عُرِف المصريون منذ القدم بخفة الظل وروح الدعابة مهما غالبتهم الهموم، وتلقى حدث انتشار لعبة "الصبارة الراقصة" على السوشيال ميديا رواجاً وإعجاباً كبيراً لدى كافة أوساط المجتمع المصري، وبدأ الكبار قبل الصغار يتنافسون على اقتنائها واللعب معها لما لها من مميزات تفاعلية مختلفة عن الألعاب الأخرى، ولكن بالتزامن مع ذلك الحدث بدأ المختصون ينتبهون لأثر هذه اللعبة على الأطفال بشكل خاص ويحذرون من اقتنائها، بينما يرى البعض الآخر منهم العكس تماماً، ولذلك سنتعرف معاً في هذا المقال على حقيقة الأمر: هل الصبارة الراقصة قد تسبب إصابة الأطفال "بالإيكولاليا" أم لا؟ هل "الصبارة الراقصة" ضارة أم نافعة؟ وكيف يمكننا الاستفادة منها تربوياً؟ وما هي الإرشادات الواجب اتباعها في اختيار الألعاب للطفل؟ وأهم المقترحات لألعاب بديلة مفيدة للأطفال؟
أصل الحكاية
لا تعتبر الفكرة الأساسية في لعبة الصبارة الراقصة جديدة، فقد تكرر ذات المحتوى في ألعاب سابقة مثل سبونج بوب والدب الراقص وألعاب أخرى راقصة ومتكلمة، كما أن الصبارة الراقصة بداية انتشارها كان خارج مصر، وكان يتم استيرادها وطرحها في السوق المصرية، ولكن السعر الخاص بها يحدد نوعية الطبقة القادرة على الشراء ويقدر بنحو 200 جنيه مصري، وكما نعرف فليس بمتناول جميع فئات الشعب شراء لعبة بهذا الثمن.
لذلك لم تلقَ رواجاً واسعاً في البداية، ولكن يعتقد أن حملة تسويق إعلامي هي السبب الرئيس في الترويج لهذه اللعبة، إضافة إلى بدء أصحاب الحرف المحليين بتصنيع اللعبة باستخدام خامات محلية، وبالتالي تطرح في السوق بسعر أقل من الاستيراد مما سهّل وصولها لدى جميع فئات الشعب، ولكن كثرة الإقبال عليها جعل بعض التجار يرفعون من ثمنها كثيراً ليصل إلى نحو 600 جنيه مصري رغم أن الخامات محلية، ولكن في النهاية هي لعبة مكونة من قماش وقطن وقطع بلاستيكية لا أكثر ولا أقل، وشكلها وفكرتها محببة لدى الجميع وتخفف من ضغوطهم الحياتية أثناء اللعب بها، وهذا هو محور الحديث، ولكن كان لابد من معرفة أصل الحكاية في البداية.
"الإيكولاليا" وعلاقتها بالصبارة الراقصة
في البداية لابد أن نعرف ما هى الإيكولاليا؟ وما سبب الإصابة بها؟ وبالإجابة على ذلك سنعرف هل لها علاقة بالصبارة الراقصة، وهل لها ضرر مباشر على الطفل أم لا؟
تعد الإيكولاليا أو الصدَوية اضطراباً في عملية التواصل، يظهر على شكل تكرار الكلام مباشرة بعد سماعه أو بعد وقت قصير، تصيب الصغار وتستمر معهم إذا لم تتم معالجتها.
أسباب الإصابة بالإيكولاليا
يقول حسام فتوح شرارة، مختص النطق واللغة الرئيسية، إن هناك العديد من الأسباب التي تساعد على ظهور هذه المشكلة ومنها:
· تعد الإيكولاليا عرضاً لوجود مرض نفسي أو عصبي أو إعاقة ذهنية، فنسبة الإيكولاليا على سبيل المثال تبلغ 85% من أطفال التوحد الذين لديهم صدَوية، وكذلك ترتفع النسبة إلى 80% عند المكفوفين.
· كثرة إلحاح الأهل على تكرار الكلام من قبل طفلهم يساعد على تفاقم المشكلة في الكثير من الأوقات أو المكفوفين.
· التشتت والحركة الزائدة تضعف القدرة على الاستماع والمعالجة اللغوية، ويلجأ الطفل للتكرار وليس للتعبير.
· كثرة الاستماع للأغاني التي تعتمد على تكرار الكلمات السريعة بدون استعداد لغوي وفكري مناسب للتعبير.
· التأخر اللغوي لدى الأطفال يُصحب عادة بالإيكولاليا.
· التدريب الخاطئ على مهارات التخاطب واعتماد أسلوب التلقين والتكرار غير الممنهج.
· تعزيز استجابات الإيكولاليا المبكرة لدى الطفل.
الخلاصة: يتبين لنا شيء مهم جداً وهو أن الإصابة بالإيكولاليا عرض لمرض نفسي أو عصبى أو إعاقة، عرض مصاحب أو ناتج عن التشتت وضعف الانتباه، التوجيه والتدريب الخاطئ من الأهل للطفل سواء في استخدام اللغة أو الأدوات المساعدة لتعلمها.
وهذا يوضح بشكل قاطع أن أية لعبة أو وسيلة مستخدمة لتعليم وإكساب الطفل اللغة والكلام سواء كانت الصبارة الراقصة أو غيرها ليست هي السبب في الإصابة بالإيكولاليا وغيرها، وإنما استخدامنا الخاطئ والمفرط كأقل تقدير هو ما يساهم بذلك.
