منح البرلمان الإيراني، الذي يسيطر عليه المحافظون الثقة لوزراء حكومة إبراهيم رئيسي، الرئيس الايراني المنتخب حديثاً في 18 يونيو/حزيران 2021، وافق النواب بالإجماع على 18 وزيراً، ولكن وزير التعليم لم يستطع كسب ثقة مجلس النواب، ومن المتوقع تغييره خلال ثلاثة أشهر، بحسب ما تنص عليه اللائحة الداخلية للبرلمان الإيراني.
إبراهيم رئيسي، الرئيس المحافظ، ورجل الدين البالغ من العمر 60 عاماً، والذي جاء إلى منصبه بعد انتخابات رئاسية مثيرة للجدل، ووصفت بأنها الانتخابات الأقل تنافسية، وأقل نسبة إقبال انتخابي في تاريخ الجمهورية الإسلامية، أي منذ 42 عاماً، اختار لوزارة الخارجية، الدبلوماسي المحسوب على المعسكر المحافظ، أمير حسين عبداللهيان.
منح البرلمان الإيراني المكون من 290 عضواً، الثقة لعبداللهيان كوزير للخارجية، بأغلبية 270 صوتاً، وعارض 10 التصويت، وامتنع 6 فقط عن التصويت.
من هو وزير الخارجية الإيراني الجديد؟
وُلد أمير حسين عبداللهيان عام 1964 في محافظة سمنان الشمالية الشرقية، حصل على درجتي البكالوريوس والدكتوراه في الشؤون الدولية من جامعة طهران، بدأ عبداللهيان مسيرته الدبلوماسية الرسمية عام 1992 كمحلل سياسي لشؤون الخليج بوزارة الخارجية الإيرانية.
شارك أمير عبداللهيان كأصغر دبلوماسي في المحادثات الأمريكية-الإيرانية في عام 2007 في العاصمة العراقية بغداد، ومن عام 2007 إلى عام 2010 كان سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى دولة البحرين، وبحسب مصادر مقربة من أمير عبداللهيان، تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الدبلوماسي الإيراني، لعب دوراً بارزاً في هذه الفترة في تهدئة الصراع بين شيعة البحرين والنخبة الحاكمة من الطائفة السنية.
بعد أن ترك منصبه كسفير لطهران في البحرين، شغل منصب نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية، في الفترة ما بين عام 2011 إلى عام 2016، وكان تركيزه الأكبر خاصة في السنوات الأولى من منصبه هذا، منصباً على العراق، اليمن، سوريا.
تولى أمير عبداللهيان منصبه الأخير في الولاية الثانية لحكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وعندما أتت حكومة روحاني في عام 2013، لم يترك عبداللهيان منصبه.
يقول مصدر مقرب من الدبلوماسي عبداللهيان، لـ"عربي بوست": "حينها طلب الجنرال سليماني، من وزير الخارجية جواد ظريف، إبقاء عبداللهيان في منصبه، ولم يكن أمام ظريف سوى الموافقة".
وبحسب المصدر ذاته، فإن أمير عبداللهيان كان على علاقة قوية ووثيقة بالحرس الثوري الإيراني بصفة عامة، وبالجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني بشكل خاص، فيقول المصدر: "العلاقة بين عبداللهيان وسليماني كانت قوية للغاية؛ كان الأخير يشرك عبداللهيان في أغلب الأمور المتعلقة بالأوضاع في العراق، وسوريا على وجه التحديد".
خلافه مع جواد ظريف
استمر أمير عبداللهيان في منصبه كنائب لوزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية، حتى عام 2016، ثم قرر وزير الخارجية آنذاك، جواد ظريف، إقالته من الوزارة، دون إعلان الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار.
دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، وعمل بجانب جواد ظريف طوال الثماني سنوات الماضية، يقول لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "أمير عبداللهيان شخص متشدد، لا يصلح لأن يكون دبلوماسياً مرناً، كان دائماً على خلاف مع السيد ظريف، وكان ظريف مجبراً على بقائه في الوزارة، بأوامر من سليماني".
وبحسب المصدر الدبلوماسي، فإن سبب إقالة ظريف لأمير عبداللهيان، كان خلافاً على أمر المحادثات مع إحدى الدول العربية التي لم يسمِّها الدبلوماسي السابق، فيقول لـ"عربي بوست": "استاء جواد ظريف من تعامل أمير عبداللهيان مع ملف المفاوضات مع إحدى دول الخليج، ووصفه بأنه تبنى نهجاً قاسياً ومتشدداً نحو إعادة العلاقات مع هذه الدولة الخليجية".
