الموضة المحتشمة تشهد رواجاً حتى في الغرب، ولكن هل تستطيع الصمود أمام العداء للحجاب؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/09/19 الساعة 18:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/19 الساعة 18:25 بتوقيت غرينتش
فتاة محجبة - /رصورة تعبيرية_رويترز

تطوف امرأة باهرة المظهر بعباءة سوداء مرصعة بالجواهر عبر حديقة مشذبة، لتلفت أنظار حشد ساحر، وفي الخلفية امرأة تعزف موسيقى هادئة على بيانو كبير، لا يختلف هذا الحدث إلى حد كبيرعن أية فعالية أخرى قد تشاهدها خلال أسبوع الموضة، ولكن الفارق الرئيس أن المرأة ترتدي الحجاب "التربون".

في هذا الحدث، الذي أقيم في إسطنبول، لا وجود للشمبانيا، والملابس الكاشفة. والشركة المستضيفة لهذا الحدث، Modanisa، هي علامة تجارية لـ"الأزياء المحتشمة"، وهي جزء من قطاع سريع النمو يخدم النساء المسلمات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.

وبعدما كانت الملابس المحتشمة في يوم من الأيام سوقاً منسية، بدأت تزداد القوة الشرائية للمسلمين المحافظين في بلدان مثل تركيا، حيث كانت النخبة علمانية في العادة. وتزامناً مع رواج تطبيق إنستغرام، فقد حوّلت تركيا الموضة المحتشمة إلى صناعة يُتوقَع أن تبلغ قيمتها 400 مليار دولار عالمياً بحلول عام 2024، أي ضعف ما كانت عليه في عام 2014. وإلى جانب وجود تركيا في مركز هذه الصناعة، هناك أيضاً المملكة المتحدة، مقر العديد من المصممين والمستهلكين.

صناعة الموضة المحتشمة تتوسع

وتُروِّج Modanisa للعلامات التجارية المحتشمة من جميع أنحاء العالم عبر منصتها الإلكترونية وتنظم فعاليات أسبوع الموضة المحتشمة في لندن وإسطنبول والإمارات العربية المتحدة. وقد انطلقت المنصة من إسطنبول عام 2011 برأسمال ابتدائي قيمته 500 ألف دولار، وتحقق أرباحاً منذ عام 2018. وفي مايو/أيار 2019 اجتذبت استثماراً بقيمة 15 مليون دولار من مصرف Goldman Sachs الأمريكي وشركة ومضة الإماراتية. وصارت اليوم رابع أكبر بائع تجزئة عبر الإنترنت في تركيا، إذ تبيع أكثر من ألف علامة أزياء تجارية عبر موقعها الإلكتروني، بدايةً من الملابس الرياضية المحتشمة إلى المنتجات الراقية.

وفي عام 2015 بدأت أيضاً في التوسع في الخارج. وتمثل المملكة المتحدة واحدة من أهم أسواق Modanisa، حيث ارتفعت المبيعات خلال شهر رمضان والعيد بنسبة 70% هذا العام عن العام الماضي.

وقال كريم توري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Modanisa: "كان أول سوق مستهدف خارجي لنا هو الأتراك في ألمانيا. لكننا أدركنا بعد ذلك أنَّ هناك العديد من النساء الأخريات لهن نفس الاحتياجات. ورأينا أن هناك سوقاً واضحة في المملكة المتحدة".

مواقع التواصل الاجتماعي تغيرها

وأضاف توري: "على الشبكات الاجتماعية، بدأنا الأمر على فيسبوك. كان للنساء المسلمات أسلوب أناقة خاص بهن وبمدنهن وبلدانهن، لكن مع فيسبوك ثم إنستغرام، بدأن في رؤية ما يرتديه الآخرون في جميع أنحاء العالم. وكانت Modanisa محظوظة بما يكفي للاطلاع على ذلك. نحصل على وجهات نظر رائعة من المؤثرين".

وبإلقاء نظرة على صفحات المؤثرين البسيطين على إنستغرام، أو نظرة سريعة على حدث Modanisa، يتضح مدى التنوع الذي أصبحت عليه الأزياء المحتشمة؛ إذ لم تعد المرأة المسلمة مقيدة بالملابس السوداء الفضفاضة أو الحجاب ذي المقاس الموحد للجميع. 

فقد صار بعضهن يرتدي "التربون"، والبعض الآخر أوشحة فضفاضة، فيما تفضل أخريات مظهراً أكثر تقليدية يغطي الشعر والرقبة والأكتاف. إضافة إلى ذلك، هناك بدلات أنيقة من بنطلونات، وسترات مُفصّلة، وأردية من الأقمشة الفخمة.

