رغم تجميد إسرائيل مشروع خط أنابيب غاز عسقلان إيلات، تمضي الإمارات قدماً في التعاون في مجال الطاقة معها، حيث أعلنت شركة الطاقة الإسرائيلية "ديليك"، الخميس الماضي، أنها انتهت من اتفاق لبيع حصة 22% تملكها في حقل غاز تمار إلى شركة"مبادلة للبترول" في أبوظبي مقابل نحو مليار دولار.
يُعد حقل تمار للغاز أحد مصادر الطاقة الرئيسية لإسرائيل، وهو قادر على إنتاج 11 مليار قدم مكعبة من الغاز كل عام، ويكفي ذلك لتغطية الكثير من السوق الإسرائيلية، وكذلك الصادرات إلى مصر والأردن.
وهذا الحقل كان محور اهتمام الإمارات، إذ أعلنت شركة ديليك دريلينغ في نهاية أبريل/نيسان الماضي، أنها وقّعت اتفاقاً غير ملزم لبيع حصتها في حقل تمار للغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسط لمبادلة للبترول بأبوظبي مقابل 1.1 مليار دولار.
وتعد هذه أهم صفقة بين الإمارات وإسرائيل منذ تم التطبيع بين الدولتين بدفع من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فيما عُرف بالاتفاقات الإبراهيمية.
وحسبما تعلن الإمارات، فإن التعاون الاقتصادي والتكنولوجي هو أحد أهم دوافع التطبيع مع إسرائيل.
في المقابل أثارت مشروعات الطاقة بين إسرائيل والإمارات قلقاً مصرياً، خاصة مشروع خط أنابيب غاز إيلات عسقلان الذي تنظر له القاهرة باعتباره وسيلة منافسة في نقل الطاقة لقناة السويس.
ويمثل هذا الاتفاق تعويضاً عن عسر اتفاق خط أنابيب غاز إيلات عسقلان الذي قوبل بمعارضة داخلية إسرائيلية كبيرة.
لماذا تم تجميد خط أنابيب غاز إيلات عسقلان؟
في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وقعت شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية (EAPC) الحكومية الإسرائيلية وشركة "ميد ريد لاند بريدج" المملوكة لإسرائيليين وإماراتيين ويقع مقرها في الإمارات، مذكرة تفاهم، في مجال نقل النفط الخام والمنتجات النفطية من الخليج إلى الأسواق الغربية، عبر خط أنابيب لنقل النفط بين مدينة إيلات على البحر الأحمر وميناء عسقلان على البحر المتوسط.
ولكن برزت معارضة شرسة حيال خط الأنابيب الجديد بسبب المخاوف البيئية. فميناء إيلات محاط بالشعاب المرجانية التي يمكن أن تتعرض لأضرار كبيرة. وقد جاء التسرب النفطي في سواحل البحر المتوسط المطلة على إسرائيل مؤخراً بمثابة نذير شؤم بما يمكن أن يتسبب فيه مشروع من هذا النوع.
وهذه ثاني معارضة للمشروع على مستوى الوزراء، بعدما عارضته وزيرة حماية البيئة السابقة، تمار زاندبيرغ في وقت سابق بشكل علني؛ وهو ما لاقى استياء في أبو ظبي.
في المقابل، نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مسؤولين في أبو ظبي قولهم: "إذا ألغت الحكومة الاتفاق قد تحدث أزمة في العلاقات مع إسرائيل وسيهدد الخطر استقرار اتفاقيات التطبيع".
الوزيرة الإسرائيلية ترفض المراجعة البيئية التي قدمتها الشركة
في يوليو/تموز 2021، رفضت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية نتائج استطلاع بشأن المخاطر البيئية، والذي كانت قد طلبته من "شركة آسيا أوروبا لخطوط الأنابيب"، وهي المؤسسة التي تشغّل خط الأنابيب.
وأعلنت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية، في 25 يوليو/تموز، أنها ستؤجل تدشين اتفاق مثير للجدل مع الإمارات، يستهدف نقل النفط، وهو اتفاق أغضب دعاة حماية البيئة في إسرائيل.
وبعد شهر من ذلك، في 29 أغسطس/آب، حدث تسرب في الأنبوب بالقرب من عسقلان، مما تطلب من السلطات الإسرائيلية استبدال جزء يبلغ طوله 40 قدماً وإزالة 800 طن من التربة الملوثة.