بعد أن أقال جواد ظريف، أمير حسين عبداللهيان من منصبه في وزارة الخارجية، تم تعيينه على الفور كمستشار للشؤون الدولية والخارجية لرئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني، واستمر في منصبه حتى مع قدوم محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، إلى أن تم اختياره وزيراً للخارجية في عهد الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي.
بعد أن منحه البرلمان ثقته، هنأ جواد ظريف الوزير المنتهية ولايته، أمير عبداللهيان بمنصبه الجديد، عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر، متمنياً التوفيق له ولوزارة الخارجية.
وزير بطلب من الحرس الثوري الإيراني
أثار اختيار إبراهيم رئيسي، لأمير عبداللهيان وزيراً للخارجية، الكثير من الجدل، خاصة داخل الأوساط المعتدلة والإصلاحية في إيران، والتي رأت أن عبداللهيان من الممكن أن يدمر أي تقارب حدث بين إيران والغرب، بشأن الصفقة النووية.
يقول الناشط السياسي الإصلاحي، حسين أكبر زادة، لـ"عربي بوست": "معروف عن أمير عبداللهيان معاداته للتفاوض مع الغرب، وهذا ينذر بالخطر الذي يحيط بشأن استئناف مفاوضات فيينا".
تجدر الإشارة، إلى أنه منذ شهر أبريل/نيسان الماضي، قامت كل من الولايات المتحدة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بست جولات من المفاوضات غير المباشرة، في العاصمة النمساوية فيينا، والتي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، أو ما يعرف رسمياً بـخطة العمل الشاملة المشتركة، تم إيقاف هذه المفاوضات، بعد انتخاب إبراهيم رئيسي في 18 يونيو/حزيران، بأسابيع قليلة، وتأمل الإدارة الأمريكية والشركاء الأوروبيون الموقعون على الصفقة النووية مع إيران، في استئناف المفاوضات في المستقبل القريب.
بالعودة إلى اختيار إبراهيم رئيسي، لوزير خارجيته الجديد، تحدث مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست"، معلقاً على هذا الأمر بالقول: "أمير عبداللهيان لم يكن اختيار رئيسي بشكل كامل، بل إنه جاء بناءً على طلب من قادة الحرس الثوري، وخاصة فيلق القدس، فعبداللهيان تربطه علاقات وثيقة للغاية بقادة الحرس، وهم من يريدون أن يكون أمير نائبهم داخل وزارة الخارجية".
وفي هذا الصدد، يعلق الدبلوماسي الإيراني السابق، قائلاً: "كان دائماً عبداللهيان بمثابة عين لسليماني داخل وزارة الخارجية، علاقتهم كانت شخصية وقريبة للغاية، لذلك ليس من المستغرب أن يتم اختياره لمنصب وزير الخارجية".
الدبلوماسية والميدان
فى الأشهر القليلة الماضية، كان قد انتشر تسجيل صوتي مسرب لوزير الخارجية المنتهية ولايته، محمد جواد ظريف، وهو يتحدث عن الكثير من الأمور ضمن مشروع التاريخ الشفوي لحكومة حسن روحاني.
في هذا التسجيل المسرب، انتقد جواد ظريف، التدخلات الكثيرة للجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني في عمل الدبلوماسية، وتفضيله للميدان (الميدان العسكري)، مقابل استخدام الدبلوماسية الإيرانية.
لكن، أمير عبداللهيان، على ما يبدو أنه يسير على نفس درب الجنرال قاسم سليماني، يقول مصدر مقرب من عبداللهيان لـ"عربي بوست": "غضب عبداللهيان كثيراً من حديث ظريف المسرب، قائلاً إن الدبلوماسية والميدان يجب أن يسيرا على خطى واحدة"، ويضيف المصدر قائلاً: "عبداللهيان مؤمن بإدارة فيلق القدس للسياسة الخارجية الإيرانية، ويرى أن وزارة الخارجية ما هي إلا منفذ لأوامر القادة العسكريين".
الجدير بالذكر، أنه بعد الانتشار الواسع للتسجيل الصوتي المسرب لوزير الخارجية السابق جواد ظريف، صرح المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في خطاب له، كان أغلبه توبيخاً قوياً لظريف، أن السياسة الخارجية يتم صنعها داخل المؤسسات العليا في البلاد، ووزارة الخارجية تنفذ فقط ما توصلت إليه المؤسسة العليا، مما يشير إلى أن وزير الخارجية الإيراني الجديد، أمير عبداللهيان يسير على نفس الدرب الذي أشار إليه آية الله خامنئي.
