 2.2% من الناس هم مَن تلقوا جرعةً واحدة.
يعود السبب بشكلٍ أساسي إلى نقص الإمدادات من برنامج التطعيم الدولي الذي كافَحَ من أجل تأمين ما يكفي من الجرعات، وتفاقَمَ هذا النقص بسبب عدم كفاية البنية التحتية، والتردُّد، والنزاعات المسلَّحة.
فجوة اللقاحات تدمر الاقتصاد وتفتح الباب لتأثير مدمر للسلالات المتحورة
وفي تلك البلدان التي تفتقر إلى اللقاحات، تستمر الجائحة في إحداث فوضى في الأرواح وسبل العيش، وفي بعض الأماكن تتسبَّب في تعطيل الاقتصاد والمكتسبات الاجتماعية لجيلٍ كامل. وقد يسمح التفشي المستمر للفيروس في تلك الأماكن بأن يتحوَّر إلى سلالاتٍ مقاوِمة للقاحات الموجودة.
وقالت ديافوكا سايلا نجيتا، أستاذة الأمراض المعدية في كلية الصحة العامة بجامعة كينشاسا، إن السلالات المتحورة التي يمكنها التملُّص من اللقاحات الحالية مع فجوة اللقاحات "ستدفعان جهود الاستجابة للجائحة بأكملها عدة خطوات للوراء".
بدأت بعض الاقتصادات ذات الدخل المتوسِّط، مثل البرازيل والهند، والتي كانت من بين البلدان الأكثر تضرُّراً في وقتٍ سابقٍ من الجائحة، في اللحاق بالعالم المتقدِّم.
في البرازيل، تلقَّى أكثر من ثلثيّ الأشخاص جرعتهم الأولى على الأقل، وتم تطعيم 38% بالكامل. وفي الهند، التي سجَّلَت قبل ثلاثة أشهر فقط رقماً قياسياً للوفيات اليومية بالفيروس، حصل 44% من السكَّان، البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة على جرعتهم الأولى على الأقل، بينما حصل 15% على جرعتين. ورغم أن مئات الملايين من الهنود لا يزالون دون تحصينٍ من الفيروس، قالت الحكومة الهندية هذا الأسبوع إن لديها إمداداتٍ كافية من اللقاح لبقية العام، وسوف تستأنف الصادرات الشهر المقبل، أكتوبر/تشرين الأول.
الحرب الأهلية ونقص الأموال
وتختلف أسباب اتساع فجوة اللقاحات بين الدول. في بعض البلدان، مثل أفغانستان أو جنوب السودان، حيث تم تطعيم 1.1% و0.2% فقط من السكَّان، على التوالي، حيث تؤدِّي النزاعات إلى تعطيل توزيع اللقاحات.
وتكافح بلدانٌ أخرى، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية أو بابوا غينيا الجديدة، التردُّد الشديد بشأن اللقاحات، والتحديات اللوجستية، مثل التبريد المحدود والطرق سيئة الصيانة من أجل وصول اللقاحات إلى السكَّان. وقالت دولة بوروندي، حتى قبل شهرين، إنها لا تريد أيَّ لقاحاتٍ لكوفيد-19 على الإطلاق، بعد أن أمضت الحكومة العام الماضي برمته في التقليل من آثار الفيروس.
لكن بالنسبة لمعظم البلدان النامية، يظلُّ السبب الرئيسي لبطء طرح اللقاح هو نقص الإمدادات القادمة من الخارح. في ظل قلة الأموال اللازمة لتأمين الصفقات مع صانعي اللقاحات، أو المعرفة التكنولوجية لصنع اللقاحات الخاصة بهذه الدول، فقد اعتمدت على برنامج كوفاكس المدعوم من منظمة الصحة العالمية لتزويدها بالجرعات.
ولكن النتيجة جاءت مخيبة حيث ازدادت فجوة اللقاحات، فحتى هذا الأسبوع (أي الأسبوع قبل الأخير من سبتمبر/أيلول 2021)، قدَّم برنامج كوفاكس 360 مليون جرعة. وفي وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري، خفض البرنامج توقُّعاته للإمدادات لهذا العام إلى 1.43 مليار جرعة، من 2.27 مليار مُتوقَّعة في يناير/كانون الثاني، مشيراً إلى انخفاض الشحنات المُتوقَّعة من الشركات الرائدة في تصنيع اللقاحات، بما فيها أسترازينيكا وجونسون آند جونسون. وهذا العدد المُتوقَّع يكفي بالكاد لتطعيم حتى 20% من سكَّان البلدان منخفضة ومتوسِّطة الدخل هذا العام.
