تسير في جنين، لا تجد حديثاً لأهلها على المقاهي وفي الطرقات سوى مصير أبنائهم الناجين من سجن جلبوع، صحيحٌ أنهم ساروا حديث العالم كله، لا جنين وحدها، لكن وأن يكون جميعهم أبناء المدينة والمخيم، فهذا حديث خاص.
تمكن الاحتلال من إعادة اعتقال 4 ممن انتزعوا حريتهم من أسرى "جلبوع"، لايزال اثنان طليقين، لكن المخيم يعيش حالة تأهب ينتظر إذا فكرت إسرائيل في الانتقام.
هنا، مَن فرَّقتهم السياسة، جمعهم القرار، والقرار هذا كان بالتأهب وسد مداخل المدينة والمخيم؛ تأهباً لأي عدوان احتلالي، عادت أجواء معارك المخيم التي كانت في 2002، وقت أن كان المخيم يحتضن كل من أراد أن يقاتل ضد الاجتياح الإسرائيلي، وحين تتبنى السلطة الخيار السلمي يقف مخيم جنين شوكة في حلق من لا يرى السلاح سبيلاً للمقاومة.
يقع مخيم جنين في الجانب الغربي لمدينة جنين شمال الضفة الغربية، على مساحة 0.42 كيلومتر مربع. يسكن المخيم أكثر من 25 ألف لاجيء منهم 16 ألف لاجيء مسجل في الأمم المتحدة.
وينحدر أصل سكان المخيم من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل. وبسبب قرب المخيم من القرى الأصلية لسكانه، فإن العديدين من سكانه لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر.
مخيم جنين.. "عشّ الدبابير"
"عش الدبابير" و"عاصمة الانتحاريين".. هكذا تقول إسرائيل عنه، وهو التوصيف الذي عرفه الإعلام جيداً خلال الاجتياح العسكري الإسرائيلي للمخيم في أبريل/نيسان عام 2002، والمخيم له خصوصية ورمزية من نوع خاص.
مصدر من الفصائل المسلحة بمخيم جنين يقول لـ"عربي بوست"، إن مخيم جنين هو رأس حربة دائماً بمقاومة الاحتلال، ويمتاز بوحدة الفصائل المسلحة فيه رغماً عن الاختلافات الفصائلية والتناقضات الفكرية والسياسية.
يستذكر في هذا السياق، معركة مخيم جنين في أبريل/نيسان عام 2002، حين أدارت الفصائل المعركة ضمن غرفة عمليات مشتركة وتحت راية واحدة هي علم فلسطين، وقوامها مِن فتح وحماس والجهاد الإسلامي إضافة إلى مقاتلين من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حينها.
المقاومة بالحجارة.. لكن في جنين بالسلاح
صمد مخيم جنين أمام آليات الاحتلال العسكرية ومدافعه وطائراته مدة 12 يوماً. وهي أطول مدة ممكنة للمعركة مقارنة بمناطق أخرى تم اجتياحها بالتزامن، فارتقى في معركة المخيم 63 شهيداً وأصيب المئات، وقتل 32 جندياً اسرائيلياً.
وتلقت التشكيلات المسلحة للمقاومة في المخيم ضربة قوية أثرت عليها لسنوات. ثم أعادت المقاومة كلمتها مؤخراً في المخيم، وتميزت بالاستمرارية.
فيما تُواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية، تحديا حقيقيا في مدينة ومخيم جِنين (شمال)، حيث تُقابل بإطلاق النار وليس الرشق بالحجارة كما بالمناطق الأخرى
ويعرف مخيم جنين بصلابته في مواجهة الجيش الإسرائيلي، حيث خاض مقاومون معركة ضارية، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في أبريل/ نيسان من العام 2002، أسفرت عن استشهاد 52 فلسطينيا، وتدمير غالبية مساكن المخيم.
تتصاعد فيه المقاومة المسلحة، حيث جيل "تربى على مقاومة الاحتلال، وكسرت لديه حالة الخوف بينما كانوا أطفالا خلال معركة المخيم.
عودة الاشتباكات المسلحة
منذ الحرب الأخيرة على قطاع غزة، برزت مجموعات مسلحة تتبع "سرايا القدس"-الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى-الذراع العسكرية لحركة "فتح"، هذه المجموعات المسلحة تعمل بتنسيق مشترك على التصدي لاقتحامات الجيش الاسرائيلي في الأشهر الأخيرة.
لم يدخل الاحتلال، منذ حرب غزة الأخيرة، إلى مخيم جنين سوى مرتين، بفعل تصدي المسلحين للاقتحام، وفي المرة الثانية استعان الاحتلال بوحدات خاصة "مستعربين"، حيث استشهد في العملية أربعة مقاومين.
يقولون إن جيلاً بالمخيم يريد فقط المقاومة والاستشهاد، وقد اعترف الاحتلال بأن مقاومة الشبان هناك عنيدة حتى إن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً في وحدة خاصة اقتحمت جنين، روى أنهم حوصروا داخل الدوريات نحو ساعة وعشرين دقيقة؛ بفعل إطلاق النار عليهم من مسافة صفر وأمتار قليلة جداً، موضحاً أن هذه الحالة لم يشهدوها إلا زمن احتلال لبنان.
