حركة طالبان تحكم أفغانستان، هذا هو الأمر الواقع الآن، ومطار حامد كرزاي ما زال يستقطب التغطية الإعلامية كاملة، في ظل عمليات الإجلاء وما يتعلق بها من فوضى وصخب، لكن ماذا عن الحياة في كابول نفسها؟
ومنذ دخل مقاتلو طالبان العاصمة كابول، الأحد 15 أغسطس/آب، ليمثل ذلك اليوم عودة الحركة إلى حكم أفغانستان من جديد، بعد عشرين عاماً من إطاحة الغزو الأمريكي بها، تركز الاهتمام الإعلامي بمطار كابول الدولي وما يشهده من عمليات إجلاء للقوات والمواطنين الغربيين والمتعاقدين معهم من الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد.
ولا تزال السيطرة الفعلية على المطار بيد القوات الأمريكية، بينما تتولى قوات الحركة عملية التنظيم خارج المطار وفي الشوارع المؤدية إليه، ومن المفترض أن ينتهي هذا الوضع بنهاية أغسطس/آب الجاري، لتتولى طالبان السيطرة على المطار كاملة.
وولاية بنجشير هي الوحيدة التي لم تسيطر عليها طالبان بعد، وفيها يوجد أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود أحمد، أبرز قادة أفغانستان الذين قاتلوا ضد الغزو السوفييتي وكان يلقب "بأسد بنجشير"، ويحاصر مقاتلو الحركة حالياً وادي بنجشير، بينما تدور مفاوضات بين الجانبين لتجنب الحرب.
ماذا عن الحياة في العاصمة كابول؟
يبلغ سكان أفغانستان نحو 37 مليون نسمة، نحو 3 ملايين منهم لاجئون خارج البلاد، ويتركزون في إيران وباكستان، بينما يبلغ سكان العاصمة كابول نحو 7 ملايين نسمة، فكيف هي الحياة في العاصمة، بعيداً عن المطار منذ عادت طالبان للحكم؟
تناولت صحيفة The New York Times الأمريكية محاولة الإجابة عن هذا السؤال في تقرير لها بعنوان "تحت حكم طالبان، الحياة في كابول تتغير مرة أخرى"، حيث أجرت مقابلات مع بعض السكان في الأحياء المختلفة للعاصمة.
ورصد تقرير الصحيفة مواصلة طالبان إحكام سيطرتها على أحياء وشوارع العاصمة، ويسود الهدوء النسبي أغلب تلك المناطق، في تناقض شديد مع الفوضى التي تسود المطار، إذ لاذ العديد من السكان بمنازلهم أو غامروا بالخروج ليلقوا نظرة حذرة على شكل الحياة تحت سيطرة الحكام الجدد.
وتباينت التقارير بتباين الأحياء والأشخاص من مدينة عادت لحكم حركة طالبان، التي تواصل إصدار رسائلها الهادفة لبث الطمأنينة، ليس فقط للخارج، ولكن أيضاً للأفغان أنفسهم. فالحركة تتعهد الآن بسلوك نهج معتدل، يختلف عن حكمها الأول من 1996 وحتى 2001، والذي اتسم بالصرامة وحرمان الفتيات من التعليم والنساء من العمل.
وحتى السكان الذين قالوا إنهم يخشون طالبان كانوا في حالة ذهول من النظام والهدوء النسبيين اللذين سادا في الشوارع بعد سنوات من تصاعد الجرائم والعنف الذي أصبح جانباً يومياً من جوانب الحياة في العاصمة.
بين من يقول "خائف" ومن يذهله غياب الجريمة
لكن بالنسبة للبعض، كان هذا الهدوء نذير شؤم. يقول أحد السكان ويدعى مهيب إن الشوارع في الجانب الذي يقيم فيه من المدينة، مهجورة، والناس يلوذون بمنازلهم "وهم في حالة خوف وذعر".
ويقول مهيب، الذي، مثل عشرات السكان الذين عقدت الصحيفة معهم مقابلات لكتابة هذا المقال، لم يذكر سوى اسمه الأول لدواعٍ أمنية: "يشعر الناس أن طالبان قد تأتي في أي لحظة وتأخذ كل شيء منهم".
