يعيش لبنان حالياً على وقع عملية تشكيل الحكومة الجديدة، التي كانت تسير بشكل سلس نسبياً في البداية، قبل أن تبدأ العراقيل في الظهور من طرف واحد فقط، ميشال عون.
فبحسب متابعين ومحللين، تتعرض الحكومة لما يوصف بعملية "أسر" من قِبل رئيس الجمهورية وفريقه، الذين يخوضون معركة مع رؤساء الحكومات المتعاقبين بغية الحصول على "الثلث المعطل" في الحكومة اللبنانية القادمة، لأهداف يعتقد أنها استراتيجية تتعلق بمرحلة ما بعد انتهاء ولاية عون الرئاسية.
الحكومة الجديدة كانت على وشك الظهور
ووفقاً لمصادر سياسية مطلعة على المبادرة التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فإن الحكومة كانت على وشك أن تولد نهاية الأسبوع الماضي، لكنها اصطدمت بشروط جديدة وعقبات من قِبل الفريق الرئاسي.
يأتي هذا في وقت ما زالت تدور فيه المساعي الجادة لولادة الحكومة خلال يومي الأربعاء أو الخميس، في حال لم يطرأ أي شرط جديد بين عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي.
وبحسب المصادر، فإن منسوب التفاؤل عاد للصعود بعد ذلك بولادة الحكومة الجديدة، خاصة أن القوى السياسية المختلفة عملت على إشاعة مناخات إيجابية، بأن التشكيلة الحكومية أنجزت، وتم حل عقدة وزارة الاقتصاد العالقة. وبالتالي، فإن التشكيلة الحكومية جاهزة ولا ثلث معطل فيها لأي فريق.
ويؤكد المصدر لـ"عربي بوست" أن توافقاً جرى أمس الإثنين 6 سبتمبر/أيلول، خلال اللقاء بين رئيس الجمهورية مع الوسيط (اللواء عباس إبراهيم) بحصول رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على ستة وزراء يُضاف إليهم وزير المعارضة الدرزية ووزير حزب الطاشناق الأرمني، مع تثبيت حقيبة الاقتصاد للطائفة السنية ضمن حصّة ميقاتي، بحيث ستسند وفق المطلعين لمدير مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتور ناصر ياسين.
شروط جديدة من عون
لكن الأمر المستجد هو في شرط عون بالحصول على وزارة الزراعة بدلاً من الاقتصاد، والتي كانت من حصة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الأمر الذي أعاد خلط الأوراق من جديد، خاصة أن الثنائي الشيعي (حزب الله والرئيس بري) حريصان على الزراعة، وهذا الأمر يجري نقاشه بين بري وميقاتي.
ووفقاً لمصادر مقربة من ميقاتي لـ"عربي بوست"، فإن الملف الحكومي قد يعود للمراوحة ونقطة الصفر في حال استجدت شروط جديدة على عملية تأليف الحكومة.
وكشفت المصادر لـ"عربي بوست" عن طرح جديد من عون يقضي بأن يشارك نائب رئيس الحكومة والمحسوب على حصة عون باجتماعات ومفاوضات اللجنة الوزارية التي ستفاوض الصناديق المالية الدولية والتي تضم وزراء المال والشؤون الاجتماعية والاتصالات والاقتصاد، الأمر الذي يدرسه ميقاتي.
اتصالات أمريكية بعون وميقاتي
تقول مصادر دبلوماسية مطلعة على الأزمة الحكومية لـ"عربي بوست" إن الجانب الأمريكي أعاد حراكه على الخط الحكومي، وذلك عبر اتصال أجرته وكيلة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، ويندي شيرمان، بالرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي.
شيرمان التي تولت المهمة الجديدة عقب ديفيد هيل، يعتبر اتصالها الإطلالة الأولى لها على المشهد اللبناني المعقد.
ووفقاً للمصدر، فإن شيرمان أكدت خلال اتصالها بعون على الموقف الأمريكي بضرورة الذهاب إلى تشكيل الحكومة، وتمنّت تشكيلها سريعاً وأن واشنطن تدعم خارطة الطريق الفرنسية.
وبحسب المصدر، فإن شيرمان أكدت لعون شعور إدارتها بأن التعطيل الجاري للملف الحكومي على الرغم من سوء الظروف والانهيارات المتتالية، تصب بهدف مصلحة "سياسية وعائلية" لفريق محدد.
لكن عون أجابها بأن هناك مساعي جدية تبذل وهناك إمكانية لولادة الحكومة خلال يومين.
وبحسب المصدر نفسه، فإن اتصال شيرمان بميقاتي تخللته استفسارات عن الأسباب التي تعطل ولادة الحكومة المنتظرة على الرغم من المبادرات والاتصالات المحلية والدولية، لكن ميقاتي -بحسب المصدر- أوضح لشيرمان أزمة وزارة الاقتصاد والخلاف عليها، وأهميتها في التفاوض مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وضرورة تعيين وزير ذات خلفية مطلعة على الأزمات ومستقلة وغير مرتبطة بفريق سياسي معين.
وشرح ميقاتي خلال الاتصال رغبة عون بالحصول على عدد معين من الوزارات دون التعهد بإعطاء كتلته البرلمانية الثقة للحكومة، وبحسب المصدر، فإن المسؤولة الأمريكية أكدت لميقاتي رغبة واشنطن بعدم حصول أي فريق سياسي على الثلث المعطل.
اتصالات إيرانية – فرنسية حول الحكومة
وخلال اليومين الماضيين، جرت اتصالات شملت الرئيسين الإيراني إبراهيم رئيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، وبين وزيري خارجية الدولتين جان إيف لودريان وحسين أمير عبداللهيان.
ويعتبر المحلل السياسي منير الربيع أن فكرة الضغط الإيراني لتشكيل حكومة جاءت بناء على الاتصال الذي جرى بين ماكرون ورئيسي، والذي فهم فيه بأن إيران أصبحت تتشدد في ضرورة تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد تحقيق خرق كبير على صعيد العلاقات اللبنانية السورية، وبعد ما تعتبره إيران إنجازاً سياسياً سيصب في صالحها، بنتيجة خرق قانون قيصر، وصدور إعفاءات واستثناءات منه.
وهذا كله نتيجة معادلة أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، الذي أعلن عن استقدام النفط الإيراني. الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى تقديم تنازلات كبيرة، لها علاقة بالغاز المصري والكهرباء الأردنية.
ويرى الربيع أنه وبالمقابل، كان واضحاً السعي الفرنسي للتعاون مع إيران، وترتيب العلاقة معها. وهذا ظهر في البيان الذي صدر، وتناول تفاصيل الاتصال الهاتفي بين رئيسي وماكرون، إذ تم التشديد فيه على ضرورة تشكيل "حكومة لبنانية قوية بالتعاون مع حزب الله".
هذه الخطوة تأتي بعد تقدم ماكرون في قمة بغداد الأسبوع الفائت شخصياً باتجاه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، وتباحث معه في جملة نقاط، بينها الملف اللبناني. كما أن ماكرون شخصياً وجَّه دعوة لعبداللهيان إلى زيارة باريس، ولم يوكل الأمر إلى وزير خارجيته جان إيف لودريان.
هذا الموقف يفسره كثيرون بأنه محاولة من ماكرون لإنقاذ نفسه في لبنان أولاً، وثانياً لتأمين الحماية الإيرانية اللازمة، ومن قِبل الحشد الشعبي العراقي، لاستثمارات تسعى شركة توتال الفرنسية لتنفيذها في العراق.
تحرُّك لحزب الله تجاه باسيل وميقاتي
وبحسب مصدر سياسي مقرب من حزب الله، فإن الحزب عاد بتحريك اتصالاته المتعلقة بالحكومة اللبنانية عقب اتصالات فرنسية – إيرانية وزيارة الوفد الحكومي اللبناني إلى سوريا.
وبحسب المصدر، فإن المعاون السياسي لأمين عام الحزب حسين الخليل التقى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في إطار المحاولات الجارية لتقريب وجهات النظر ومعالجة العقد المتبقية في الملف الحكومي.
ووفقاً للمصدر، فإن الحزب مستمر في لقاءاته تحت سقف المبادرة الفرنسية والمبادرات المحلية بدءاً من مبادرة بري وصولاً لدعم مبادرة اللواء عباس إبراهيم.