مع عودة الأطفال للمدارس، ومشاركة الأهالي صور أطفالهم بالزي المدرسي، قد يجول بخاطرك سؤال عن تاريخ ابتكار الزي المدرسي، ومن أول المدارس والبلاد التي أقرته، وكيف تطور شكله؟
تاريخ ابتكار الزي المدرسي: بدأ من المدارس الخيرية
حسب المصادر البريطانية مثل شبكة BBC، فإن الزي المدرسي الموحد بدأ في المدارس الخيرية البريطانية، وأعقبه ظهوره بالمدارس الحكومية الدينية.
إذ ذكرت مثالاً لمدرسة "مستشفى المسيح/Christ's Hospital" التي تأسست عام 1552 (بمدينة هورشام في مقاطعة ساسكس البريطانية) بقرارٍ من الملك هنري الثامن لتعليم الأطفال الأيتام والفقراء، فهذه المدرسة وفروعها تحتفظ بأقدم زي مدرسي رسمي موجود منذ منتصف القرن الـ16 وحتى الآن.
إذ كانت أول مدرسة تُعلم أطفال دور الرعاية، لذلك ساعد الأهالي بتزويد الأطفال بملابس مناسبة، وكانت المعاطف الزرقاء الطويلة شائعة جداً في ذلك الوقت، وللصدفة المنطقية؛ كانت من أكثر الملابس التي زود بها الأطفال، لهذا لقبت المدرسة وفروعها الأخرى بـ"مدارس Bluecoat" أو "مدارس المعطف الأزرق".
ومثل المعطف الأزرق الذي لا يزال مستخدماً إلى الآن بمدارس "مستشفى المسيح"، تحتفظ العديد من المدارس الخيرية البريطانية بزيها التقليدي الذي يعود إلى قرون مضت، وإن كان استخدامه يقتصر على المناسبات الخاصة.
مثلاً مدرسة "بولي بيلز/Polly Bells " التي تأسست كمؤسسة خيرية في العام 1705 (في مدينة نيوكاسل أبون تاين بإنجلترا) اعتمدت زياً موحداً منذ نشأتها أيضاً، لكن بسبب تطور الموضة لم يعد مناسباً أن ترتدي الطالبات قبعات القش (قبعات ربات المنازل)، فمن ناحية عفت عليها الموضة، ومن ناحية أخرى راعى القائمون على المدرسة عدم مناسبة هذه القبعات للأجواء وسلامة الأطفال، أو عدم استخدامهم لها كسلاح مزعج بإلقائها على المارة.
"نخفف القواعد لأن الزي أصبح غير عملي. على سبيل المثال، لا نريد أن نرى الأولاد يطاردون قبعاتهم في الشارع الرئيسي في الأيام العاصفة" – جيني سيمونز، مديرة الاتصالات بمدرسة "بولي بيلز"
لكن طالباتها تستخدم الزي الرسمي القديم في المناسبات الخاصة كزيارات مسؤوليين ملكيين أو حكوميين أو الاحتفالات الرسمية، إذ تطور الزي بشكلٍ أكثر عصرية.
أيضاً متاحف بعض المدارس التاريخية في بريطانيا، وخصوصاً الخيرية تحوي صوراً لطلابها بينما يرتدون الزي المدرسي الموحد، وفيها يرتدي الصبية قبعات وربطات عنق، بينما ترتدي الصبايا القفازات، بينها مثلاً مدرسة "هاملت أوف رادكليف/Hamlet of Radcliff"، وهي مدرسة خيرية تأسست عام 1910، التي يقول القائمون عليها اليوم إن سياسة فرض الزي المدرسي حديثة عهد بالمدرسة.
تفسير هذا أن الأطفال في المدارس الخيرية كانوا يرتدون ما يوفره لهم المتبرعون، والتي يصادف أنها متشابهة في التصميمات أو الألوان، خصوصاً أنها كانت محدودة في القرون السالفة، ولكن لم تكن ملابس رسمية مفروضة من المدرسة كما اليوم، وإن اقتبست منها شروط الزي المدرسي الموحد المتبعة الآن.
