لم يغادر بعدُ حزب العدالة والتنمية دائرةَ الصدمة التي فجعته عقب نتائج الانتخابات الأخيرة، حتى استفاق أعضاء الحزب والمتعاطفون معه على وقْع سعي عددٍ من قادة الحزب إلى الانشقاق وتأسيس حزب جديد، كما لم يتأخر ظهور "التيارات" داخله، مع ميلاد "تيار استعادة المبادرة".
وكان حزب العدالة والتنمية قد مُني بهزيمة غير متوقعة، إذ حصل على 13 مقعداً في الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب في 8 سبتمبر/أيلول 2021، بينما حصل في 2016 على 125 مقعداً، وتراجع إلى المرتبة الثامنة في ترتيب الأحزاب، عندما كان يتسيد المشهد الحزبي لعشر سنوات.
نواة الانشقاق.. من يريد حزباً جديداً؟
وعلم "عربي بوست" من مصادر متطابقة، أن عدداً من قادة الصف الأول والثاني في حزب العدالة والتنمية، بعد نتيجة الانتخابات البرلمانية والجهوية والتشريعية، فتحوا نقاشات بشأن مستقبلهم السياسي، سواء داخل الحزب أو خارجه.
وكشفت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، عن وزيرين وصفتهما بقائدي هذه العملية، الأول هو عزيز رباح وزير الطاقة والمعادن والبيئة، عضو الأمانة العامة، والرئيس السابق لمجلس مدينة القنيطرة (شمال الرباط)، الذي يعد واحداً من المسؤولين السابقين داخل شبيبة العدالة والتنمية.
وزادت بأن الشخصية الثانية هو عبد القادر عمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، الذي يشغل منصب المسؤول المالي داخل حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى عضويته في الأمانة العامة للحزب، والذي عمّر في هذا المنصب المالي سنوات طويلة.
وأوضحت المصادر ذاتها أن القياديين رباح وعمارة، يعملان على الموضوع منذ فترة غير قريبة، وأنهما عمّقا من خلال مسؤولياتهما داخل الحكومة علاقاتهما مع أعضاء الحزب الذين كانوا يرأسون الجماعات الترابية في المرحلة السابقة.
وأفادوا أن رباح وعمارة ليسا وحدهما في هذا التحرك، بل انضم إليهما وزراء آخرون يعملون في الخفاء، من قبيل محمد يتيم، وزير التشغيل الأسبق وعضو الأمانة العامة، ومحمد أمكراز، وزير الشغل في حكومة سعد الدين العثماني المنتهية ولايتها.
مصادر قيادية في الحزب أعربت لـ"عربي بوست" عن استغرابها تورط مسؤولين آخرين مع عزيز رباح في هذا الأمر، خاصة أن الأخير دخل في خصومة شديدة مع عبد الإله بن كيران، الذي يتوعد بإبعاد رباح في حال عودته إلى الحزب.
واعتبرت المصادر ذاتها أن رباح لم يكن على خلاف مع بن كيران فقط، بل دخل قبل فترة من الزمن في صراع مع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والمجتمع المدني والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، وكان ذلك من الأسباب التي دفعت الأخير إلى الاستقالة من الحزب.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن ما يقوم به الرباح أكبر من مجرد نقاش حول مستقبل الحزب، أو حتى البحث عن تأسيس حزب جديد، بل هو أقرب إلى المؤامرة التي تستهدف الحزب الذي نشأ فيه واكتسب وضعه في المجتمع والدولة.
خرج من المجهول.. تيار جديد لـ"استعادة المبادرة"
وانتشرت ليل الإثنين الماضي، وثيقة تمثل "تيار استعادة المبادرة"، خرجت من المجهول، أُعلن من خلالها عن رفض قرار الأمانة العامة للحزب التموقع في المعارضة، داعية إلى إرجاء هذه الأمر إلى المؤتمر الاستثنائي المقبل.
ووصفت الوثيقة، التي تأكَّد "عربي بوست" من صحتها وحصل على نسخة منها، ما وقع في الانتخابات التشريعية ليوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري، بـ"النتائج الصادمة والقاسية التي لا تنسجم مع المسار الطبيعي والمنطقي لحزب بحجم العدالة والتنمية".
ودعا تيار "استعادة المبادرة"، المنتشر عبر المملكة، إلى إعادة بناء هياكل الحزب ومؤسساته وفق الآليات الديمقراطية والمشاركة الواسعة، بعيداً عن أي تخندق أو اصطفاف.
وحمل تيار "استعادة المبادرة" الحزب مسؤولية ما جرى، فالذي انتكس في الانتخابات ليس حزب العدالة والتنمية، وإنما مواقف وتنازلات قيادته الحالية التي دفعت أغلب المناضلين والمتعاطفين إلى وضع مسافة مع هذه التجربة.
وتواصل "عربي بوست" مع أحد المشاركين في صياغة بلاغ التيار، الذي أكد أن الهدف منه هو فتح نقاش حقيقي داخل الحزب، من أجل الوقوف على حجم الانحدار الذي أصاب التنظيم، بسبب سياسات القيادة الحالية التي أوصلته إلى الحائط.
وتابع المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن القيادة الحالية أوصلته إلى القاع السياسي، وهو الأمر الذي كان أغلب الأعضاء والمتعاطفين يحذرون منه، لكن كلامهم لم يكن يروق لهذه القيادة.
وأفاد المصدر ذاته أن الواجب اليوم هو محاسبة هذه القيادة على ما اقترفته بحق الحزب وبحق المواطنين المغاربة، وطبعاً هذا لن يتم دون أن يُفتح نقاش واسع داخل الحزب وفي محيطه، من أجل عدم تكرار هذه التجربة.
واعتبر المتحدث أن أي حديث عن مشاركة هذه القيادة في نقاش المستقبل سيكون مضيعة للوقت، والتفافاً على حق المحاسبة وتحمل المسؤولية أمام المناضلين والمواطنين.
جولات العثماني بعد الهزيمة
ورغم أن الأمانة العامة للحزب قدمت استقالتها، فإنها لا تزال تواصل عملها، وفي هذا الاتجاه علم "عربي بوست" أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، شرع في سلسلة لقاءات مع عدد من المسؤولين الحزبيين في الجهات والأقاليم والمدن.
وكشفت المصادر ذاتها أن العثماني حرص في هذه اللقاءات على تقديم روايته لما جرى في الانتخابات، من خلال التركيز على العوامل الخارجية التي أثرت في النتائج النهائية للاستحقاقات التشريعية والجهوية والجماعية.
وتابعت المصادر ذاتها، أن العثماني سمع في ذات اللقاءات نقداً كبيراً من طرف مسؤولي الحزب، الذين حمّلوه والأمانة العامة مسؤولية الاندحار الانتخابي بسبب السياسات التي تم تبنيها في المرحلة الماضية.
وكشفت المصادر ذاتها أن العثماني كان حريصاً في اللقاءات ذاتها على تحذير الإخوان من المخاطر التي تحيط بالحزب، كما دعا إلى الاتحاد والاعتصام بالحزب، حتى لا يساعد أبناؤه خصومه في الانقضاض عليه.
هذا ويستعد العدالة والتنمية لعقد دورة استثنائية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب) يومي السبت 18 والأحد 19 أيلول/سبتمبر 2021 بطريقة افتراضية، لمناقشة تطورات الأوضاع السياسية في الحزب والبلاد.