في حدث غير مسبوق، اعترض نواب ديمقراطيون في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، 21 سبتمبر/أيلول 2021، على بند يمنح إسرائيل مليار دولار لشراء صواريخ اعتراضية لـ"القبة الحديدية"، ما أثار جدلاً واسعاً داخل الكونغرس الأمريكي، ويُنذر في الوقت نفسه بمعركة محتملة حول هذه المسألة التي تم تأجيل البت فيها. فماذا يعني ذلك؟ وكيف يؤثر هذا الحدث على الاتجاه السياسي الأمريكي بشكل عام نحو إسرائيل؟
عرقلة تمويل "القبة الحديدية".. كيف حدث ذلك؟
ألغى مجلس النواب الأمريكي بنداً يتعلق بتمويل القبة الحديدية الإسرائيلية بقيمة مليار دولار، من أجل الحفاظ على استمرار عمل الحكومة الفيدرالية حتى نهاية العام.
وبحسب وسائل إعلامية أمريكية، قدّم النواب الديمقراطيون وهم الأغلبية في المجلس، مشروع القانون في وقت سابق، اليوم الثلاثاء، مع اقتراح إلغاء تمويل القبة الحديدية الإسرائيلية والأموال المخصصة للإغاثة من الكوارث وإعادة توطين الأفغان، بما في ذلك 20 مليار دولار مخصصة للمتضررين من الأعاصير وحرائق الغابات، و6 مليارات دولار لعشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان.
وسحب أعضاء ديمقراطيون بمجلس النواب مشروع تمويل القبة الحديدية بعد ضغوط من عدد من أعضاء الكونغرس التقدميين، الذين هددوا بالتصويت ضد الميزانية إذا لم يتم إلغاء هذا البند، ما يمهد الطريق لمعركة محتملة حول هذه المسألة في وقت لاحق من هذا العام.
ومع ذلك، فمن المُتوقع الآن إضافة بند المُساعدة نفسه إلى قانون ميزانية الدفاع السنوية لوزارة الدفاع، التي سيتم التصويت عليها في مرحلة لاحقة، حتى تتمكن إسرائيل من تجديد نظام الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية"، حيث تنتج شركة ريثيون الأمريكية الكثير من مكونات القبة الحديدية.
ما ردود الفعل الداخلية الأمريكية على ذلك؟
على الفور، أدانت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي تسمى اختصاراً بـ"أيباك"، والتي تمثل ثقل اللوبي الإسرائيلي في الأروقة الأمريكية، خطوة الديمقراطيين بعرقلة هذا المشروع.
وانتقدت "أيباك" القرار بشدة في منشور على صفحتها الرسمية بفيسبوك، قائلة "إن منع ميزانية القبة الحديدية عن إسرائيل سيُساعد الإرهابيين في قتل المدنيين، وإن القبة، المنظومة الدفاعية، اعترضت أكثر من 90% من صواريخ حماس التي أطلقت على إسرائيل في مايو/أيار الماضي، ومن دونها كان عدد لا يحصى من الإسرائيليين سيقتلون".
من جهته، سارع زعيم الأقليّة الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي إلى اتّهام خصومه الديمقراطيين "بالإذعان لنفوذ نوابهم الراديكاليين المعادي للسامية"، وأضاف في تغريدة بحسابه على تويتر: "سحب الديمقراطيون للتو التمويل من القبة الحديدية، نظام الدفاع الصاروخي الذي أنقذ أرواحاً لا حصر لها في إسرائيل من هجمات حماس الصاروخية. بينما يستسلم الديمقراطيون للتأثير اللاسامي لأعضائهم الراديكاليين، سيقف الجمهوريون دائماً إلى جانب إسرائيل".
كما انتقد النائب الجمهوري تيد كروز النواب التقدميين الذين دعموا هذا القرار، قائلاً: "إنهم يكرهون إسرائيل، لدرجة أن الديمقراطيين يسحبون مليار دولار من تمويل القبة الحديدية، وهو نظام دفاعي بحت يحمي عدداً لا يُحصى من المدنيين الأبرياء من صواريخ حماس". وسأل: "هل سيكون لدى أي من الديمقراطيين الشجاعة للتنديد بهذا القرار؟".
وكان القادة الجمهوريون أعلنوا أنّهم لن يصوّتوا في مجلس الشيوخ لصالح مشروع القانون، الذي سحب منه تمويل القبة الحديدية، ويناقش مجلس النواب تشريعاً لتمويل الحكومة الاتحادية، حتى الثالث من ديسمبر/كانون الأول، ورفع حد الاقتراض في البلاد.
