تجددت الدعوات في تونس إلى النزول للشارع مرة أخرى يوم 26 سبتمبر/أيلول؛ رفضاً لقرارات قيس سعيد التي يصفها معارضوه بالانقلاب والخرق الخطير لدستور البلاد.
وكان مئات التونسيين قد تظاهروا يوم 18 سبتمبر/أيلول الجاري، في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، ودعوا إلى إعادة العمل بدستور البلاد، والدفاع عن الديمقراطية، ورفض التدابير الاستثنائية التي أعلنها سعيد يوم 25 يوليو/تموز الماضي.
مساء الإثنين 20 سبتمبر/أيلول الجاري، وأمام عشرات من أنصاره الذين سُمح لهم بتجاوز بوابات مقر ولاية سيدي بوزيد، ألقى رئيس الجمهورية قيس سعيد خطاباً بثه التلفزيون التونسي الرسمي وُصف بـ"المتشنج"، وجه فيه سيلاً من الاتهامات لمعارضيه.
الرئيس التونسي جدد دفاعه عن قراراته الاستثنائية التي اتخذها في يوليو/تموز الماضي، إذ قال: "لم يكن هناك انتقال ديمقراطي؛ بل انتقال من فساد لآخر، وكان لابد من اللجوء للفصل الـ80 من الدستور".
كسر الصمت
الوقفة الاحتجاجية التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، تعتبر الأولى والأهم منذ إعلان قيس سعيد عن قراراته، وأتت استجابة لدعوة أطلقها عدد من الناشطين السياسيين، في نداء تحت عنوان "مواطنون ضد الانقلاب".
هذه الوقفة لم تكن سوى إعلان بداية عن تحركات أسبوعية وسط العاصمة تونس وفي مراكز المدن، إذ أطلق عدد من النشطاء دعوة جديدة للنزول إلى الشارع يوم 26 سبتمبر/أيلول، بالتزامن مع مرور شهرين على قرارات قيس سعيد.
ويرى متابعون أن هذا التحرك كسر جدار الصمت وحاجز النزول إلى الشارع الذي فُرض بفعل دعاية إعلامية تروج لقرارات قيس سعيد وتُغيب أي صوت معارض لها، وهو ما أكده التقرير الصادر عن هيئة الإعلام السمعي البصري لتقييمها للتغطية الإعلامية بعد يوم 25 يوليو/تموز 2021.
معارضة شعبية
اختار النشطاء الداعون إلى الوقفة الاحتجاجية الثانية الوقوف تحت لافتة "مواطنون ضد الانقلاب"؛ تأكيداً منهم بأن حراكهم يأتي في سياق مسار شعبي انطلق منذ عام 2010، ويستمر إلى الآن في كل المحطات التي عاشتها البلاد.
واعتبر الناشط السياسي أمان الله الجوهري، في حديث لـ "عربي بوست"، أن "حركة الشارع التونسي منذ ثورة 2011 كانت العنصر الأقدر على خلق التوازن مع كل محاولات الانحراف بالمسار والردة عن مكتسبات الثورة أو التنكر لاستحقاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
واعتبر المتحدث أن "منظومة قيس سعيد تحاول حصار الفضاء العام وشطب عنصر الشارع من المعادلة السياسية التونسية عبر الوصم وخلق استقطاب زائف إما وراء الانقلاب وإما وراء الفساد السياسي والمآلات السلبية للعملية السياسية طيلة السنوات العشر الماضية، وهذا ما عبر عنه قيس سعيد نفسه بصفة عنيفة في خطابه الأخير من سيدي بوزيد".
وأكد الجوهري أن "استمرار حركة الشارع والحفاظ على طابعها القاعدي وحمايتها من محاولات التوظيف هو الكفيل بكسر هذا الاستقطاب وإعادة استحقاق الحفاظ على الديمقراطية إلى واجهة الاهتمام السياسي بما يعنيه هذا الشعار من قطيعة مع النهج الانقلابي في فرض التغيير وموقف قوي وواضح من الفساد السياسي وتحويل الديمقراطية إلى وسيلة لخدمة المصالح الخاصة لا لتحقيق الصالح العام".
غياب الأحزاب
وفي تعليقه على غياب الأحزاب عن الشارع وتأطيره لأي تحركات معارضة للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها قيس سعيد، أكد الناشط السياسي التونسي أن هذا "عامل إضافي يجعل من الحركة العفوية في الشارع ضرورة لمواجهة انقلاب 25 يوليو/تموز، حيث إن حالة الانهيار التي تعيشها الطبقة السياسية التقليدية بمختلف اتجاهاتها نتيجة لاهتزاز شرعيتها السياسية والأخلاقية أو لافتقارها إلى أي عمق شعبي أو اصطفافها وراء الرئيس.. وهذا يعني غياب أي قوة سياسية ديمقراطية حقيقية قادرة على التأثير في الرأي العام وإحداث التوازن في المشهد".
