لماذا تعقَّد وضع المفاوضات بين مصر وحماس؟ اتهامات للقاهرة بقتل فلسطينيين ومحاولة كسب الوقت لصالح إسرائيل
تشهد العلاقات السياسية بين حماس ومصر حالة من الفتور على مستوى الاتصالات واللقاءات السياسية، تصاعدت وتيرتها لتأخذ شكلاً تصعيدياً بعد سلسلة أحداث شهدتها غزة في الأيام الأخيرة.
وكانت آخر الأحداث وأبرزها إعدام مصر لثلاثة من عمال الأنفاق التجارية الخميس 2 من أيلول/سبتمبر الجاري، بعد رش قوات الجيش المصري لغاز سام في أحد الأنفاق الرابطة بين مدينة رفح في قطاع غزة والعريش في مصر.
وسبق ذلك أن قامت مصر بإغلاق معبر رفح البري أمام حركة المسافرين والبضائع في الفترة ما بين 24 و29 من آب/أغسطس الماضي، بعد ساعات فقط على حادثة إطلاق نار على الحدود الفاصلة بين غزة وإسرائيل، أسفرت عن مصرع قناص إسرائيلي وهو ما اعتبره الكثيرون انحيازاً مصرياً لإسرائيل ضد حماس.
مقابل ذلك كشف مصدر أمني في غزة لـ"عربي بوست" أن هناك "معلومات أولية متداولة تشير إلى اختفاء صيادين اثنين من مدينة رفح، فُقد الاتصال بهما بعد أن كانا في مهمة صيد على الحدود البحرية بين مصر ومدينة رفح يوم السبت في 4 من الشهر الجاري.
وأضاف المصدر ذاته أنه لا تزال ظروف اختفاء الصيادين غامضة حتى هذه اللحظة، ولكن المرجح أن ظروف اعتقالهم أو مصيرهم تتحملها مصر التي تنتشر قوات خفر السواحل التابعة لها في منطقة الحدث.
توقف الاتصالات
على المستوى السياسي، فإن الاتصالات الرسمية وحتى اللقاءات بين المسؤولين المصريين بحركة حماس منقطعة منذ آخر زيارة قام بها رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في 8 من يونيو/حزيران الماضي.
وفي السياق متصل، مثلت زيارة رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس لكل من رام الله وتل أبيب حصراً دون غزة، واستثناء قيادة حركة حماس من أجندة هذه الزيارة في 18 من الشهر الماضي نقطة تحول في العلاقات بين الطرفين التي دخلت في نفق مظلم من التوتر.
وكشف مصدر مطلع من حركة حماس، رفض الكشف عن هويته لـ"عربي بوست"، أن "العلاقة القائمة بين حماس ومصر تتجاوز مسار التهدئة والمفاوضات، وفي الآونة الأخيرة نشبت عدة أحداث أثرت على مستوى العلاقات بين الحركة وجهاز المخابرات المصرية".
وأضاف المصدر ذاته أن "مصر تحاول شراء المزيد من الوقت أمام بقاء الوضع الراهن في غزة على حاله، وهو ما يصب في المصلحة الإسرائيلية، ولكنه في المقابل يؤثر على استقرار الحالة الأمنية والاقتصادية في القطاع، التي يزداد الضغط المعيشي فيها بشكل كبير بسبب جمود ملف الإعمار وتعثر مفاوضات المنحة القطرية".
وأضاف المتحدث أن "حماس أدركت عدم تحرك مصر بشكل جدي في مفاوضات التهدئة، كان بسبب الهدوء الذي شهدته غزة طيلة الأشهر الثلاثة الأخيرة، لذلك قررت الحركة كسر هذه الحالة بشكل مضبوط دون الوصول إلى قطيعة كاملة مع مصر، عبر تفعيل أدوات الضغط الشعبي على الحدود، حتى يكون التحرك المصري على الأرض جاء بضغط وطلب من إسرائيل لتوفير الهدوء في هذا التوقيت بالذات عشية بدء الأعياد اليهودية، والحركة تعول على نجاح هذه الاستراتيجية كما جرى في مفاوضات المنحة القطرية في سبتمبر/أيلول 2018".
