يعود استخدام أحجار النرد التي نعرفها في الوقت الحالي إلى فترات وأماكن مختلفة، فهي ليست حديثة العهد كما يظن البعض، بل عرفتها جميع الحضارات القديمة تقريباً، واستخدمتها في الكثير من الأشياء، بدءاً من أمور التنجيم وصولاً إلى ألعاب الطاولة الحديثة، وهو الأمر الذي يجعل الأصول الحقيقية لنشأة النرد غير معروفة على وجه الدقة.
عندما يفكر معظم الناس في أحجار النرد يتصورون عموماً مكعباً أبيض من 6 جوانب، يحتوي على نقطة واحدة إلى 6 نقاط سوداء على كل جانب، لكن هذا لم يكن دائماً قالب النرد السائد.
النرد عبر التاريخ.. صنع من العصي والأحجار وعظام المفاصل
وكشفت إحدى الدراسات التي أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا في ديفيس والمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، ونشرتها المجلة الأكاديمية Acta Archaeologica في العام 2018، أنَّ أحجار النرد لم تكن دائماً بهذا الشكل الذي تبدو عليه الآن، علاوة على أنّ تلك التحولات في الشكل تعكس طريقة تعامل الناس معها على حسب الزمان والمكان.
وقال جيلمر إركينز، عالِم الآثار في جامعة كاليفورنيا، الذي قاد الدراسة: "عُثر على النرد في جميع أنحاء أوروبا، ومع ذلك لم يُوثق بشكل جيد".
وأضاف، وفقاً لموقع The Atlantic، أنّه قام في الدراسة بتصوير وقياس حجم نحو 200 حجر نرد، وأنّ الأحجار لم تكن مكعبات دائماً، أحياناً أكثر تسطحاً وأحياناً أكثر طولاً، ما يجعل احتمالية سقوطها على بعض الأوجه أكثر من الأوجه الأخرى.
من جهته، يقول عالم الآثار أولريش شيدلر، مدير المتحف السويسري للألعاب: "غالباً ما كان النرد القديم يُصنَع من العصي أو الصدف أو البذور، وكان معظمها ذا وجهين، مع جانب واحد مسطح والآخر مستدير، وفي بعض الأحيان يُزيَّن الجانبان بالطلاء أو المنحوتات لمزيد من التمييز بينهما".
وأضاف وفقاً لموقع HowStuffWorks الأمريكي، أنَّ الزهر ذو الوجهين كان مستخدماً على نطاق واسع من قِبل الشعوب القديمة في جميع أنحاء العالم، من الأزتيك إلى البولينيزيين الأصليين، كما لا تزال بعض الثقافات الحديثة، مثل شعب نافاجو المقيم جنوب غرب الولايات المتحدة تستخدمها في الألعاب التقليدية.
ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد، استُخدِمَت عظام الكاحل أو المفاصل، المأخوذة من الكاحل الخلفي للأغنام أو الماعز أو الغزلان أو الحصان أو أي حيوان ثديي كبير الحجم، كنرد من أربعة جوانب في العديد من الحضارات، بما في ذلك السكان الأصليون الأمريكيون، والإغريق القدماء.
وفي العصور الرومانية القديمة، سُمي كل جانب من الجوانب الأربعة باسم يتوافق مع الشكل المرسوم عليه: البطن والظهر والأذن والنسر.
ولم يكن رمي النرد المصنوع من عظام المفصل عملية عشوائية؛ إذ إنَّ جانبي البطن والظهر أوسع بكثير من الجانبين الآخرين، وبالتالي فرصهما في الظهور أعلى، ومن ثم، وضع الرومان القدماء نظام النقاط وفقاً لذلك.
ومُنِحَت الجوانب العريضة 3 و4 نقاط، بينما استحوذت الأذن والنسر على 6 نقاط ونقطة واحدة على التوالي.
متى تحولت أحجار النرد إلى شكل المكعب
يعود أقدم نرد مكعب معروف إلى حوالي 2500 قبل الميلاد. ويأتي من وادي السند، الذي يمتد على مساحة كبيرة من العراق الحالي، بالإضافة إلى أجزاء من أفغانستان وباكستان وشمال الهند.