شخصيات شهيرة تتحول إلى رموز للموضة المحتشمة

بالإضافة إلى إمكانات صناعة أرباح، تجذب الأزياء المحتشمة نفوذاً من شخصيات شهيرة. وكانت حليمة عدن، أول عارضة أزياء محجبة في العالم تظهر على منصات عرض لعلامات تجارية مثل Dolce & Gabbana و Max Mara، ولقد صدمت صناعة الأزياء عندما استقالت في نوفمبر/تشرين الثاني، قائلة إنها لا تستطيع التوفيق بين عالم الموضة وعقيدتها. 

ثم هذا الأسبوع، أعلنت حليمة، البالغة من العمر 23 عاماً، عن عودتها إلى عالم الموضة بصفتها سفيرة عالمية للعلامة التجارية Modanisa، وهي واحدة من سلسلة علاقات تعاون تعقدها حليمة مع بيوت الأزياء المحتشمة.

واكتسبت حليمة عدن، الأمريكية من أصل صومالي، شهرتها وهي ترتدي البوركيني للعلامة التجارية Modanisa في مسابقة ملكة جمال مينيسوتا. وخلال فترة عملها في الأزياء الراقية، تعرضت لانتقادات من المسلمين المحافظين، الذين اتهموها بخيانة عقيدتها، وكذلك من غير المسلمين، الذين اعتقدوا أنه ليس لها مكان على المنصة. 

وقالت: "كان الحفاظ على التوازن بينهما صعباً".

الأمر كان مستحيلاً قبل سنوات.. لا تغيرن أنفسكن بل قواعد اللعبة

وفي جلسة الأسئلة والأجوبة التي أجرتها مع الجمهور في Modanisa، كان من الواضح أنَّ العديد من النساء في الجمهور شعرن بضغوط مماثلة. وقالت إحداهن إنها تعيش في واشنطن وتتعرض لمضايقات معادية للإسلام أسبوعياً. وقالت أخرى إنَّ قرار حليمة عدن بالتخلي عن الموضة السائدة منحها الشجاعة لارتداء حجابها بأسلوب أكثر تقليدية.

وكانت ردود فعل حليمة مثيرة للحماس. وقالت: "الموضة بحاجة إلينا نحن النساء المسلمات، وليس العكس. رسالتي هي: لا تغيرن أنفسكن بل غيّرن اللعبة".

الحجاب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زوجته أمينة أردوغان/رويترز

ربما يكون من المستحيل، حتى في دولة ذات غالبية مسلمة مثل تركيا، أن تكون علامة تجارية مثل Modanisa بعيدة عن السياسية. بعد الانقلاب العسكري عام 1997، الذي أطاح بالمرشد السياسي للرئيس أردوغان، نجم الدين أربكان، مُنِعَت النساء اللواتي يرتدين الحجاب من الحصول على وظائف في الدولة والالتحاق بالجامعات. ثم ألغى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ بزعامة الرئيس أردوغان، هذا القانون في العقد الماضي، وأصبح من الشائع الآن رؤية نساء محجبات يعملن ضابطات شرطة وموظفات في جهاز الدولة ومعلمات في تركيا.

وتُعَد زوجة الرئيس أردوغان، أمينة، البالغة من العمر 66 عاماً، الأبرز بين فئة جديدة من النساء المحجبات التركيات اللواتي يرتدين أزياء محتشمة من بيوت الأزياء الأوروبية الشهيرة.

فوبيا الحجاب تخفت في تركيا ويشتعل في أوروبا

وفي الوقت الذي صارت فيه الحياة أسهل بالنسبة للنساء المتدينات في تركيا، تزداد صعوبة في أوروبا. 

فقد حظرت فرنسا ارتداء البوركيني، الذي ارتدته حليمة عدن ذات مرة على غلاف مجلة Sports Illustrated الأمريكية. وفي يوليو/تموز، أيدت محكمة العدل الأوروبية حكماً يقضي بأنَّ الشركات يحق لها منع النساء من ارتداء الحجاب- أو أي رمز ديني آخر- في مكان العمل، بناءً على "مبرر حاجة صاحب العمل إلى تقديم نفسه بطريقة محايدة للعملاء أو لمنع الصراعات الاجتماعية".

من جانبها، أطلقت Modanisa حملة ضد هذا الحكم، وهي خطوة أصر كريم توري، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، على أنها "ليست لأغراض تجارية؛ بل الأمر يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة. ترك المرأة المسلمة بدون اختيارات أزياء لم يكن عادلاً، كما أنه ليس من العدل تصنيف شخص ما بسبب لباسه. هذا هو مجتمعنا، ونحن جزء منه".

تحميل المزيد