لكن في وقت لاحق، أصبح الزي المدرسي مرتبطاً أكثر بالطبقات العليا؛ حيث بدأت المدارس الخاصة والإعدادية في استخدامها أكثر، لكن لملابس أكثر رسمية ورقياً، مثلاً في كلية إيتون وهي مدرسة داخلية في إنجلترا، طلب من الطلاب قبعة سوداء وبدلات بذيول حتى العام 1972، وفق موقع ProCon.org.
ولأن بريطانيا العظمى في تلك الحقب التاريخية كانت تحتل دولاً عديدة حول العالم، فقد نقلت ثقافتها إلى مستعمراتها مثل باكستان والهند وتايلاند وإندونيسيا ونيوزيلندا وأستراليا، كما أشار موقع دار الأزياء البريطاني Embroidery Central.
من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة التي واجهت العنف بالملابس الموحدة!
هذا في المملكة المتحدة ومستعمراتها، أما إذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فيعتبر الزي الرسمي ظاهرة جديدة نسبياً لم يتم إدخالها إلا منذ أقل من 40 عاماً، إذ دخلت في المقام الأول لمعالجة مشاكل العنف بين الطلاب الذين تنافسوا وتقاتلوا أحياناً من أجل الملابس الباهظة، إذ تم ربط أصل سياسة الزي الرسمي في بالتيمور، وهي أكبر مدن ولاية ميريلاند الأمريكية، بحادث إطلاق النار عام 1986، حيث أصيب طالب في مدرسة عامة محلية أثناء شجار على زوج من النظارات الشمسية قيمته 95 دولاراً.
بعد عامين، وبحلول خريف العام 1988، وضعت 39 مدرسة ابتدائية عامة ومدرستان ثانويتان عامتان في واشنطن العاصمة سياسات موحدة إلزامية، وسرعان ما انتشرت الفكرة إلى ولايات أخرى. لكن الآن، تشير الإحصائيات إلى أن 25% فقط من المدارس الابتدائية و10% من المدارس الثانوية في الولايات المتحدة قد نفذت سياسة الزي المدرسي الموحد بشكل صارم، هذا يعني أن الغالبية العظمى تطبق سياسة الزي الرسمي بشكل اختياري أو لا تهتم بوجودها كثيراً.
انتقلت ثقافة الزي المدرسي الموحد إلى منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، سواء للمدارس الحكومية بفرضٍ رسمي من الدولة، أو في المدارس الخاصة، التي تميز به طلابها عن طلاب المدارس الحكومية، لكن لا توجد أرقام دقيقة عن تاريخه وبداية دخوله ومدى انتشاره بالمنطقة.
الزي المدرسي: رمز التمرد بدلاً من التوحيد والامتثال
بالأساس؛ اختيار الزي المدرسي الموحد في عدد كبير من دول العالم عائد إلى الرغبة في المساواة وتقليل الفوارق الاجتماعية والثقافية والمادية بين الأطفال، وزيادة في النظام المتبع في المدرسة، وإعداد الأطفال إلى الحياة المهنية المنتظرة التي تتطلب الالتزام.
لكن رغم هذا فإن استخدام رمز التوحيد هذا يُمكن أن يتحول إلى العكس، عندما يريد الأطفال والطلبة التمرد على النظام المتبع، فإن أسهل طريقة هي ارتداء ملابس مختلفة عن المفروضة عليهم، فمثلاً احتج طلاب في بعض المدارس الأمريكية بارتداء شارات سوداء للاحتجاج على تورط بلادهم في حرب فيتنام.
كما يقول بعض المعارضين لسياسة توحيد الملابس إن الزي المدرسي ينتهك حق الطلاب في التعبير عن فرديتهم، وليس له تأثير إيجابي على السلوك والإنجاز الأكاديمي، كما يؤكد أحياناً على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي يهدفون إلى إخفائها.