وأجبر هذا الخلاف لجنة القواعد في مجلس النواب على التأجيل لفترة وجيزة قبل أن يتعهد قادة لجنة المخصصات بإدراج تمويل النظام الإسرائيلي، في مشروع قانون للإنفاق الدفاعي في وقت لاحق من هذا العام. وقد يمهد ذلك الطريق لخلاف آخر حول المساعدات العسكرية لإسرائيل.
تعجّب في إسرائيل: "يجب أن نستيقظ"!
في المقابل، سارع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بعيد القرار، بالاتصال بزعيم الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي ستانلي هوير، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية حول المُحادثة بين الرجلين إن "هذا تأجيل فني ناتج عن نقاش في الكونغرس حول سقف عجز الميزانية الأمريكية"، مضيفة أن "زعيم الأغلبية جدّد التزامه والتزام البيت الأبيض ونانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، بما تعهدوا به للحكومة الإسرائيلية، أن ميزانية القبة الحديدية سيتم تحويلها قريباً.
فيما حمّل الوزير لابيد مسؤولية ما حدث للحكومة السابقة بقيادة بنيامين نتنياهو، قائلاً إنه "بعد سنوات أهملت فيها الحكومة السابقة الكونغرس والحزب الديمقراطي وألحقت ضرراً كبيراً بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية، فإننا اليوم نُعيد بناء علاقة ثقة مع الكونغرس، أشكر الإدارة الأمريكية والكونغرس على التزامهما الراسخ بأمن إسرائيل".
وأثارت العرقلة الديمقراطية لمشروع تمويل القبة الحديدية انتقادات واسعة في إسرائيل، إذ قال باراك رافيد، المعلق السياسي البارز في إسرائيل، إن إزالة بند "القبة الحديدية" من قانون الموازنة الأمريكية يعني تأخيراً كبيراً في نقل المساعدات الإضافية لإسرائيل، وهو حدث نادر أن لا يوافق الكونغرس الأمريكي على تقديم مُساعدات لإسرائيل لأغراض دفاعية.
ووصف رافيد المراسل أيضاً لموقع "واللا" العبري قرار الكونغرس بأنه "ضربة لتمويل الأمريكيين للقبة الحديدية"، مضيفاً: "هذا لا يعني أنها لن تتم الموافقة عليها، فهي خطوة ليست نهائية، لكن هذه خطوة غير عادية للغاية من جانب الديمقراطيين والجمهوريين الذين أسقطوا الخطوط العريضة المُتفق عليها مع البنتاغون، المؤسسة العسكرية لا تزال متفائلة، هذه ليست النهاية".
إلا أن رافيد استدرك حديثه بالقول إن "الاتجاه السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح مقلقاً للغاية، وفي إسرائيل يجب أن نستيقظ".
من جانبه، علق مراسل الشؤون العسكرية والأمنية في القناة 20 العبرية وصحيفة "ماكور ريشون"، نوعم أمير، على قرار الكونغرس بالقول: "ويل لنا إذا كانت اعتباراتنا الأمنية معلقة على المليار دولار أمريكي، يجب ملء مخزون صواريخ القبة الحديدية على الفور، ثم لاحقاً نصرف الشيك من الأمريكيين"، حسب تعبيره.
ماذا سيحصل الآن؟
في الوقت نفسه، أعرب بعض الديمقراطيين الوسطيين عن "أسفهم" للخطوة التي أقدم عليها زملاؤهم. وأعلن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي ستيني هوير أنّ المجلس سيصوّت "قبل نهاية الأسبوع" على مشروع قانون يتضمّن تمويلاً لمنظومة الدرع الصاروخية الإسرائيلية "القبّة الحديدية"، وذلك ردّاً على الجدل الحادّ الذي أثاره سحب الديمقراطيين هذا التمويل من مشروع قانون آخر.
وقال هوير أمام المجلس: "لقد تحدّثت إلى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد قبل ساعتين فقط، وأخبرته بأنّ هذا النصّ سيُقرّ في المجلس". وأكّد زعيم الأغلبية أنّه يعتزم أن يطرح "على التصويت قبل نهاية هذا الأسبوع مشروع قانون سيموّل بالكامل القبّة الحديدية"، مشدّداً على أنّ هذه المنظومة "دفاعية" و"أساسية تماماً" لأمن إسرائيل.
وأوضح أنّه سيستخدم لإقرار هذا النصّ آلية معجّلة تقضي بأن تتمّ الموافقة عليه بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين، أو بتصويت شفهي بالإجماع. وبعد إقراره في مجلس النواب يتعيّن على مجلس الشيوخ إقرار النصّ بدوره، كي يحال إلى الرئيس جو بايدن لتوقيعه ونشره قانوناً نافذاً. وأكّد هوير أنّ "الرئيس يريد أن تتمّ الموافقة على هذا النصّ"، حسب تعبيره.
