انتقلت السيطرة على مطار كابول من القوات الأمريكية إلى حركة طالبان، بعد انسحاب آخر جندي أمريكي من أفغانستان، فما هو حال هذا المطار، بعد الاضطرابات والتدمير الذي شهده مؤخراً، وهل تستطيع طالبان إدارته، وجعله بوابة خروج لباقي المواطنين الغربيين والأفغان المرتبطين بهم؟
فرضت طالبان سيطرتها على المطار وبدأت في تأمينه وكان لافتاً أن الحركة أدخلت فرقة قواتها الخاصة المعروفة باسم اللواء بدري 313، وهي قوة ترتدي ملابس مماثلة لقوات الكوماندوز الغربية عكس بقية قوات طالبان التي ترتدي ملابس تقليدية، وهي مزودة بأسلحة وأجهزة رؤية تبدو مماثلة لقوات الكوماندوز في بقية دول العالم، وهو ما يظهر أن طالبان حريصة على فرض الأمن في النظام الذي شهد حالة من الفوضى الهائلة في الأيام الأخيرة لسيطرة الأمريكيين، وكأنها تود أن تجعل المطار دليلاً على أنها أقدر على حكم البلاد مما تعتبره احتلالاً أمريكياً.
أسباب التخريب في مطار كابول
نظراً لكون أفغانستان دولة حبيسة، يعتبر مطار كابول الدولي الذي بناه السوفييت عام 1960 منفذاً رئيسياً لها على العالم الخارجي، ومن الواضح أن القوات الأمريكية التي غزت أفغانستان أواخر عام 2001 وأطاحت بحكم طالبان، كانت تدرك ذلك، فنال المطار جانباً كبيراً من الاهتمام وتمت توسعته ومضاعفة مساحته.
وأصبحت المشاهد الفوضوية في المطار، وخاصة مشاهد تسلق الأفغان لعجلات الطائرات الأمريكية وهي تحلق محور اهتمام العالم، إلى حين خروج آخر جندي أمريكي في 30 أغسطس/آب 2021، حيث كان الجنرال كريس دوناهو قائد الفرقة المحمولة جواً في الجيش الأمريكي وبرفقته السفير روس ويلسون آخر من صعدا على متن الطائرة العسكرية التي أقلعت من كابول وأسدلت الستار على حرب استمرت 20 سنة.
وأظهرت مقاطع فيديو مشاهد العشرات وهم يتعلقون في الجزء الخلفي من طائرة عسكرية من طراز C-17A على مدرج المطار، وكانت هناك تقارير غير مؤكدة- مدعومة بالفيديو- أن الطائرات التجارية على متنها تزاحم شديد، واضطر بعض الأشخاص إلى مغادرة الطائرات لأنها كانت زائدة الوزن ولا يمكنها الإقلاع.
ولكن الجانب الذي لم يتم التركيز عليه هو مقدار التدمير والأضرار التي لحقت بالمطار سواء جراء التدفق عليه، أو بسبب الهجوم الذي نفذته داعش في المطار أو عمليات التخريب أو التدمير التي قام بها الأمريكيون لما قالوا إنه معدات حساسة في المطار.
ولكن لا يعرف بالضبط ما هو المقصود بالمعدات الحساسة، وهل تقتصر فقط على المعدات العسكرية الأمريكية التي يمكن أن تستخدمها طالبان في جهدها الحربي أو قد تصل لخصوم واشنطن، مثل الصين وإيران وروسيا.
وأعلن الجيش الأمريكي أنّه أعطب قبل انسحابه من مطار كابول، ليل الإثنين، طائرات وآليات مدرّعة ومنظومة دفاعية مضادّة للصواريخ، وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكنزي خلال مؤتمر صحافي إنّ قواته "نزعت سلاح" هذه الأعتدة أي أعطبتها وجعلتها غير قابلة للتشغيل مرة أخرى.
وأضاف ماكنزي أنّ العتاد الذي تمّ تعطيله يشمل 73 طائرة، مؤكّداً أنّ "هذه الطائرات لن تحلّق مرة أخرى".
وأضاف: "لن يتمكّن أحد من استخدامها"، مشيراً إلى أنّ "معظمها كان أصلاً خارج الخدمة، لكن من المؤكّد أنّها لن تتمكّن من الطيران مرة أخرى".
وكشف أن الجيش الأمريكي دمر 70 عربة مصفحة مضادة للألغام و27 مدرعة هامفي في مطار كابول.
وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي، في إفادة صحفية بوزارة الدفاع (البنتاغون)، إن الجيش الأمريكي دمر منظومة دفاع صاروخي CRAM" في مطار كابول بسبب صعوبة تفكيكها. مشيراً إلى أنها استخدمت لاعتراض هجمات تنظيم داعش الإرهابي.
