أرادوا انسحابه من الناتو لكنه أعاد السفير إلى واشنطن! كيف يخرج ماكرون من أزمة الغواصات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/23 الساعة 15:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/25 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون/ رويترز

لماذا قرر الرئيس إيمانويل ماكرون عودة سفير فرنسا إلى الولايات المتحدة، بعد اتصال الرئيس جو بايدن بنظيره الفرنسي على خلفية أزمة الغواصات، دون تغيير يُذكر في ملابسات سحب السفير من الأساس؟

كان قرار فرنسا سحب سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا، على خلفية إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية واستبدالها بصفقة غواصات أمريكية وبريطانية، قد تم بناءً على تعليمات مباشرة من ماكرون، بحسب ما قاله وزير الخارجية جان إيف لودريان.

تفجرت أزمة الغواصات مساء الأربعاء 15 سبتمبر/أيلول الجاري، عندما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون عن "أوكوس"، وهي شراكة أمنية ودفاعية بين البلدان الثلاثة، نتج عنها إلغاء كانبيرا "صفقة القرن" الفرنسية وهو ما اعتبرته فرنسا "طعنة في الظهر" وخيانة من الحلفاء.

ومنذ ذلك الوقت، استشاطت فرنسا غضباً وتحولت أزمة الصواريخ إلى قضية قومية؛ لاعتبارها "صفعة" على وجه باريس من جانب واشنطن، وتصاعدت المطالبات بردٍّ يتناسب مع عمق الجرح الذي سببته وحجم الخسائر الاقتصادية والسياسية، وبالتالي اعتبر كثيرون أن قرار سحب السفير من واشنطن هو البداية فقط لردٍّ فرنسي مزلزل.

ماكرون يقرر عودة السفير إلى واشنطن

لكن الأربعاء 22 سبتمبر/أيلول، قالت فرنسا والولايات المتحدة إن الرئيس إيمانويل ماكرون سيعيد سفيره إلى واشنطن الأسبوع المقبل، بعد أن اتفق الرئيس جو بايدن معه على أن التشاور مع فرنسا قبل إعلان اتفاق أمني مع أستراليا كان يمكن أن يمنع خلافاً دبلوماسياً.

وقال البيان: "اتفق الزعيمان على أنه كان من الممكن الاستفادة من المشاورات المنفتحة بين الحلفاء بخصوص المسائل ذات الأهمية الاستراتيجية لفرنسا وشركائنا الأوروبيين". وعبّر الرئيس بايدن عن التزامه المستمر في هذا الصدد.

كيف أقنع بايدن ماكرون بإعادة السفير؟ / رويترز

وذكر مكتب ماكرون أن الولايات المتحدة تعهدت أيضاً بزيادة دعمها لمهمات مكافحة الإرهاب التي تقودها دول أوروبية بمنطقة الساحل في إفريقيا. وقال البيان إن الولايات المتحدة "تدرك أهمية وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثر قدرة، يساهم بإيجابية في تعزيز الأمن عبر الأطلسي وفي العالم ويكون مكملاً لحلف شمال الأطلسي".

وتوافق ماكرون وبايدن خلال المكالمة، على أن إجراء "مشاورات مفتوحة بين الحلفاء كان من شأنه تفادي أزمة الغواصات"، وفق بيان مشترك للإليزيه والبيت الأبيض. وأورد البيان أن "الرئيس بايدن أبلغ (ماكرون) التزامه الدائم في هذا الصدد"، مضيفاً أن الرئيسين الأمريكي والفرنسي اللذين سيلتقيان "في أوروبا نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول"، "قررا إطلاق عملية تشاور معمق تهدف إلى تأمين الظروف التي تضمن الثقة".

كما اعتبر بايدن أنه "من الضروري أن يكون الدفاع الأوروبي أقوى وأكثر كفاءة"؛ للمساهمة في الأمن عبر المحيط الأطلسي وإكمال "دور الحلف الأطلسي"، وذلك في بيان مشترك مع إيمانويل ماكرون. وأضاف البيان أن الولايات المتحدة "تؤكد مجدداً أن التزام فرنسا والاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ له أهمية استراتيجية".