ترقُّب إسرائيلي
أمام هذا التآكل في مستوى العلاقات بين حماس ومصر، تراقب إسرائيل عن كثب هذه العلاقة وإلى أي مدى يمكن لمصر احتواء حماس في هذا الظرف الحساس بالنسبة لإسرائيل، التي تتعرض حكومتها لضغط داخلي من قِبل الجمهور الإسرائيلي ومن قادة المعارضة بعد عجزها عن وقف نشاطات حماس الميدانية على الأرض، منذ أن عادت وحدات الإرباك الليلي إلى العمل على الحدود الشرقية لغزة.
وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن وفداً سياسياً وأمنياً رفيع المستوى ضم منسق عمليات الحكومة في المناطق الفلسطينية اللواء غسان عليان برفقة رئيس شعبة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، زارا مصر الشهر الماضي وطلبا منها الضغط على حماس لوقف فعاليات الإرباك الليلي، التي باتت تشكل أزمة لحكومة بينت.
ذو الفقار سويرجو عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية قال لـ"عربي بوست" إن "تراجع الدور المصري في هذه المرحلة من خلال غياب اللقاءات أو الاتصالات السياسية، هو نابع من أن الملف الحالي الذي تحاول الفصائل الفلسطينية إنجازه هو طيّ ملف المنحة القطرية، لذلك جمدت مصر تحركاتها السياسية مؤقتاً أمام باقي الملفات، ولكن ما جرى من تصعيد ميداني على الحدود الإسرائيلية أغضب مصر واعتبرته رسالة تحدٍ أمام جهودها في الاستمرار بمسار المفاوضات".
من جهته يرى عبدالله عبدالله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح أن "أحد الأسباب التي تدفع حماس لتصعيد خطواتها الميدانية على الحدود وإفشال جهود التهدئة التي تقودها مصر، هو سعي حماس لترسيخ معادلة جديدة على الأرض من خلال الضغط على المجتمع الدولي لتكليفها المباشر بإدارة ملف الإعمار والمنحة القطرية وتجاوز السلطة الفلسطينية التي تعتبر البوابة الشرعية لإدارة كل الملفات السياسية والاقتصادية، بدليل أن حماس عبرت عن ذلك بشكل صريح برفض أي اتفاق يخص إعمار غزة تكون الحركة مستثناة منه".
نقل مسؤوليات غزة لمصر
قد تكون إحدى أبرز النتائج لحرب غزة الأخيرة هي سعي إسرائيل لنقل مسؤولية إدارة الأوضاع في غزة إلى مصر، ما يؤكدها التصريحات الإسرائيلية اللافتة من سياسيين وصحفيين مقربين من دوائر صنع القرار، كان من بينها إحاطة نائب وزير الدفاع الإسرائيلي يائير غولان أمام مجموعة من الصحفيين الدوليين قال فيها: "لا يوجد حصار إسرائيلي على غزة، لأن غزة لديها معابر مفتوحة مع مصر، بإمكان القاهرة فتح معبر رفح على مدار الساعة ومن خلاله تتدفق كل شيء، لا يجب أن تصل إلى كارثة إنسانية، أنا سعيد لأنهم يفعلون ذلك، ولكن لا يجب أن يخدم ذلك حماس".
أما الخبير العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان فذكر في صحيفة يديعوت أحرونوت أن "النتيجة السياسية الفورية الأهم من حرب غزة أن مصر بدأت تأخذ تدريجياً وبشكل متزايد المسؤولية عن اقتصاد غزة، وكلما شددت إسرائيل من عملية نقل البضائع والأموال لإعادة الإعمار، تجد مصر نفسها تلقائياً، وبخلاف رغبتها، تتدخل بشكل فوري لإدارة القطاع، وبالتالي قد يقود الوضع القائم الآن لفك الارتباط الإسرائيلي من المسؤولية عن سكان غزة".
سليمان بشارات، الباحث في مركز يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، قال لـ"عربي بوست" إن "العلاقة القائمة بين حماس ومصر سواء أكانت قبل الحرب أو بعدها، فهي منوط بها أن تبقى في إطار منضبط لا يؤدي إلى قطع العلاقة بشكل كلي، وهذا ليس فقط لمصلحة الطرفين (حماس مصر) بل لمصلحة المنطقة برمتها، لذلك قد نشهد عودة قريبة للاتصالات السياسية واللقاءات بين الطرفين في الأيام القادمة وتحديداً بعد الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت لمصر في الأيام القادمة، والتي ستناقش ملف غزة وتضع محددات للتعامل مع ملف الإعمار وصفقة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس".