في البداية لم تكن لقاحات كورونا متوفرة للسلطات الفلسطينية، والآن بعد وصول ملايين الجرعات أصبح إقناع الفلسطينيين بالتطعيم مهمة أصعب، والسبب إسرائيل والأعراض الجانبية.
كانت إسرائيل من أوائل دول العالم توفيراً للقاح لمواطنيها، في تناقض صارخ مع الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء في الضفة الغربية والقدس الشرقية أو قطاع غزة المحاصر.
وقبل عدة أشهر انتشرت تقارير تقول إن إسرائيل تتفاوض مع السلطة الفلسطينية لتقديم جرعات من لقاح كورونا "أوشكت صلاحيتها على الانتهاء"، وكان لذلك تأثير هائل على قرار كثير من الفلسطينيين بعدم تلقي اللقاحات من الأساس.
ماذا يقول رافضو التطعيم؟
رصد موقع Al Monitor الأمريكي مواقف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر من تلقي لقاحات كورونا في تقرير بعنوان "حملة التطعيم في غزة تعوقها شائعات الآثار الجانبية"، ألقى الضوء على الصعوبات التي تواجهها السلطات الفلسطينية لإقناع المواطنين بتلقي اللقاح.
فعلى مدى أشهر، واجهت السلطات الفلسطينية صعوبات بالغة في تطعيم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر بسبب نقص إمدادات اللقاح، وفقاً لما أوردته صحيفة The New York Times الأمريكية.
والآن بعد حصولها على ملايين الجرعات، تواجه تحدياً جديداً يتمثل في إقناع الجزء الأكبر من الجمهور بتلقي اللقاح.
وفي قطاع غزة المحاصر، تقدم وزارة الصحة الفلسطينية اللقاحات للسكان مجاناً في أكثر من 300 مركز طبي، وفقاً لموقع Al Monitor الأمريكي. ومع ذلك، لا تزال أعداد من يتلقون التلقيح منخفضة للغاية، حيث بلغ عدد متلقي اللقاح 130 ألف شخص فقط من أصل مليوني نسمة، وفقاً لبيانات وزارة الصحة.
وقال خالد فياض (72 عاماً)، لموقع Al Monitor: "كنت أرغب في التوجه إلى أقرب مركز تطعيم، لكنني غيرت رأيي بعدما علمت بأمر سيدة أصيبت بجلطة دماغية وكادت تموت بعد أيام قليلة من تلقيها اللقاح. وهي لا تزال تعاني من آثار جانبية سلبية".
وأضاف: "قبل عدة أشهر، حاولت إسرائيل تزويد السلطة الفلسطينية بدفعة من اللقاحات اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها، وهذا ما جعلني أنا وغيري أكثر عزوفاً عن التطعيم. إذ يبدو أن غزة أصبحت حقل تجارب"، وقال إنه مستمر في الالتزام بعادات النظافة الشخصية والتباعد الجسدي.
ماذا عمن تلقوا اللقاح بالفعل؟
ومن جهة أخرى، يقول صبحي الكرد (65 عاماً) لموقع Al Monitor: "تلقيت بالفعل الجرعة الأولى والثانية من لقاح سبوتنيك الروسي في أحد مراكز التطعيم التابعة للأونروا. وأصبت ببعض الأعراض بعد الجرعة الثانية، لكنها لم تكن بالسوء الذي يتحدث عنه الناس".
ودعا الكرد سكان قطاع غزة وخاصة كبار السن الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس إلى تجاهل الشائعات عن المخاطر والآثار الجانبية والذهاب لتلقي اللقاح في أقرب وقت ممكن.
ومن جانبه، قال رامي العبادلة، مدير مكافحة العدوى في وزارة الصحة في غزة، لموقع Al Monitor: "كل اللقاحات المتوفرة في المراكز الصحية آمنة. وهي تسبب أعراضاً خفيفة خلال 48 ساعة من التطعيم. واللقاح مهم لحماية المواطنين من المضاعفات الخطيرة للفيروس. والشائعات عن خطورة هذه اللقاحات لا أساس لها".
وأوضح أن "معظم مرضى مستشفيات قطاع غزة ممن لم يتلقوا اللقاح"، مشيراً إلى أن الآثار الجانبية للقاحات تشمل عادةً صداعاً وحمى خفيفة.
وقال العبادلة: "والأعراض الأخطر التي يتحدث عنها الناس تحدث بين أناس تلقوا التطعيم لكنهم مصابون بأمراض مزمنة. لكن هذا لا يزال ثمناً ضئيلاً جداً مقارنة بفوائد اللقاح في الوقاية من الفيروس".
وأكد أن الكثير من السكان عزفوا عن تلقي التطعيم بعد ظهور شائعات عن تزويد إسرائيل السلطة الفلسطينية قبل بضعة أشهر بكميات كبيرة من الجرعات التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء. لكن العبادلة قال بثقة: "اللقاحات في الأراضي الفلسطينية آمنة وتخضع لفحص دوري لمعرفة تاريخ انتهاء صلاحيتها".
المعلومات المضللة تلعب دوراً
وفي هذا السياق، بدأ مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة حملة لتوعية سكان القطاع بسلامة اللقاحات وطرق مساعدة الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس من خلال الإعلانات الإذاعية واللوحات الإعلانية ومقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعية.