وسبق المحادثة الهاتفية بين بايدن وماكرون كثير من التصريحات بشأنها، إذ أشار المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال، إلى أن المحادثات ستركز على الأزمة المفتوحة بين باريس وواشنطن حول فسخ أستراليا "عقد القرن" لشراء غواصات فرنسية. 

وقال أتال في ختام اجتماع لمجلس الوزراء، إن ماكرون وبايدن سيقومان خلال مكالمة هاتفية -لم يحدد توقيتها- بـ"تبادل توضيحات"، من أجل "توضيح الظروف التي تقرر بموجبها إصدار الإعلان، وأيضاً لتوضيح شروط إعادة انخراط أمريكا في علاقة حلفاء".

كما أشار قصر الإليزيه إلى أن المكالمة ستجري "بطلب من رئيس الولايات المتحدة"، وأوضحت الرئاسة أن ماكرون يتوقع الحصول على "توضيحات حول الخيار الأمريكي باستبعاد حليف أوروبي من مبادلات أفضت إلى تعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

وأفادت الرئاسة الفرنسية: "نتوقع من حلفائنا أن يقروا بأن المبادلات والمشاورات التي كان يجدر إجراؤها لم تحصل، وأن ذلك يطرح مسألة ثقة يعود إلينا الآن أن نستخلص العبر منها معاً".

وينتظر ماكرون "الشروع على هذا الأساس في عملية متينة محدودة في الزمن وعالية المستوى تسمح بإحلال الشروط لعودة الثقة عبر الأفعال وتدابير ملموسة وليس الكلام وحده". وأوضح الإليزيه أن "هذا يتعلق بصورة خاصة، بالأهمية الاستراتيجية للالتزام الفرنسي والأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والاعتراف الكامل من حلفائنا الأمريكيين بضرورة تعزيز السيادة الأوروبية، وأهمية التزام الأوروبيين المتزايد من أجل دفاعهم وأمنهم، والالتزام المشترك في مكافحة الإرهاب"، بحسب تقرير لموقع فرانس برس.

ماكرون لا يزال صامتاً

كان لافتاً، منذ تفجر أزمة الغواصات، صمت الرئيس ماكرون وعدم تعليقه علانية على ما يحدث، تاركاً المسؤولية لوزير الخارجية لودريان، رغم أن قرار سحب السفراء تم بناءً على تعليمات مباشرة من الرئيس، كما قال لودريان. وسبب كون عدم تعليق ماكرون علناً أمراً لافتاً هو توقيت الأزمة.

ففرنسا تعيش أجواء انتخابات رئاسية تبدو مشتعلة، رغم أنها ستقام في أبريل/نيسان من العام المقبل، وعلى الفور تحولت أزمة الغواصات إلى مادة انتخابية وملف رئيسي، أدلى فيه جميع المرشحين للرئاسة، وجميع الأحزاب والمسؤولين بدلوهم، لكن ماكرون لم يعلق على الأمر، حتى بعد قراره إعادة السفير إلى واشنطن الأسبوع المقبل عقب مكالمة بايدن، وهو ما أثار مزيداً من الانتقادات للرئيس الطامح إلى البقاء في الإليزيه فترة ثانية.

وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان/ منصات التواصل
وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان/ منصات التواصل

فمنذ تفجر الأزمة، هناك حالة من شبه الإجماع داخل الأوساط السياسية الفرنسية على أن ما حدث من "خيانة وطعنة في الظهر" يستوجب رداً حاسماً يتناسب مع حجم ما تعرضت له باريس، وتركز الغضب بالأساس على الولايات المتحدة الأمريكية وتوجهت الأنظار جميعها إلى قصر الإليزيه انتظاراً لما سيتخذه ماكرون من قرارات أو يدلي به من تصريحات.

