“ألمانيا تتغيَّر”.. هكذا بات التنوع فيها أكثر وضوحاً مع ترشح المزيد من المهاجرين للانتخابات البرلمانية

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/25 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/25 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
مبنى البوندستاغ أو البرلمان الألماني في برلين، أرشيفية/ رويترز

رصدت وكالة Associated Press الأمريكية ظاهرة ترشح المزيد من المهاجرين على قوائم الانتخابات الألمانية التي ستعقد الأحد 26 سبتمبر/أيلول 2021، حيث تقول الوكالة إن ألمانيا باتت تبرهن على تنوعها بشكل أكبر بترشح المهاجرين لمقاعد البوندستاغ أو البرلمان الاتحادي. 

ألمانيا تتغير

أصبحت آنا ماريا تراسينا (27 عاماً) والتي هاجرت وهي في الـ13 من عمرها مع والدتها من رومانيا إلى ألمانيا، الآن مرشحةً في الانتخابات الألمانية على أحد مقاعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وآنا هي واحدةٌ من مئات المرشحين ذوي الأصول المهاجرة الذين يسعون إلى الفوز بمقعدٍ في البرلمان الاتحادي. ورغم أنّ أعداد المهاجرين في البوندستاغ لا تعكس نسبهم الحقيقية وسط السكان؛ لكن التنوع العرقي المتنامي في البلاد بدأ ينعكس بشكلٍ متزايد على ساحتها السياسية.

إذ يقول يوليوس لاغودني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كورنيل لـAP: "لقد تغيّر الكثير في ألمانيا على مدار العقود القليلة الماضية؛ حيث صارت التركيبة السكانية أكثر تنوعاً. ولم يعُد المهاجرون الشباب يكتفون بالتطلّع إلى المناصب السياسية في كافة أحزاب ألمانيا تقريباً، بل إنهم يطالبون بها ويسعون لحصدها. وهناك موجةٌ جديدة كلياً من الإصرار الآن".

يُذكر أن ألمانيا تضم نحو 21.3 مليون مواطن من خلفيات مهاجرة، أو نحو 26% من إجمالي سكانها البالغ عددهم 83 مليون نسمة.

بينما يضم البرلمان الحالي 58 مشرعاً له أصول مهاجرة من أصل 709، أي نحو 8.2% فقط. لكن في برلمان عام 2013، كانت النسبة لا تتعدى 5.9%، أي 37 من أصل 631 مشرعاً فقط، وفقاً لمنظمة Mediendienst Integration التي ترصد مشكلات المهاجرين في ألمانيا.

ومن بين 6.227 مرشحاً للبرلمان في هذه الدورة، سنجد أن هناك 537 مرشحاً لهم أصولٌ مهاجرة بحسب جوليا شولت-كلوز، أستاذة العلوم السياسية في جامعة لودفيغ ماكسيمليان. وقالت جوليا إن نسبة المرشحين ذوي الأصول المهاجرة في البوندستاغ ترتفع باستمرار منذ عام 2005.

المهاجرون يشاركون في الانتخابات عن العديد من الأحزاب

لكن رغم التوقعات بزيادة أعداد المهاجرين المنتخبين مرةً أخرى في الدورة الجديدة، لكن نسبتهم في البوندستاغ ستظل أقل من نسبتهم الحقيقية وسط السكان- والتي تصل إلى 26% من ذوي "الخلفيات المهاجرة" حسب الوصف الرسمي الذي يشمل الأشخاص الذين وُلِدوا في الخارج أو لديهم والدٌ أجنبي.

وفي برلين، حيث يمتلك نحو 35% من السكان أصولاً أجنبية، يُمكن العثور على المرشحين المهاجرين للبوندستاغ في العديد من الأحزاب.

إذ يُنافس جو شيالو (51 عاماً)، الذي ينحدر من أبوين من تنزانيا، على أحد المقاعد في حي سبانداو ببرلين لصالح الحزب المسيحي الديمقراطي الخاص بالمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل. 

بينما يُحاول هاكان ديمير (31 عاماً)، الذي هاجر جده من تركيا قبل 50 عاماً، أن يصير نائب الحزب الاشتراكي الديمقراطي الجديد عن حي نويكولن- وهو من أكثر الأحياء تنوعاً في ألمانيا.

أما خارج العاصمة، فقد ترشّحت ذات الأصل الكردي إيزغي غايلدار(35 عاماً) لصالح الحزب اليساري التقدمي في مدينة إسن الغربية.

تمثيل أكبر لقضايا المهاجرين في ألمانيا

تشمل دوافع هؤلاء القلق إزاء الاحتباس الحراري، والمطالبة بحقوق النساء والأسر، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين وضعية المهاجرين.