ماذا عن الاتفاق النووي والسياسات الإقليمية؟
وعد الرئيس الإيراني الجديد، في حملته الانتخابية، وبعد تنصيبه باستكمال المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، والعودة إلى الاتفاق النووي في حال عادت واشنطن إليه أولاً.
كرر هذا الوعد، وزير الخارجية الإيراني الجديد، أمير عبداللهيان، لأنه وضع شروطاً للتفاوض والعودة إلى الصفقة النووية، ووصف الأمر بأنه يستلزم إدارة قوية.
يقول مصدر دبلوماسي مقرب من أمير عبداللهيان، لـ"عربي بوست": "اتفق رئيسي مع فريقه الجديد للسياسة الخارجية على بعض الشروط التي يجب أن تنفذها الولايات المتحدة، لتقوم إيران بالعودة بالوفاء بالتزاماتها وفقاً لبنود الاتفاق النووي".
وبحسب المصدر ذاته، فإن هذه الشروط يمكن تلخيصها في إزالة جميع العقوبات التي تم فرضها منذ أن انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بما فيها العقوبات غير النووية والتي ترتبط بسجل طهران في مجال حقوق الإنسان.
يقول المصدر الدبلوماسي المقرب من أمير عبداللهيان، لـ"عربي بوست": "الفريق الجديد مصمم على إزالة العقوبات التي تم فرضها على الحرس الثوري، والدائرة المقربة من آية الله علي خامنئي والعاملين بمكتبه".
كما أن من ضمن الشروط الجديدة، رفع العقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني، وإتاحة الحرية الكاملة لإقامة طهران علاقات تجارية طبيعية مع دول العالم، بجانب الإفراج عن الأصول المجمدة لإيران في الدول الأجنبية، ورفع الحظر عن تصدير النفط الإيراني.
لكن أهم شرط تحدث عنه المصدر السابق، كان أمر التحقق، فيقول: "وضع فريق السيد رئيسي، شرطاً هاماً ضمن قائمة الشروط الجديدة، وكانت قد أغفلته إدارة حسن روحاني، وهو التحقق من أن جميع الشروط السابقة تم تنفيذها من قبل الولايات المتحدة".
وبحسب المصدر، فإن إدارة إبراهيم رئيسي طلبت مدة زمنية تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، للتحقق من قيام الولايات المتحدة برفع جميع العقوبات المذكورة أعلاه.
يقول الباحث في الشؤون الدولية، والمقيم بطهران، ميثم فريديون، لـ"عربي بوست": "هذه الشروط قاسية ولا تتمتع بالمرونة، ومن شأنها إرجاع المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن عشرات الخطوات إلى الوراء، نعم يريد المتشددون العودة إلى الاتفاق النووي، لكنهم في نفس الوقت يريدون أن يثبتوا أن إدارة روحاني كانت ضعيفة وخاضعة لواشنطن وأوروبا، لذلك وضعوا قائمة من الشروط القاسية".
فيما يخص السياسات الإقليمية المتوقعة في عهد وزير الخارجية الإيراني الجديد، فعلى ما يبدو أنه يتبع نهج القيادة العليا بشكل دقيق، يقول مصدر مقرب من أمير عبداللهيان لـ"عربي بوست": "السيد عبداللهيان مؤمن تماماً بضرورة التوجه إلى الشرق، وإقامة علاقات قوية مع كل من روسيا والصين، وتوطيد العلاقات مع باقي الدول الآسيوية".
وبحسب المصدر ذاته، فإن أمير عبداللهيان، منفتح على الحوار الإقليمي مع دول الخليج، وهذا ما أكده إبراهيم رئيسي، في أول مؤتمر صحفي له بعد انتخابه، يقول المصدر: "السيد عبداللهيان لديه أجندة لاستكمال التفاوض مع الرياض، وتوسيع التعاون مع سوريا والعراق، ودعم حلفاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة".
بالنظر إلى جميع ما سبق، فمن المتوقع أن يلعب رئيس الخارجية الجديد، أمير عبداللهيان دوراً كبيراً في توثيق العلاقات الإيرانية مع دول مثل روسيا والصين، بجانب استكمال الحوار الإيراني-السعودي الذي تمت عدة جولاته منه في العاصمة العراقية بغداد، ولكن دوره لن يكون مشابهاً لدور جواد ظريف الذي استمر لثماني سنوات يحاول تطبيع العلاقة بين بلاده والعالم الغربي، لإخراج إيران من عزلتها الدولية.