ومن جانبه، قال شادي اللحام، مدير صحة مدينة بيت لحم: "لدينا اللقاحات، لكننا بحاجة ماسة إلى حضور الناس لتلقي اللقاح. فهي مهمة لمساعدتنا على تجاوز الجائحة"، وفقاً لصحيفة The New York Times. لكن حتى الآن، تلقى 37% فقط من سكان الضفة الغربية المؤهلين جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.
ووفقاً لعبد السلام الخياط، رئيس قسم الصحة العامة في كلية الطب بجامعة النجاح في نابلس بالضفة الغربية، ساهمت المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، إلى جانب المخاوف التي لها ما يبررها عن تراجع فاعلية اللقاح، في هذا الإحجام واسع النطاق عن التطعيم. وقال: "الأمر ببساطة هو أن كثيراً من الناس لا يتلقون معلومات موثوقة عن اللقاحات".
يقول عيسى أبو هليل (53 عاماً) أثناء بيعه البطيخ في سوق البلدة القديمة المفتوح: "قرأت على الإنترنت أن الناس سيموتون بعد عامين من أخذ اللقاح. ولهذا قررت أنني لن أتناول اللقاح. لماذا أخاطر وصحتي ممتازة".
العصا لمن يرفض اللقاح
وفي الأسبوع الماضي، قررت السلطة الفلسطينية وحركة حماس، التي تحكم غزة، إلزام موظفي الحكومة بالتطعيم في محاولة منهما لحمل الناس على تلقي اللقاح. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في إعلانه هذا القرار إن رفض التطعيم "ليس مسألة حرية شخصية. فحريتك تنتهي حين تضر بصحة الآخرين".
وقالت السلطة إن موظفي القطاع العام الذين لا يتلقون التطعيم سيمنحون إجازة غير مدفوعة الأجر حتى نهاية الجائحة. ويُشار إلى أن الحكومة هي أكبر جهة توظيف في الضفة الغربية، وقال مسؤولون فلسطينيون إن عدد التطعيمات زاد بشكل كبير في الأيام الأخيرة، بعد دخول الأمر الحكومي حيز التنفيذ.
يقول أشرف القِدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة، إن جميع موظفي الحكومة في غزة ملزمون بتلقي اللقاح وإلا فسيواجهون عقوبات قانونية. وقال القدرة إن أي شخص في القطاع الخاص يجعله عمله على اتصال مباشر بالجمهور ملزم بتلقي اللقاح أيضاً إن أراد البقاء في وظيفته.
لكن بعض المنظمات الحقوقية أعربت عن تحفظها إزاء صرامة هذه الإجراءات، وقالت إنه بإمكان المسؤولين تقديم حوافز عوضاً عن ذلك، مثل إجازة إضافية لتلقي اللقاح، أو السماح للموظفين الذين رفضوا اللقاح بمواصلة العمل شريطة خضوعهم للفحص بصفة دورية.
يقول عمار الدويك، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهي هيئة حكومية فلسطينية: "لا بد من الموازنة بين الصحة العامة والحريات الشخصية. لكنني أعتقد أنه كان بإمكان السلطات أن تولي مزيداً من الاعتبار لبدائل أخرى في هذا الخصوص".
وفي مركز تطعيم بمدينة بيت لحم يوم الخميس، كان تأثير قرار السلطة الفلسطينية بإلزام موظفيها بالتطعيم واضحاً. إذ احتشد العشرات أمام طاولة لتلقي جرعات اللقاح، فيما كان آخرون يملأون أوراق رسمية في الخارج. على أن عديد من الأشخاص الذين تلقوا التطعيم قالوا إنهم فعلوا لأنهم اضطروا لذلك فقط.
يقول محمد قوار (34 عاماً) الذي يرغب في العمل سائق تاكسي: "لست مقتنعاً باللقاح على الإطلاق"، لكن وزارة النقل لن تسمح له بإجراء اختبار القيادة إلا إذا كان لديه ما يثبت تلقيه اللقاح. وقال: "لا أرى أي فائدة من اللقاح، لكنني أريد أن أعمل سائق تاكسي. ولذا، ليس لدي خيار آخر فعلياً".
ولا يعتبر موقف الرافضين من الفلسطينيين للقاحات كورونا شاذاً أو استثنائياً، فالجدل بشأن اللقاحات وأعراضها الجانبية أمر منتشر حول العالم، وهناك نسبة كبيرة من المواطنين في أمريكا وأوروبا ترفض أيضاً تلقي اللقاحات.
وفي روسيا، اتخذت السلطات قرارات صارمة لإجبار مواطنيها الرافضين للتطعيم بتلقي اللقاحات، منها حرمانهم من التواجد في الأماكن العامة كالمنتزهات والمطاعم ودور السينما، بينما اتخذت دول أخرى قرارات أكثر صرامة.
ومؤخراً أثبتت دراسة حديثة أن الأشخاص الذين تعافوا من كورونا خلال الموجات السابقة للوباء لديهم مخاطر أقل للإصابة بمتغير "دلتا" الهندي الأكثر خطورة من أولئك الذين حصلوا على جرعتين من لقاح "فايزر".