إشارات ورسائل عديدة حملتها زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران، خصوصاً مع ما وصف بأنه إصرار منه على إتمام هذه الزيارة في هذا التوقيت بالذات، قبل إجراء الانتخابات العراقية.
وزار الكاظمي، الأحد 12 سبتمبر/أيلول 2021، إيران، في زيارة رسمية، تم الإعلان عنها بشكل مفاجئ، بعد انتهاء قمة مؤتمر بغداد نهاية الشهر الماضي.
وتأتي زيارة الكاظمي إلى طهران في وقت بالغ الأهمية والحساسية، فالعراق على أعتاب انتخابات برلمانية، سيتم إجراؤها في غضون أسابيع، وبالتحديد في 10 أكتوبر/تشرين الأول القادم، ويشاع أن رئيس الوزراء الكاظمي، الذي تولى منصبه في مايو/أيار 2020، يطمح لتولي ولاية ثانية.
مصادر خاصة كشفت لـ"عربي بوست" ما دار في كواليس هذه الزيارة، وما تم الاتفاق عليه.
توقيت الزيارة كان خطأ
جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى طهران، قبيل الانتخابات البرلمانية العراقية، محملة بالكثير من الإشارات والرسائل التي تم تفسير أغلبها داخل العراق بأنها محاولة من رئيس الوزراء للحصول على الدعم الإيراني، لتولي فترة ثانية لرئاسة الوزراء.
يقول مصدر مقرب من مصطفى الكاظمي، وكان أحد المرافقين له في هذه الزيارة، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية المسألة: "اتخذ الكاظمي قرار زيارة العراق بنفسه، دون مشاورة أحد من المقربين منه أو مستشاريه".
وأضاف المصدر أن "التوقيت كان خطأ، وخطأ كبير بالطبع، فالكل داخل وخارج العراق فسر الزيارة على أنها محاولة للحصول على الدعم الإيراني قبل الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول، لقد قلنا له هذا الأمر، وقلنا له أيضاً ما فائدة الزيارة، إذا كانت هناك أمور ضرورية يكفي الاتصال بالمسؤولين في طهران، لكنه رفض".
في نفس الوقت، وصف أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء الزيارة بأنها مهمة، فقال لـ"عربي بوست" إن هناك العديد من القضايا المشتركة التي كان يجب مناقشتها مع الإدارة الإيرانية الجديدة، وهو ما فسره البعض بأنه يدور حول الانتخابات، "الكاظمي صرح مراراً بأنه لن يرشح نفسه في الانتخابات المقبلة".
لقاء الكاظمي بالرئيس الإيراني الجديد
فور وصول الكاظمي إلى العاصمة الإيرانية كان في استقباله الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً، إبراهيم رئيسي، وأجرى أول لقاءاته معه.
ويعتبر الكاظمي أول مسؤول إقليمي يزور ويلتقي بالرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي.
يقول مصدر من الجانب الإيراني مطلع على سير الاجتماع بين الكاظمي ورئيسي لـ"عربي بوست" إن "الاجتماع بين رئيسي والكاظمي كان اقتصادياً بالدرجة الأولى، فجاء الكاظمي ومعه وفد اقتصادي وسياسي رفيع المستوى لمناقشة العديد من القضايا العالقة بين الدولتين".
وبحسب المصدر ذاته، فإن الكاظمي ناقش مع رئيسي مسألة تسوية الديون العراقية لإيران، التي بسبب تراكمها أوقفت إيران إمداد العراق بالطاقة والكهرباء، وبلغت قيمة هذه الديون العراقية المستحقة للجمهورية الإسلامية حوالي ستة مليارات دولار، لم تسددها بغداد إلى الآن، بحسب المصدر الإيراني.
كما أضاف المصدر أنه نوقشت مسألة الربط السككي، وهو المشروع الذي طرحته إيران على العراق، موضحاً: "كانت هناك شكوك من الجانب الإيراني في جدية الكاظمي للموافقة على هذا المشروع الكبير، لأنه حتى الآن لم يعط موافقة صريحة على الأمر".
الجدير بالذكر أن مشروع الربط السككي بين إيران والعراق كان من المفترض أن يتم البدء به منذ شهر يوليو/تموز الماضي، والذى من شأنه أن يربط مدينة الشلامجة الإيرانية بمدينة البصرة العراقية، لربط العراق بميناء "الإمام الخميني"، الواقع على الجانب الإيراني، من مياه الخليج، مع ميناء اللاذقية السوري فى البحر الأبيض المتوسط.