تبرعات ضئيلة ومتأخرة
وأرسلت بعض الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، جزءاً صغيراً من التبرُّعات الموعودة إلى البلدان النامية. ولن تبدأ التعهُّدات الجديدة، مثل الـ500 مليون جرعة إضافية التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمةٍ مع قادة العالم الآخرين هذا الأسبوع، في الوصول حتى عام 2022.
وقال مدير منظمة الصحة العالمية في إفريقيا، ماتشيديسو مويتي، يوم الخميس 23 سبتمبر/أيلول، إن شحنات اللقاحات الشهرية إلى إفريقيا يجب أن تزيد بأكثر من سبعة أضعاف، من حوالي 20 مليون جرعة إلى 150 مليون جرعة شهرياً، إذا كانت القارة ستحصِّن 70% من سكَّانها ضد الفيروس بحلول سبتمبر/أيلول من العام المقبل. وكان هذا هو الهدف الذي حدَّده قادة العالم في قمتهم هذا الأسبوع.
وفي أوغندا، التي يبلغ سكَّانها 42 مليون نسمة، زارت المعلِّمة سيلفيا توموهيمبيسي مؤخَّراً كلَّ مستشفى مملوك للحكومة في مدينة مبارارا الغربية بحثاً عن لقاح. ولا تزال تعجز عن الحصول على جرعة.
وقالت: "الحكومة تريدنا أن نتلقَّى اللقاح قبل أن يسمحوا لنا بالعودة إلى العمل. لكن جميع المستشفيات يخبرونني بأن أرحل. يقولون إنهم يعطون اللقاح فقط لأولئك الذين حصلوا بالفعل على الجرعة الأولى".
وقالت الحكومة الأوغندية، التي تقول إنها تحاول إدارة إمدادات اللقاح المحدودة، إن المدارس في أوغندا، التي أُغلِقَت مرةً أخرى في يونيو/حزيران حين أدَّت سلالة دلتا الأكثر قابليةً للانتشار إلى موجةٍ قياسية من الإصابات، ستظلُّ مغلقةً حتى يناير/كانون الثاني على الأقل.
الناس يموتون غرقاً وهم يهربون من غرامات الاختبارات
وأدَّى ظهور سلالة دلتا إلى تعديل حسابات المهنيين الطبيين والسلطات الحكومية في معظم أنحاء إفريقيا ودولٍ أخرى ذات معدلات تطعيمٍ منخفضة. وشهدت البلدان التي بدا أن سكَّانها من الشباب في السابق يحمونها من أسوأ حالات الجائحة، اكتظاظاً في المستشفيات وزيادةً في أعداد الوفيات.
ومن كينيا إلى جنوب إفريقيا، لا يزال السكَّان يخضعون لحظرٍ تجوُّلٍ ليلي. وفي بوروندي، حيث تعمل العديد من المستشفيات العامة بدون كهرباء أو مياه جارية، تغلق الحكومة حدودها بشكلٍ متقطِّعٍ. وهذا الأسبوع فرضت السلطات غرامةً قدرها 25 دولاراً على أيِّ شخصٍ لا يرتدي قناعاً للوجه في الأماكن العامة.
وقال وزير الداخلية جيرفيه نديراكوبوكا: "لا يلتزم الناس بإرشادات التباعد الاجتماعي، وقد أدَّى ذلك إلى زيادةٍ في الإصابات ويجب علينا إيقاف هذا المعدَّل المتزايد".
وقالت متحدِّثةٌ باسم برنامج كوفاكس إن حكومة بوروندي لم توقِّع بعد على الأوراق اللازمة لتأمين اللقاحات من البرنامج.
وفي الأسابيع الأخيرة، غرق العديد من الأشخاص أثناء محاولتهم السباحة عبر نهرٍ بين بوروندي والكونغو لتجنُّب دفع تكاليف اختبارات كوفيد-19 الإلزامية على الحدود.
وقالت كاري تيشر، رئيسة البرامج في منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الطبية: "من غير المفهوم أن يموت ملايين آخرون وهم ينتظرون اللقاحات لمجرد المكان الذي يعيشون فيه".