ولم يتأكد العلماء تماماً، ما دفع الناس إلى استخدام شكل سداسي الجوانب، لكنهم يتوقعون أنه ربما كانت له علاقة بإضافة العشوائية إلى النرد، إذ يحتوي المكعب على تكوينات أكثر من شكل رباعي الجوانب، الذي بدوره له تكوينات أكثر من العصا ذات الوجهين.
وصُنِع النرد المكعب في وقت مبكر من الطين أو العظام، ثم نُحِتت النماذج اللاحقة من الرخام أو المعدن أو حتى العنبر.
رغم أنَّ هذه النرد القديمة كانت مكعبات واضحة الشكل، لكنها لا تزال تختلف عن النرد الحديث، إذ تصنع جميع أحجار النرد اليوم بـ6 أطراف متقابلة، لكن الكثير من النرد القديم لم يحمل هذا التشكيل.
على سبيل المثال، الترتيب الشائع ما قبل العصور الوسطى تمثّل في وضع 1 مقابل 2، و3 مقابل 4، و5 ضد 6.
في حين يمثل ترتيب أحجار النرد في يومنا الحالي بوضع 1 يقابل 6 و2 يقابل 5 و3 يقابل 4.
ووفقاً لما ذكره موقع ScienceAlert فقد يكون توحيد سمات النرد اليوم بموازنة فرض الاحتمالات، مثل التناظر وترتيب الأرقام، إحدى الطرق لتقليل احتمالية أن يكون لاعب عديم الضمير قد تلاعب بالنرد لتغيير احتمالات رمية معينة وفقاً لما ذكره.
التنجيم وقراءة المستقبل عن طريق رمي أحجار النرد
بالطبع لم يُصنَع النرد القديم من أجل المتعة والألعاب فقط، بل كان له في بعض الحضارات هدف أكثر جدية، وهو التنبؤ بالمستقبل، خاصة عند الرومان، الذين اعتقدوا أنه من الممكن التنبؤ بإرادة الآلهة من خلال هذه الأحجار.
كانت عادة التنبؤ بالمستقبل تدعى Astragalomance "استراغالومانسي"، وكانت لها أحجار تختلف بشكل بسيط عن أحجار النرد الحالية، لأنها مصنوعة من عظام المفاصل، وقد اعتادوا على رميها لتحديد ما إذا كان المستقبل سيكون سعيداً أم لا.
كما يعتقد موقع Free Horoscope أنّ السحرة الأفارقة لا يزالون يستخدمون عادة الاستبصار هذه، لاعتقادهم أنها تُمكنهم من التنبؤ بالمستقبل.
ومن ثم ظهرت النرد المرقمة، التي سمحت بالحصول على تفسير أفضل للتنبؤات، إذ تمت مقارنة الأرقام بالحروف، الأمر الذي مكَّنهم من تفسير ما يعتقدون أنه رسائل تنبؤ.
الرقم 1 يمثل الحرف A.
الرقم 2 يمثل E.
الرقم 3 يمثل I.
الرقم 4 يمثل O.
الرقم 5 يمثل U.
الرقم 6 يمثل B وP وV.
الرقم 7 يمثل C ، K وQ.
الرقم 8 يمثل D وT.
الرقم 9 يمثل F وS وX وZ.
الرقم 10 يمثل G وJ.
الرقم 11 يمثل L وM وN.
الرقم 12 يمثل R.
المصريون القدماء استخدموا نرداً بـ20 وجهاً
نشرت الباحثة مارتينا ميناس نيربل مقالاً في العام 2007 في مجلة علم الآثار المصرية، وصفت فيه اكتشاف نرد فريد مكون من 20 وجهاً من واحة الداخلة.
وأضاف المقال أنّ تاريخ هذا النرد يعود إلى القرن الأول الميلادي، والذي يتميز بأنه لم يكن منقوشاً عليه الوجوه المعروفة في مصر اليونانية والرومانية، وإنما 20 اسم إله مصري بالكتابة الديموطيقية.
ولذلك يعتقد أنّ استخدام أحجار النرد هذه لدى المصريين القدماء كانت من أجل تحديد الإله، الذي من شأنه أن يساعد الشخص مقدم الالتماس.