هل " الصبارة الراقصة" نافعة أم ضارة؟
يتساءل كثير من الأهل حول مدى نفع أو ضرر الصبارة الراقصة، وذلك حرصاً منهم على ما ينفع أطفالهم، ولكن سواء كانت الصبارة الراقصة أو أي وسيلة أخرى في العالم، ليست هي من يتم الحكم بنفعها أو ضررها، وإنما الحكم يكون على طريقة استخدامنا لها، فيكون السؤال الأصوب هو "هل نحن نستخدم الصبارة الراقصة بشكل نافع أم ضار؟"
وبالتالي يأتي الجواب من كيفية استخدامنا، وبلا شك أن الاعتدال في الاستخدام هو الأصوب دون إفراط أو تفريط.
كيف يمكننا الاستفادة من الصبارة الراقصة تربوياً؟
– تعتبر الصبارة الراقصة وسيلة تربوية مناسبة ورائعة جداً للأطفال، بشرط أن يتم استخدامها في إطار تربوي قيمي ذي أهداف محددة مسبقاً، وتنفذ خلال برنامج يتناسب مع الطفل حتى ولو بشكل بسيط وليس بشكل احترافي، فيمكن للمختصين استخدامها بشكل تقني، ويمكن للأهل استخدامها بشكل مبسط، وذلك حسب مستوى الهدف المراد تحقيقه عبر استخدامها، واتباع منهج وبرنامج تربوي يلائم احتياجاته منها.
– ويمكن استخدامها في التعليم (مهارة ما، أو سلوك ما).
– وتستخدم كوسيلة للتعزيز والإثابة.
– وكوسيلة لتعديل السلوك (لتأكيد سلوك إيجابي، أو تعديل آخر سلبي)، ولكن كما ذكرنا بشرط أن يتم ذلك وفق برنامج تربوي مناسب للطفل حتى لو كان هدفاً بسيطاً في عقل المربى يود تطبيقه في مواقف الحياة اليومية.
– التنويع في استخدام الوسائل التربوية، وعدم الاقتصار عليها فقط.
– عدم الإفراط بكثرة وبدون داعٍ في استخدام المثيرات والمساعدات اللفظية.
– استخدام النمذجة والتكرار من خلال أن يقوم المربي بذكر خطوات تفريش الأسنان مثلاً، والصبارة تكرر الخطوات ويقوم الطفل بعمل النمذجة.
دليلك لاختيار لعبة مناسبة لطفلك
يشير الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية، إلى أن اختيار لعبة الطفل أمر مهم ويغفله الكثير من الآباء، ويجب أن يتم وفق عدد من الأسس من أجل مساعدة الطفل على التطور والتنمية، وكبح الآثار السلبية عنه، ومن أبرز تلك الأسس ما يلي:
1- عدم احتواء الألعاب على شيء حاد ومدبب قد يتسبب في جرح الطفل.
2- اختيار اللعبة التي تتناسب مع عمر الطفل بشكل محدد.
3- تجنب الألعاب العنيفة والتي تساعد الطفل على اكتساب السلوكيات العنيفة.
4- عدم تسبب اللعبة في إثارة الخوف والقلق لدى الطفل.
5- عدم احتواء اللعبة على الكثير من المثيرات، مثل الألوان والأضواء والأصوات المزعجة، خاصة في المراحل المبكرة حتى لا تسبب في تشتت انتباه الطفل.
10 مقترحات لألعاب بديلة مفيدة للأطفال يمكنك صنعها أو شراؤها
يجب على كل الآباء والأمهات توفير ألعاب تعليمية لأبنائهم، لأنها بكل تأكيد تحدث فرقاً كبيراً في حياة أطفالنا، وتساعد على نمو مهارات عديدة ومختلفة، سواء مهاراتهم الحركية أو تنمية المهارات الذهنية لهم، وهي في ذات الوقت وسيلة تعليمية محببة جداً للأطفال، فهي ليست كالواجبات المنزلية بالنسبة لهم، ولا يتم إجبارهم على أدائها، بل هم الذين يسعون لها ويقبلون عليها بكل حب وشغف؛ لذلك تكون المهارات التي يتم اكتسابها من تلك الألعاب عالية جداً، وإليكم أهم المقترحات:
1- الوجه المتغير لتوسيع آفاق مهارات طفلكِ العقلية
2- لعبة المتاهة
3- لعبة موقع البناء
4- بالونات الضغط الترفيهية
5- صندوق كرة القدم
6- دمى الظل
7- لعبة التفاعلات الكيميائية للأطفال "Scientific Mind"
8- الدوائر الكهربائية لتنمية ذكاء الأطفال "Snap Circuits"
9- لعبة ماجنا تايلز "Magna-Tiles"
10- لعبة تابلت التطبيقات للأطفال "Osmo Genius Kit"
ختاماً، الصبارة الراقصة ستزيد من إصابة الطفل بالإيكولاليا وغيرها إذا تم استخدامها بشكل خاطئ ومفرط، أو بتوجيه وتدريب خاطئ من المربي، وعوضاً عن ذلك نستطيع الاستفادة منها كوسيلة تربوية محببة للطفل وتوظيفها ضمن إطار ومنهج تربوي ذي أهداف وقيم محددة، واتباع الإرشادات السليمة عند اقتناء الألعاب للطفل، إضافة إلى البحث عن الألعاب المفيدة تربوياً لأطفالنا والمناسبة مع أعمارهم، فيكفينا ظلماً للصبارة الراقصة واتهامها بما لم تفعله، وعلينا أن نُحسن استخدام الأشياء وألا نجعلها تستخدمنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.