المخيم استعاد قوة أكبر بعد هروب أسرى "جلبوع"
وشهد مخيم جنين في الأيام الأخيرة، بعد عملية هروب الأسرى، عروضاً عسكرية لكتائب" الأقصى" و"سرايا القدس"، حيث استعاد المخيم قوة أكبر، على أثر تأكيد المسلحين أنهم سيكونون حاضنين لأي أسير تمكَّن من الهرب في حال دخوله مخيم جنين.
وبينما زعم الاحتلال أن الأسيرين مناضل انفيعات وأيهم كمامجي، ربما كلاهما أو أحدهما قد تمكن من اجتياز السياج الفاصل باتجاه جنين، تتجه الانظار إلى مخيم جنين، وما يخطط الاحتلال له في حال تمكن أي من الأسيرين من الاحتماء في المخيم.
وفي هذا الإطار، يؤكد المصدر المسلّح، أنهم كمقاومين جاهزون فعلاً لحماية الأسيرين، مستدلاً على ذلك بتصدي المسلحين لقوة عسكرية إسرائيلية من مسافة صفر في الشهر الماضي؛ ما أدى لاستشهاد أربعة منهم. كما أقر أحد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين بأنهم فوجئوا لأول مرة بقناصة فلسطينيين واشتباكات في كل المحاور.
وفي الأيام الأخيرة، رصد موقع "عربي بوست" في ليلة إعادة اعتقال الأسرى الأربعة (زكريا الزبيدي، محمد عارضة، محمود عارضة، يعقوب قادري)، خمس عمليات إطلاق نار تجاه نقاط عسكرية إسرائيلية، أربع منها نحو حاجز الجلمة العسكري. ثم تكررت عمليات إطلاق النار دون أي رد من القوات الإسرائيلية.
"السلطة" بعيدة عن المشهد
وبسؤاله عن موقف السلطة الفلسطينية مما يجري، حاول المُقاتل، وهو من "كتائب الأقصى"، ألا يركز على هذا الجانب، مكتفياً بالقول: "السلطة بعيدة عن المشهد، لا تستطيع عمل شيء". وتحدث عن مئات المقاومين في المخيم الذين يتمتعون بروح قتالية شرسة وعقيدة.
المخيم معقل "الجهاد الإسلامي"
من جانبه، أكد المختص بالشؤون الإسرائيلية محمد سلامة، أن إسرائيل تنظر إلى مخيم جنين بشكل مختلف عن أي مكان آخر بالضفة؛ ذلك أنه معقل الجناح العسكري لـ"الجهاد الإسلامي"، علاوة على أن المخيم مليء بالمسلحين، ولا سيطرة للسلطة الفلسطينية عليهم.. فضلاً عن أن أي عملية عسكرية إسرائيلية تجابَه في الأشهر الأخيرة بإطلاق الرصاص من قِبل مسلحي المخيم.
وبيَّن سلامة، المقيم في أراضي 48 والمتابع عن قرب للقراءات الإسرائيلية، أن الدولة العبرية لم تنسَ المعركة حامية الوطيس التي شهدها مخيم جنين في عملية "السور الواقي" قبل تسعة عشر عاماً.
تخوف إسرائيلي من وصول الأسيرين إلى المخيم
ولذلك، يؤكد سلامة لـ"عربي بوست"، أن ثمة تخوفاً إسرائيلياً من دخول الأسيرين الهاربين من سجن جلبوع، لمخيم جنين، لأن إخراجهما منه لن يكون بالأمر السهل. وأضاف سلامة أن أي اجتياح إسرائيلي جديد للمخيم يمكن أن يؤدي إلى مجزرة، بفعل زقاق المخيم الضيق والعدد الكبير من المسلحين الذين سيتصدون للقوات الإسرائيلية.
وحول احتمالية اجتياح مخيم جنين في حال دخل الأسيران فعلاً اليه، بيّن سلامة أن الجيش الإسرائيلي يعلم جيداً أن اقتحام المخيم معادلة ليست سهلة، كما أن ثمة خشية من أن يشعل هذا تصعيداً في المخيم بالكامل. ولهذا، قدّر محمد سلامة أن إسرائيل ربما تدرس أموراً أخرى بديلة عن الاقتحام، مثل إدخال قوات كوماندوز أو مستعربين، أو اغتيال هادئ بطريقة التفجير.
إصرار إسرائيلي على إعادة اعتقال الأسيرين
وختم سلامة بالقول إن هناك إصراراً إسرائيلياً على إعادة اعتقال الأسيرين أيهم كمامجي ومناضل انفيعات، حتى لو دخلا إلى مخيم جنين.
ارتبط اسم جنين تاريخياً بالمُقاوِم السوري عز الدين القسام الذي اتخذ من "يعبد" مقراً له لمقارعة الانتداب البريطاني في فلسطين بعشرينيات ومنتصف ثلاثينيات القرن الماضي، حتى استُشهد. وهذا أعطى زخماً تاريخياً إضافياً إلى جنين الواقعة شمال الضفة الغربية.