وبالتالي عندما صدر قرار استدعاء السفير الفرنسي من واشنطن، الجمعة 17 سبتمبر/أيلول، وهو بالقطع رد فعل غير مسبوق في طبيعته، ومع نسبة اتخاذ القرار لماكرون، ارتفعت أسهم الرئيس الفرنسي في الشارع السياسي، وانعكس ذلك في تعليقات المحللين والإعلام الفرنسي بشكل عام، ليحقق المرشح لفترة رئاسية ثانية- رغم أنه لم يعلن ترشحه رسمياً فإنه بالقطع يتصرف كمرشح رئاسي- نقاطاً لصالحه دون أن يتحدث علناً عن الأزمة العنيفة.

قرار الانسحاب من حلف الناتو

وقبل أن تتم محادثة بايدن التي قرر على أثرها ماكرون عودة السفير إلى واشنطن، كان الغضب الفرنسي منصباً على حتمية اتخاذ ماكرون قراراً بالانسحاب الفوري من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد أن ثبت- بحسب وجهة نظر الفرنسيين- أن واشنطن "لا تحترم باريس" ولا "تقيم لها وزناً".

كزافييه برتران، المرشح الرئاسي عن يمين الوسط، كان قد دعا قبل أيام، إلى عقد "قمة استثنائية للناتو"، وتحدث عن انسحاب فرنسا من قيادة الحلف، وقال: "في هذه القمة، يجب أن نطرح على الأمريكيين مسألة الثقة: هل يحترموننا؟ وإلى أين يتجه الحلف؟".

وتابع: "السؤال هو لمعرفة ما إذا كنا نهم الأمريكيين فعلاً"، و"إذا لم ترضنا الإجابة، فإنني أرغب في طرح السؤال حول مشاركة فرنسا في القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي"، بحسب تقرير لإذاعة مونت كارلو الدولية.

من جهته أكد جوردان بارديلا أن حزبه يريد أن يرى فرنسا "تترك القيادة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي"؛ لكي "تستعيد سبل حريتها واستقلالها".

أما مارين لوبان رئيسة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، والمنافسة الرئيسية لماكرون في الانتخابات المقبلة، فقد انتقدت الرئيس بعنف وقالت إنه (ماكرون) "ينتقل منذ تولي منصبه من فشل إلى آخر. إنه لم يحصل على شيء، بل إنه نجح في تضييع ما حصل عليه وما حصل عليه آخرون". وأضافت: "علينا الخروج من القيادة المشتركة لحلف الناتو، فأنا أعتقد أن الدليل قد أقيم على أنه لا عمل لنا بهذه القيادة في ظل هذه الظروف".

كما طالب المرشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الشيوعي، فابيان روسيل، بـ"ترك القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي" فوراً، وهو ما أيده جان لوك ميلانشون عن حركة "فرنسا العصية" اليسارية، الذي دعا كذلك إلى الانسحاب من الحلف.

وكان وزير الخارجية لودريان قد أعلن أن الأزمة ستؤثر على تعريف المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف شمال الأطلسي، لكنه لم يشر إلى خروج محتمل لبلاده من الحلف الأطلسي.

لوبان انضمت للمطالبين بالانسحاب من الناتو

وفي هذا السياق، كان الشارع السياسي الفرنسي ينتظر قرارات أكثر قوة للرد على "خيانة" الحلفاء، بحسب وصف نسيم الأحمر المحلل السياسي بقناة فرانس24، بسبب طبيعة الأزمة وعمق الجرح، إضافة إلى أن التوقيت عامل أساسي أيضاً، لأنها "سَنة انتخابات".

وبالتالي فإنّ صمت ماكرون كان يفسره بعض داعميه بأنه "استعداد لاتخاذ قرارات تؤدي إلى تغيير مفصلي في السياسة الخارجية لفرنسا، وفي الحد الأدنى من تلك القرارات أو الخطوات الإعلان عن الانسحاب من حلف الناتو"، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي سبق أن وصف الحلف بأنه "في حالة موت سريري".

لكن ماكرون فاجأ الجميع وقرر عودة السفير الفرنسي إلى واشنطن في الأسبوع المقبل، مما فتح الباب أمام التكهنات بشأن ما يسعى إليه ماكرون، الصامت حتى الآن بشأن أزمة الغواصات التي يراها الفرنسيون "خيانة" من جانب واشنطن.

تحميل المزيد