وقال مصدر مقرب من الكاظمي لـ"عربي بوست": "كان قد وافق الكاظمي على الأمر بشكل شفهي ومبدئي، لكن أمر التنفيذ تعطل بسبب تأثير الربط السككي على ميناء الفاو".
وبحسب المصدر ذاته، فإن هذا المشروع المقترح من الجانب الإيراني سيؤثر بشكل سلبي على ميناء الفاو، الذي يتم استخدامه لدخول الواردات إلى العراق، ويوفر الكثير من فرص العمل للشباب، ولكن لو تم استكمال مشروع الربط السككي، ستذهب السفن والبواخر التجارية إلى الموانئ الإيرانية في البداية، ثم تأتي بضائعها إلى العراق، مما يؤثر على زيادة الأسعار في العراق.
تردد الكاظمي في الموافقة الكاملة على هذا المشروع أثار حفيظة المسؤولين الإيرانيين، فيقول مصدر في الحكومة الإيرانية مطلع على اجتماع إبراهيم رئيسي بالكاظمي، لـ"عربي بوست"، إن تردد الكاظمي نابع من رغبته في إتمام مشروع الشام الجديد مع الأردن ومصر.
لكن بعد الاجتماع الأخير بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس الإيراني، يبدو أن هذا الخلاف آخذ في التلاشي، فيقول المصدر الحكومي من الجانب الإيراني لـ"عربي بوست"، إنه تمت تسوية الأمر، وسيتم العمل على مشروع الربط السككي بين إيران والعراق والانتهاء منه في أقرب وقت.
واكتفى المصدر بالتأكيد على حل الخلاف، دون الخوض في تفاصيل مسألة مشروع الشام الجديد بين العراق والأردن ومصر.
العلاقات الإيرانية السعودية الأمريكية
اجتمع رئيس الوزراء العراقي، في زيارته الأخيرة للعاصمة الإيرانية طهران، بعدد من المسؤولين الأمنيين الإيرانيين، وعلى رأسهم الجنرال علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
يقول مصدر أمني من الجانب الإيراني، مطلع على هذا اللقاء، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخول له التحدث لوسائل الإعلام: "ناقش السيد شمخاني وضيفه العراقي الكاظمي عدة ملفات أمنية مشتركة بين البلدين، كان على رأسها استمرار المفاوضات الإيرانية-السعودية، ومحاولة تجنب مصادمة مباشرة بين واشنطن وطهران".
وبحسب المصدر ذاته، فإن ملف المحادثات بين إيران والسعودية اللتين أقامتا عدة جولات سابقة من الحوار، في العاصمة العراقية بغداد، برعاية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وكانت قد توقفت لحين تسلم الإدارة الجديدة السلطة في إيران، ستكون هذه المسألة في يد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأكملها.
ففي عهد إدارة الرئيس السابق حسن روحاني، التي شاركت في المحادثات قبيل تسليمها الإدارة، كان الأمر مشتركاً بين الجهات الأمنية الإيرانية ووزارة الخارجية بقياد الدبلوماسي الإيراني السابق، محمد جواد ظريف.
يقل المصدر الأمني الإيراني لـ"عربي بوست"، إن "شمخاني والكاظمي اتفقا على إقامة الجولة الجديدة من المحادثات الإيرانية-السعودية، خلال الأسابيع القادمة، كما جرى تنسيق بين القادة الأمنيين الإيرانيين والكاظمي، للقاء غير مباشر مع مسؤولين أمريكيين".
وبحسب المصدر الأمني من الجانب الإيراني، فإنه من المحتمل أن يقوم رئيس الوزراء العراقي بدور جديد للوساطة بين إيران والولايات المتحدة، من خلال العمل على ترتيب لقاء غير مباشر بين مسؤولين أمنيين إيرانيين وأمريكيين، لحل العديد من القضايا العالقة بين البلدين، وعلى رأسها أمر المفاوضات النووية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والتي توقفت منذ يوم 20 يونيو/حزيران، بعد فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية بيومين فقط.
التوترات الإيرانية الكردية
كان هناك ملف آخر لا يقل أهمية عن الملفات المذكورة أعلاه، ناقشه رئيس الوزراء العراقي مع القادة الإيرانيين، خلال زيارته القصيرة للجمهورية الإسلامية، وهو التوترات الأخيرة بين إيران وحكومة إقليم كردستان العراق.