ما هي حالة المطار الفنية؟
تقرير لفضائية الجزيرة نقل عن مصادر أفغانية قولها إن أبراج المراقبة في المطار وأجهزة الكمبيوتر، الخاصة بالمراقبة والتسيير قد دمرت.
فمن الواضح أن خليطاً من الفوضى والخوف وهوس الأمريكيين، بمنع سقوط الأسلحة الأمريكية في يد طالبان، قد أدى إلى إلحاق ضرر لا يمكن تحديد مداه بالمطار.
ونقلت قناة الجزيرة عن مقاتلين من طالبان قولهم إنه كان هناك تعمد من القوات الأمريكية، في تخريب المطار، وصل إلى تخريب المقاعد في صالات الانتظار من أجل عرقلة إعادته للعمل.
ومن هنا فإن تشغيل المطار يحتاج إلى جهد مالي وفني، ضخم لا يتوافر للحركة حتى لو أعادت موظفي المطار من الأفغان للعمل، ومن الواضح أن الحركة تتطلع إلى دور قطري وتركي في هذا الصدد، وهو أمر يتم بالتنسيق مع واشنطن.
ولكن اللافت هنا أن الحركة تريد أن يكون الدور التركي والقطري فنياً بالأساس، وليس أمنياً، ولكن المشكلة أنه في المطارات يتداخل الفني بالأمني، لأن عملية تأمين المطارات، تتطلب قدرات تكنولوجية وخبرات لا تتوافر لطالبان رغم صرامتها العسكرية، ولا حتى للفنيين الأفغان الذين اعتمدوا على الدعم الغربي لسنوات.
وفي الأغلب، فإن طالبان ستتوصل لشكل من أشكال الاتفاق مع الجانبين القطري والتركي في هذا الشأن، بحيث تتولى طالبان التأمين الأمني الصرف، فيما التأمين الفني والأمني ذو الطابع الفني سيتولاه الجانبان القطري والتركي "مثل عمليات الكشف عن المتفجرات".
ولكن حتى لو تم التوصل لاتفاق فإن إصلاح التخريب الذي لحق بالمطار سوف يحتاج وقتاً، ونقلت قناة الجزيرة عن مصادر من طالبان أن الأمر قد يستغرق عشرة أيام، وهو تقدير قد يكون متفاؤلاً.
بدائل لمطار كابول
وقد يكون أحد الحلول إيجاد مطار رديف، إذ تفيد المصادر بأن مطار مدينة مزار شريف الواقعة في شمال غرب البلاد، صالح للعمل، وبالفعل، هبطت رحلة تحمل معونات من منظمة الصحة العالمية وفرتها حكومة باكستان من دبي، وهبطت في مطار مزار شريف في 30 أغسطس/آب 2021، وهي الأولى من ثلاث رحلات طيران من المقرر أن تسيرها الخطوط الجوية الباكستانية لسد نقص في الأدوية والإمدادات الطبية في أفغانستان بشكل عاجل.
وهناك حديث عن إمكانية إعادة مطار قندهار للخدمة أيضاً، ورغم أن هذين المطارين يمثلان بدائل لمطار كابول، في حال طالت فترة إعادة تشغيله، ولكن يظل استخدامهما إشكالياً في بلد كبير المساحة ووعر ويعاني من نقص البنى التحتية والاضطراب الأمني مثل أفغانستان، وخاصة أن أغلب الأفراد الراغبين في الخروج من البلاد، موجودون في العاصمة كابول.
وبصرف النظر عن المآسي التي حدثت في مطار أفغانستان، فإن المطار محظوظ أفضل من بقية البلاد، لأن العالم مهتم ببساطة به؛ لأنه المكان الذي يتلهف للذهاب إليه المواطنون الغربيون والأفغان المرتبطون، بهم، وبالتالي لاستكمال عمليات الإجلاء سوف يكون هناك ضغط ودعم غربي لإصلاحه.
ولكن السؤال ماذا عن بقية أفغانستان، التي بدأت فعلياً تتعرض لحصار اقتصادي وسياسي، أوضح مظاهره تجميد الولايات المتحدة لأرصدة البنك المركزي الأفغاني لديها، مما يهدد بأزمة اقتصادية في بلد منهار اقتصادياً أصلاً.
ولقد بدأ الغرب يفرض الشروط على طالبان المنتشية بالنصر السريع، وهي تتجاوب سريعاً لنيل الاعتراف الدولي، حيث أفادت تقارير إعلامية بأن الجانب الأمريكي لم يشكُ من سلوك طالبان، حتى الآن واعترف وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، بأنها تلتزم بتعهداتها حتى الآن، ولكن فور بقية إخراج الأمريكيين والمواطنين الغربيين من أفغانستان، فلن يكون الغرب في حاجة لطالبان كثيراً، وبالتالي قد يمعن في فرض الحصار على أفغانستان، بعد أن يفرض في الأغلب شروطاً على طالبان فيما يتعلق بطريقة للبلاد، يعلم أنها لا تستطيع تطبيقها.