وزار كبار المسؤولين الإسرائيليين والوزيرة زاندبرغ الموقع في 31 أغسطس/آب، وأعلنت وزارتها لاحقاً عن إجراء تحقيق جنائي في سبب التسريب.
تقول صحيفة جيروزاليم بوست، إن مئات العلماء من دعاة حماية البيئة حذروا مراراً من أن عملية نقل كهذه يمكن أن تؤدي إلى آثار بيئية مدمرة بالنسبة لإيلات، التي تعد موطناً للشعب المرجانية والعديد من المخلوقات البحرية المعروفة حول العالم.
وبحسب يورام ميتال، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر ومدير مركز حاييم هرتسوغ لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية بجامعة بن غوريون، فإن "هذا الإعلان يجسد أول اختبار أمام الاتفاقيات الإبراهيمية".
في حديثه مع وكالة الأخبار الأمريكية The Media Line، قال ميتال: "إنه جاد لأن لدينا اتفاقاً مجمداً الآن من جانب واحد، وهو الجانب الإسرائيلي، ولكن في الوقت ذاته أعتقد أن الإماراتيين يفهمون أن هذه حكومة جديدة بخطوط سياسة مختلفة كلياً". وتابع قائلاً إن اتفاق النفط "كان مريباً عند توقيعه وهو اليوم أكثر إثارة للجدل، وهذه هي خلفية التجميد".
صواريخ فلسطينية تصيب منشآت طاقة إسرائيلية
بالإضافة إلى الأسباب البيئية، فإن خط أنابيب عسقلان إيلات، كان هدفاً لصواريخ المقاومة الفلسطينية خلال حرب غزة الأخيرة.
فلقد استهدفت الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة خط أنابيب إيلات–عسقلان، حيث قال مسؤول حكومي إسرائيلي وآخر في قطاع الطاقة لرويترز في 11 مايو/أيار إن خطاً لأنابيب الوقود مملوكاً لشركة حكومية إسرائيلية أصيب في هجوم صاروخي، بينما أظهر مقطع فيديو بثته القناة 12 بالتلفزيون الإسرائيلي ألسنة اللهب تتصاعد مما يبدو أنه مستودع ضخم للوقود بالقرب من مدينة عسقلان الساحلية جنوب تل أبيب.
وبعد أن ذكرت القناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي أن عمليات التشغيل في محطة للطاقة في عسقلان لم تتأثر، قصفت "كتائب القسام"- الجناح العسكري لحماس- في اليوم التالي 12 مايو/أيار مجدداً حقل صهاريج "كاتسا" جنوب عسقلان، بـ20 صاروخاً من طراز Q20 رداً على قصف غزة، وظلت النيران مشتعلة فيه لأيام.
وفق قناة "كان"، فإن سكان عسقلان اشتكوا عقب إصابة تلك المنشآت، من صعوبة في التنفس وتهيُّج في الحلق وحرقة بالعينين، نتيجة استنشاق الدخان والأبخرة.
المضي قدماً في مشروع حقل غاز تمار
ولكن بعد النكسة التي أصابت خط غاز إيلات عسقلان، فإن إتمام اتفاق "تمار" المموّل من صندوق الثروة السيادية الإماراتي "مبادلة"، يظهر أن أبو ظبي لم تعِد النظر في عملية التطبيع مع إسرائيل التي انطلقت بموجب "اتفاقيات إبراهيم" التي وُقِعت في العام الماضي، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
فرغم المخاوف البيئية المستمرة بشأن التعاون في مجال الطاقة، إلّا أن الخطط الإسرائيلية الإماراتية للتعاون في مجال الطاقة لا تزال قائمة.
منذ الإعلان الأوّل عن الاتفاق الإسرائيلي لبيع 22% من حقل الغاز الطبيعي البحري "تمار" إلى الإمارات العربية المتحدة في أبريل/نيسان، استغرقت الموافقة عليه أربعة أشهر وأسفر عن سعر نهائي قدره 1.025مليار دولار، أو 75 مليون دولار أقل مما كان يؤمل به في الأصل.
وتمّت مُطالبة مالكة الحصة السابقة- الشركة الإسرائيلية "ديليك للحفر"- ببيعها بسبب مساعي الحكومة الإسرائيلية لزيادة المنافسة في قطاع الطاقة. ولا يزال معظم الحقل مملوكاً لشركات إسرائيلية أخرى؛ كما تملك شركة "شيفرون" الأمريكية العملاقة 25% من حصة الحقل.