من جهته قال النائب الديمقراطي التقدمي جمال بومان إن أعضاء مجلس النواب لم يُتح لهم الوقت الكافي للنظر في الأمر، وقال بومان للصحفيين "المشكلة هي أن القيادة تُلقي بشيء ما على طاولتنا، وتعطينا حوالي خمس دقائق لنقرر ما سنفعله، ثم نحاول المضي قدماً في ذلك".
لكن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يزال يثير الجدل وتل أبيب قلقة من تراجع نفوذها بين الديمقراطيين
قدمت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 1.6 مليار دولار لإسرائيل لتطوير وبناء نظام القبة الحديدية، وفقاً لتقرير هيئة أبحاث الكونغرس الأمريكي العام الماضي. وهذا يعكس الدعم القوي الدائم لإسرائيل بين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
واعترض بعض الديمقراطيين الليبراليين على هذه السياسة هذا العام، مستشهدين بسقوط ضحايا فلسطينيين عندما شنت إسرائيل حرباً على فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، في مايو/أيار الماضي. وقالت إسرائيل إن معظم الصواريخ البالغ عددها 4350 صاروخاً، والتي أطلقت من غزة خلال الصراع، جرى اعتراضها وتدميرها في الجو بواسطة نظام القبة الحديدية.
والعام الماضي، منحت واشنطن إسرائيل مساعدات مالية تبلغ 3.8 مليار دولار، كجزء من التزام سنوي طويل الأمد، ضمن اتفاق وقّعه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، عام 2016، ويمنح تل أبيب حزمة مساعدات تبلغ 38 مليار دولار خلال 10 سنوات، تخصص كلها لأغراض عسكرية.
وكانت عضو الكونغرس الأمريكي إلهان عمر، قد حذرت بايدن في مايو/أيار الماضي، من تداعيات صفقة أسلحة أبرمتها الإدارة حينها مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، قائلة إنها "ستُعتبر ضوءاً أخضر للتصعيد"، حيث جاءت بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقالت عمر في بيان حينها: "يجب على الولايات المتحدة ألا تقف مكتوفة الأيدي بينما تُرتكب جرائم ضد الإنسانية بدعم منا"، وأضافت أن "العنف في إسرائيل وقطاع غزة يخرج عن السيطرة، والزعيم الإسرائيلي اليميني المتطرف (بنيامين نتنياهو) مسؤول وحده عما لا يقل عن 1505 ضحايا في غزة، من بينهم 200 وفاة، 59 منهم أطفال".
وخلال السنوات الأخيرة، حذرت مؤسسات أمريكية داعمة لإسرائيل من تراجع النفوذ الإسرائيلي على السياسة الأمريكية، وخصيصاً داخل الحزب الديمقراطي.
وحذرت منظمة Pro-Israel America، وهي لجنة عمل سياسية أطلقها مسؤولون سابقون في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، من أن الانتخابات التي أجريت العام الماضي، داخل الحزب الديمقراطي، المؤهلة لانتخابات الكونغرس، أظهرت ضآلة أو تراجع نفوذ أنصار إسرائيل على الناخبين الأمريكيين، لاسيما الديمقراطيين.
فبالرغم من إنفاق الأيباك الأموال الطائلة على حملات المرشحين الداعمين لإسرائيل أمام منافسيهم التقدميين، فإن الأخيرين نجحوا في الإطاحة ببعض أنصار إسرائيل المؤثرين داخل الحزب.
حيث أورد تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، العام الماضي، قصة إنفاق منظمة "أغلبية ديمقراطية من أجل إسرائيل"- وهي لجنة عمل سياسية أخرى مرتبطة بأيباك- مليوني دولار لمساعدة النائب الديمقراطي الداعم لإسرائيل إليوت إنغل، بالحفاظ على مقعده في المجلس، أمام المرشح التقدمي جمال بومان، إلا أن بومان هزم إنغل في النهاية، في مفاجأة مذهلة، ليزيحه بعد ثلاثة عقود قضاها في هذا المجلس.
ووصف الموقع الأمريكي أن ذلك الحدث مثّل نصراً هائلاً للحركة التقدمية داخل الحزب الديمقراطي في العموم، وضربة للسياسات المؤيدة لإسرائيل بلا حساب على وجه الخصوص.
ولا تمثل هذه الإشارات مجرد ضربة لسياسات الصقور الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل، بل تمثل كذلك إشارة على أن التعبير عن دعم حقوق الإنسان للفلسطينيين والضغط لتغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل- بما في ذلك جعل المساعدات مشروطة بل ودعم المقاطعة- لم تعد تشكل عيباً أو عائقاً بالنسبة للمرشحين والنواب الديمقراطيين.