في الآونة الأخيرة، تعرضت الجمهورية الإسلامية إلى هجمات من قِبل الأكراد الإيرانيين الانفصاليين، الذين يتخذون من كردستان العراق ملاذاً آمناً لهم. ورداً على ذلك، قصفت المدفعية الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني العديد من المواقع التابعة للأحزاب الكردية العراقية، متذرعة بإيوائهم للمعارضين من الأكراد الإيرانيين.
خلال زيارة الكاظمي لإيران، استهدفت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران مطار أربيل الدولي بالتزامن مع استهداف القوات الإيرانية لمناطق حدودية مع إقليم كردستان.
أثيرت هذه المسألة خلال لقاء الكاظمي سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الجنرال علي شمخاني، وبحسب مصدر أمني من الجانب الإيراني، تحدث لـ "عربي بوست"، فقد أبلغ شمخاني الكاظمي بقلق الجمهورية الإسلامية من التراخي الأمني العراقي، وعدم تأمين الحدود العراقية الإيرانية والأحداث الأخيرة، فيما حاول الكاظمي الدفاع عن الأحزاب الكردية العراقية، وطلب من الجانب الإيراني التهدئة لضمان عدم خروج الانتخابات البرلمانية العراقية عن مسارها.
يقول المصدر الأمني من الجانب الإيراني لـ"عربي بوست": "قدم الكاظمي العديد من الضمانات لحل هذه الأزمة مع الجانب الكردي العراقي، لكن إيران تنتظر التنفيذ، ولن تتراجع في استهداف الإرهابيين الذين يلجأون إلى كردستان العراق للحماية"، على حد تعبيره.
عدم لقاء المرشد الأعلى الإيراني
جرت العادة، منذ الإطاحة بالرئيس العراقي السابق، صدام حسين، بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، أن يستقبل المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أي رئيس وزراء عراقي خلال زيارته للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد استقبل علي خامنئي الكاظمي في السابق، لكن هذه المرة لم يجتمع الكاظمي بالزعيم الإيراني الأعلى.
يقول مصدر مقرب من الكاظمي، رافقه في زيارته لطهران، لـ "عربي بوست": "كان الأمر غريباً بالطبع، لكن يمكن أن يكون متعلقاً بقيود فيروس كورونا، بصراحة لم يتم إخبارنا بالسبب الحقيقي لعدم لقاء السيد خامنئي بالكاظمي هذه المرة".
وبحسب المصدر ذاته، فإن المرشد الأعلى الإيراني قد بعث مبعوثاً بالنيابة عنه شخصياً، لتسليم الكاظمي رسالته، وتبليغه بعض الأمور.
لكن السبب الحقيقي وراء عدم اجتماع المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كان أيضاً توقيت الزيارة.
يقول مصدر مقرب من مكتب آية الله علي خامنئي لـ"عربي بوست"، إن توقيت الزيارة حساس للغاية، وقد أثيرت حولها الكثير من الأقاويل، لذلك لم يفضل السيد خامنئي لقاءه بالكاظمي، "كي لا يترك أي انطباع لدى الآخرين بأنه يفضل الكاظمي في ولاية ثانية"، على حد قوله.
وبحسب المصدر المقرب من مكتب خامنئي، فإن الأخير أرسل رسالة عبر مبعوثه الشخصي إلى الكاظمي، وصفها المصدر بأنها كانت إيجابية للغاية، فيقول إن خامنئي يرى أن الكاظمي أثبت جدارته في الآونة الأخيرة، خاصة في محاولاته للعب دور إقليمي وتمهيد الطريق بين إيران وخصومها.
وأضاف: "لن أقول إنه موافق على ولاية ثانية للكاظمي أو لا، لكن فقط أستطيع القول إن نظرة السيد خامنئي للكاظمي إيجابية للغاية، بدليل أنه وافق بشكل كبير على جميع مطالب الكاظمي التي أرسلها إلى خامنئي من قبل".
لم يفصح المصدر من الجانب الإيراني عن فحوى الرسالة التي أرسلها الزعيم الأعلى الإيراني إلى الكاظمي، كما أنه لم يتطرق إلى المطالب التي وافق عليها خامنئي لصالح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
في النهاية، وصف أحد مرافقي الكاظمي في زيارته إلى طهران هذه الزيارة القصيرة بأنها ناجحة للغاية، فيقول لـ"عربي بوست"، إنه بالرغم من التوقيت، والشائعات التي أحيطت بالزيارة، فإن الكاظمي سعيد بنتائج هذه الزيارة.