ويقع الحقل على بعد حوالي 55 ميلاً (88.5 كم) من ساحل حيفا، يتمّ ضخ غاز "تمار" عبر خط أنابيب يبلغ طوله أكثر من 100 ميل (160.9 كم) جنوب منصة تبعد 13 ميلاً (20.9 كم) قبالة ساحل عسقلان، حيث تتم معالجته جزئياً قبل ضخه في منشآت برية في أشدود.
وبعد خضوعه لمزيد من المعالجة، يدخل إلى شبكة الغاز في إسرائيل. ويُستخدم بعض هذا الغاز لمحطات الطاقة المحلية؛ ويصدّر الباقي للمنشآت الصناعية الأردنية أو إلى مصر.
المشروع يتعرض لخطر خلال حرب غزة
ويشير إتمام اتفاق "تمار" المموّل من صندوق الثروة السيادية الإماراتي "مبادلة"، إلى أن أبو ظبي لم تعِد النظر بجدية في جهود التطبيع التي انطلقت بموجب "اتفاقيات إبراهيم" التي وُقِعت في العام الماضي.
فلقد شكلت المواجهة بين بين إسرائيل و"حماس" في أيار/مايو، مصدر قلق كبير على مشروعات الطاقة الإسرائيلية.
فخلال القتال، حسب تقرير المعهد الأمريكي، حاولت "حماس" مهاجمة منصة "تمار"، التي تقع على بعد ميل واحد (1.6 كم) أو ميلين (3.2 كم) فقط من المنطقة البحرية لغزة.
وقالت شركة "شيفرون" الأمريكية للطاقة، في 12 مايو/أيار 2021، إنها أغلقت منصة تمار للغاز الطبيعي قبالة ساحل إسرائيل في شرق البحر المتوسط، وذلك بعد قصف "كتائب القسام" لمنصة غاز بالصواريخ، وهو إجراء نادر تتخذه تل أبيب وسط تزايد التصعيد.
وعلى الرغم من هذه المشاكل، لا تزال إسرائيل والإمارات تبدوان كشريكين طبيعيين قادرين على رسم معالم مستقبل طاقوي قابل للتطبيق بالنظر إلى تمتعهما بعدد سكان مماثل وقطاعيْ تكنولوجيا متقدمة متشابهين، حسب تقرير معهد واشنطن.
فعلى سبيل المثال، وصفت "مبادلة" استثمارها في حقل "تمار" بأنه "يعزز محفظتها القائمة على الغاز بما يتوافق مع أهدافها للتحول في مجال الطاقة".
قلق إسرائيلي من نوع آخر
بصفة عامة ظهر قلق في إسرائيل من الاستثمارات الإماراتية في الدولة العبرية، لا سيما في قطاع الغاز، وسط حديث عن تداعيات سلبية أمنية محتملة لهذه الاستثمارات.
تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية يشير إلى أن هذه الصفقة رغم أنها ستساهم في منافع إيجابية لإسرائيل وستعزز التحالف بين أبو ظبي وتل أبيب، فهناك مخاوف من أن تكون لها آثار جانبية أمنية واقتصادية سلبية على إسرائيل، أو على الأقل الغموض المحيط بالصفقة أمر يثير القلق حول إدارة ملف الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاقتصادية الحساسة في إسرائيل، خاصة في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو.
وسبق أن حذرت وزارة الشؤون الاستراتيجية وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بالفعل، في بداية العام، من أن دول الخليج ستكثِّف استثماراتها في إسرائيل خلال الأشهر القليلة المقبلة.
لماذا تحرص إسرائيل على هذه الصفقة؟
لدى شركة "مبادلة" الإماراتية مصلحة في تطوير سوق الغاز الطبيعي الإقليمي، بحكم امتلاكها 10% من ترخيص امتياز منطقة "شروق" في مصر، والتي تشمل احتياطي الغاز الطبيعي الرئيسي في حقل "ظهر".
التعسر الشديد الذي تمر به أعمال شركة تشوفا التجارية، والإشارات التحذيرية الواردة في التقارير المالية لشركة "ديليك" من استمرار القلق بشأن أوضاع الشركة، يعني أنها بحاجة إلى ضخٍّ نقدي سريع.