واكتفت الأحزاب السياسية بإصدار بيانات متتالية تعبّر فيها عن رفضها للحكم الفردي واستمرار الإجراءات الاستثنائية إلى أجل غير مسمى، فيما اكتفت حركة "أمل وعمل" بالدعوة إلى وقفة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة؛ رفضاً للمحاكمة العسكرية لرئيسها النائب ياسين العياري الذي يقضي عقوبة في السجن بتهم المس من معنويات الجيش.
وأضاف الجوهري، وهو أحد النشطاء المشاركين في مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، أن "الحراك الشعبي القاعدي الذي انطلق يوم 18 سبتمبر/أيلول، جاء رداً على تمسُّك قيس سعيد بمشروعه الانقلابي، وتثبيت الحكم الفردي هو جولة جديدة من هذه المقاومة المدنية".
تخويف من الشارع
رغم مرور قرابة شهرين على قرارات سعيّد، مازالت بعض الأصوات، خاصة من المؤيدين لرئيس الجمهورية، تخوف من النزول إلى الشارع، بحجة عدم خلق استقطاب ثنائي قد يجر البلاد إلى حالات عنف أو مواجهة بين المواطنين بسبب اختلافهم السياسي.
هذا التخوف أصبح يتبناه حتى بعض المعارضين لقيس سعيد، خاصة بعد خطابه الأخير الذي وجَّه فيه اتهامات إلى المتظاهرين يوم 18 سبتمبر/أيلول الماضي، وصفهم فيها بالمأجورين والمخمورين والخونة .
وأعلن أنه اختار أن يلقي كلمته "من مهد الثورة لا من مدارج المسرح البلدي"، منتقداً بذلك مكان خروج مظاهرة ضد انقلابه على الدستور وديمقراطية البلاد.
واعتبر أن الاحتجاج قبل يومين كان "مسرحية مُخرجها معروف، وفاشل، والممثلون من أسوأ الممثلين"، وأن "هناك من يحاول بث الفتنة والفوضى بين المواطنين التونسيين".
وأضاف أنه "لا مجال للتراجع أو الحيرة أو الارتباك"، مشيراً إلى "أن البعض ديدنه بث الفوضى والفتنة والارتباك والهلع وصناعة الأزمات".
من جهته اعتبر الباحث والمحلل السياسي الأمين البوعزيزي أن "النزول والتظاهر للشارع فلسفته الأولى تعبير عن المواطن، فالمواطن وإن انتخب حاكماً يحق له أن يواصل مراقبة أدائه والتظاهر ضده، أو كما يصفه قيس سعيّد بسحب الوكالة، فنزول المواطنين للشارع ربما يكون وسيلة لسحب قيس سعيد من لسانه كما أعلن مراراً أن من حق المواطنين سحب الوكالة من منتخبيهم".
وأضاف البوعزيزي في حديث لـ"عربي بوست"، أن "ما أنجزته الثورة التونسية أنها أطلقت عنان المواطنة لمراقبة الحكام، وليس إبقاء الناس بين أن يكونوا جمهوراً يهتف أو جمهوراً خائفاً، وما يريده قيس سعيد هو أن يجد جمهوراً يهتف لقراراته وخطاباته".
وأكد الناشط السياسي التونسي أن الهدف الأعلى أمام هذا الحراك الذي دعا إليه "مواطنون ضد الانقلاب"، سقفه إسقاط الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي، والديمقراطية لا تُنسب لمشهد 24 يوليو/تموز الحاكم، فالديمقراطية تنسب لفعل المعارضة وتجاوز أزمة ما قبل 25 يوليو/تموز وما بعدها.
وفي تعليقه على التخويف من النزول إلى الشارع، اعتبر البوعزيزي أن "ما يقال سلطان غشوم خير من قتنة تدوم، هذا الفكر السلطاني المستبد الذي يرى أن حيوية الشارع فتنة ويرى أن الشارع ليس سوى وحدة صماء إما بمناشدة الحاكم أو بالتعبير عن الرضا عن قراراته، عندما نتحدث عن مجتمع نتحدث عن تعدد وتنوع ومصالح متضاربة، لا خوف من الاختلاف، لأنه تعبير عن حقيقة الأشياء، وكل من يحاول أن يقتل التعدد يقتل المجتمع ويؤدي إلى الانفجار".