حيث قال المرشحون الأربعة، الذين يسعون للفوز بمقعدٍ في البرلمان للمرة الأولى، لوكالة Associated Press الأمريكية إنّهم عانوا أحياناً من التمييز والعنصرية- وخصوصاً في طفولتهم. لكنهم أكّدوا كذلك على امتنانهم لألمانيا التي استقبلتهم، وقالوا إنّهم يُقدّرون التعليم الذي تلقوه والذي منحهم فرصاً لم يكونوا ليحصلوا عليها بدونه.

وبصفته بالغاً يعيش في حيٍّ متنوع عرقياً ببرلين، يرى ديمير أن خلفيته تمنحه أفضليةً سياسية. إذ أوضح: "يعيش داخل الحي أشخاصٌ تعود أصولهم إلى أكثر من 150 دولة- إنّه مزيجٌ رائع وشديد التنوع. وحين ألاحظ شخصاً يريد الحديث بالتركية، فأنا لا أمانع بالطبع وهذا يخلق نوعاً من الأُلفة المطلوبة خلال الحملة الانتخابية. إذ تُشعر الناس بأنهم مشاركون في الحدث".

يُذكر أنّه قبل 60 عاماً كانت ألمانيا الغربية تُوظّف "عاملين ضيوفاً" من تركيا، وإيطاليا، واليونان، والمغرب لاحقاً للمساعدة في تقدم البلاد اقتصادياً. وكان يجري تشغيلهم في تعدين الفحم بالمناجم، وإنتاج الصلب، وصناعة السيارات. وقد قرر العديد ممن وصلوا ألمانيا كعاملين مؤقتين أن يُقيموا هنا ويستقدموا عائلاتهم، مما منح برلين ومدن غرب وجنوب غرب ألمانيا جاليات مهاجرة كبيرة.

وقد سارت على خطاهم جنسيات أخرى خلال العقود التالية: مثل أبناء روسيا وكازخستان الذين أثبتوا أنّ لهم أصولاً ألمانية، واللاجئين من الحرب الأهلية اللبنانية، واليهود من الاتحاد السوفييتي سابقاً، والأوروبيين الشرقيين الذين استغلوا حرية الحركة داخل دول الاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2005 و2016 وصلت موجةٌ أخرى تضم أكثر من مليون شخص، فارين من الحروب في سوريا والعراق وأفغانستان.

أكثر من 7 ملايين من المهاجرين يحق لهم التصويت

ويمتلك نحو 7.4 مليون بالغ من المهاجرين جوازات سفر ألمانية تمنحهم الحق في التصويت يوم الأحد 26 سبتمبر/أيلول، وفقاً لتعداد مكتب الإحصاء الاتحادي عام 2019. ولا يُصوّت العديد منهم عادةً، وبالتالي نجد تمثيلهم في البرلمان منقوصاً. بينما هناك 8.7 مليون بالغ آخرون يعيشون داخل ألمانيا بشكلٍ دائم، لكنهم لا يستطيعون التصويت لأنّهم لا يحملون الجنسية الألمانية.

ولا تسمح ألمانيا بازدواج الجنسية، إلا في حالة مواطني دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وسويسرا. ويُمثّل هذا القانون معضلةً للعديد من مهاجري الجيل الأول، الذين لا تزال تربطهم علاقات قوية مع وطنهم الأم ولا يرغبون في التخلّي عن جوازات سفرهم القديمة- إما لأسباب عاطفية أو خشية خسارة حقوق الميراث أو العقارات المملوكة لهم في بلدانهم الأم.

والسماح بازدواج الجنسية هو إحدى القضايا التي تُريد إيزغي أن تُحارب من أجلها- حال انتخابها بالطبع: "أشعر بأنّني مقرّبةٌ من تركيا، إذ تعيش جدتي هناك، لكنني أعتبر ألمانيا وطني أيضاً. وليس هناك عيبٌ في ازدواج الجنسية- بل على العكس تماماً".

ومع ذلك، فإنّ عدم امتلاك جواز سفر ألماني ليس الأمر الوحيد الذي يحول دون ترشّح المهاجرين للمناصب أو تصويتهم عليها. حيث إن العديد من مهاجري الجيل الأول، على وجه التحديد، يُركزون أكثر على السياسة في وطنهم الأم.

إذ قالت كانان بايرام (55 عاماً)، المحامية الألمانية-الكردية التي انتُخِبت للبوندستاغ عام 2017 عن حزب الخضر: "هناك أحياناً حاجزٌ ناجم عن التمييز أو مجتمعات المهاجرين المنغلقة هنا، حيث يهتم الآباء والأجداد بما يحدث في بلدانهم الأم أكثر من السياسات القائمة هنا".

لكن كانان تعتقد أن هذا سيتغيّر مع الوقت حين يترشّح عددٌ أكبر من المهاجرين للمناصب: "أعتقد أنّها مجرد خطوةٍ صغيرة، وفي غضون 10 سنوات لن نتحدث حتى عن هذه المواضيع بنفس الكثافة، لأنّ الجيل الجديد الآن يتطلّع بوضوحٍ إلى الأمام بعد أن وجد محور حياته في ألمانيا".

تحميل المزيد