كما أنه من الجيد لإسرائيل أن يكون المشتري لاعباً استراتيجياً مهتماً بتطوير صناعة الغاز الإقليمية، ويشمل ذلك التطوير في مصر المجاورة، لأن التطوير الإضافي لحقول الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية يعتمد على الصادرات، ومنها المبيعات الإسرائيلية المباشرة إلى مصر والأردن.
إضافة إلى أن دخول طرف دولي غير أمريكي جديد في سوق الغاز الطبيعي الإسرائيلي يمكن أن يُضعف من هيمنة شركة "شيفرون"، التي تمتلك أسهماً في احتياطيات "تمار" و"ليفياثان" و"داليت" البحرية، ويشجِّع تسعيراً أكثر تنافسية لبيع الغاز، إذا اختار الإماراتيون أن يكون لهم دور كهذا.
الجيش الإسرائيلي لم يكُن لديه علم بها
وسبق أن تذمر مسؤولو الجيش الإسرائيلي من أنهم اكتشفوا فقط من الصحف أن أصولاً استراتيجية وقعت في أيدٍ أجنبية.
كما أن كون المشتري كياناً حكومياً إماراتياً وليس شركة خاصة يثير القلق من أن الاستثمار قد يكون مدفوعاً باعتبارات دبلوماسية من الأصل. وقد يكون الأمر يتعلق بالأساس باستخدام الملكية لهذه الحصة أداةً دبلوماسية لا تعطي الأولوية لخدمة العملاء بل للأهداف الإسرائيلية، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وقد تؤدي مصالح شركة "مبادلة" الإماراتية في مصر، في بعض الحالات، إلى تضاربٍ يحول دون تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر.
هل تؤدي الصفقة إلى إطلاع الإماراتيين على الأسرار الإسرائيلية؟
المشكلة الحقيقية في الصفقة هي أنها تتيح للمالكين الوصول إلى الاستعدادات الدفاعية الإسرائيلية في البر والبحر، بالإضافة إلى الاطلاع على معلومات الاستخبارات العسكرية، علاوة على الاعتبارات الجيوسياسية والمناقشات الحكومية بشأنها، حسب صحيفة Haaretz.
وتقول Haaretz "في حين زادت الدول الأخرى من رقابتها على الاستثمارات الأجنبية في الأصول الاستراتيجية، لا سيما خلال جائحة كورونا، وفي وقت باتت فيه قطاعات عدة تعيش أزمة، كونها هدفاً جذاباً للاستحواذ من أطراف أجنبية، فإن إسرائيل تقاعست عن كل ما يتعلق بحماية مصالحها الاستراتيجية، مؤثرةً التعامل مع الأمر بطريقة غير منظمة ومن خلال قنوات غير رسمية".
وسبق أن صنف الموساد قطاع الغاز الطبيعي في إسرائيل على أنه قطاع ذو حساسية خاصة، واقترح أن تكون صفقة من هذا النوع تقتضي اجتماع لجنة وزارية ومناقشة الأمر على الفور، دون تدخل رئيس الوزراء في هذه المرحلة، ولكن نتنياهو رفض ذلك.
ولكن وفقاً لصحيفة Haaretz فإنه إضافة للفوائد الاقتصادية فإن اتجاه الإماراتيين إلى الاستثمار في أحد الأصول الاستراتيجية هو تعبير عن الرغبة المتبادلة في المضي قدماً في خطوات التطبيع، ويمكن أن يعزز الجبهة الدبلوماسية المناوئة لإيران.
ويظل حجم القلق الإسرائيلي من هذه الصفقة محدوداً، وأقل من القلق تجاه الاستثمارات الصينية والروسية، كما أنه يظهر مدى متانة العلاقة بين أبوظبي وتل أبيب.
في المقابل من الواضح أن استمرار إسرائيل في هذا التعاون لم يعُد الدافع الأساسي الجدوى الاقتصادية فقط بل دافعه أن هذه المشروعات تحمل رمزية سياسية كبيرة في مسيرة التطبيع الذي تقوده الإمارات.
وفي الوقت ذاته، فإن مثل هذه المشروعات، تزداد هشاشتها الأمنية أمام أسلحة المقاومة الفلسطينية في غزة، التي لا تنظر فقط إلى هذه المشروعات باعتبارها ساحة سهلة للقصاص من الهجمات الإسرائيلية، بل أيضاً مجال لنقل الرسائل للتطبيع الإماراتي المرفوض من الفلسطينيين.