ويقول سيد، وهو موظف حكومي، إن أعداد النساء في المناطق المركزية المليئة بمقاتلي طالبان قليلة، ومن يغامرن بالخروج يرتدين البرقع، ولكن في أماكن أخرى من المدينة، حيث لا يوجد حضور كبير لطالبان، كانت النساء يخرجن "بملابس عادية مثلما كان الحال قبل طالبان"، وفقاً لما قالته شاباكا التي أضافت أنها خرجت بنفسها والتقت بأعضاء في حركة طالبان دون وقوع حوادث رغم أنها كانت ترتدي "ملابسها المعتادة". وقالت إن الحي الذي تقطنه يسوده شعور كامن بالخوف، لكن الوضع هادئ أيضاً.
وكانت آراء البعض إيجابية عن وصول طالبان للحكم، على عكس أسلافهم الأفغان المدعومين من الولايات المتحدة، الذين كانوا مكروهين بسبب فسادهم. وفي أحد الأحياء في الطرف الغربي من كابول عادت حركة المرور والأعمال إلى طبيعتها تقريباً رغم تزايد صعوبة الحصول على الوقود.
البلاد أكثر نظاماً وأمناً
يقول سائقو الشاحنات والحافلات إن الطرق السريعة في أفغانستان أصبحت أكثر أماناً بعد أن عززت طالبان سيطرتها على البلاد. وأشاد السائقون بإزالة العشرات من حواجز التفتيش، حيث كانت قوات الأمن والميليشيات تبتزهم لدفع رشاوى، أما الآن فلا يدفعون سوى مبلغ محدد من المال لطالبان.
يقول روح الله (34 عاماً)، أحد سكان ولاية وردك ويعمل سائق لحافلة ركاب على الطريق السريع الرئيسي من هرات إلى كابول: "نحن سعداء بالإمارة الإسلامية. فقد حل وصول طالبان إلى الحكم مشاكلنا، ولم نعد نواجه مضايقات من الشرطة أو نضطر لدفع رشاوى".
وبعد الفراغ الذي أحدثه سقوط الحكومة الأفغانية يتجه قادة طالبان للتشاور مع ممثلي باقي الفصائل في البلاد ومع الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، بشأن شكل الحكومة ونظام الحكم الجديد، وإن كانت الحركة أعلنت أنها لن تفصح عن أي من هذا قبل مغادرة باقي القوات الأجنبية، أي بنهاية أغسطس/آب الجاري.
ولكن في كابول، لا يوجد ما يدل على وجود سلطة جديدة في المكاتب الحكومية حتى الآن. يقول خالد إنه لا يوجد موظف حكومي واحد في مكتب الهويات الإلكترونية الحكومي. وقال إن موظفي الخدمة المدنية لم يذهبوا إلى العمل خوفاً من عقاب طالبان، وكانت الحركة قد طالبت الموظفين بالانتظام في أعمالهم بشكل طبيعي، لكن يبدو أن البعض لا يزال متردداً.
بينما قال سكان آخرون للصحيفة الأمريكية تحدث تغييرات في الموظفين في مكاتب حكومية أخرى. إذ يقول رازق، وهو وكيل سفريات: "من كانت لديهم وظائف في الحكومة فقدوها، وطالبان تُعين موظفين جدداً".
وقد أدى استيلاء طالبان السريع على السلطة إلى تقويض الاقتصاد الهش الذي كان يعتمد إلى حد كبير على المساعدات الخارجية. ومع توقف تدفق الأموال الأمريكية وصندوق النقد الدولي إلى أفغانستان، أصبحت طالبان معزولة وتواجه أزمة مالية.
ويقول السكان إنه فضلاً عن إغلاق البنوك فقد توقفت الحوالات، أي عمليات نقل الأموال غير الرسمية أيضاً، ودأب الناس على تخزين الدولارات الأمريكية الشحيحة في ظل الانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية الأفغانية.
يقول الصحفي رحمةُ الله إن الأموال تنفد من الناس لأنهم لا يتمكنون من الوصول إلى حساباتهم المصرفية. ويقول: "والناس لا يستطيعون الاقتراض لأن لا أحد لديه نقود".
ارتفاع الأسعار وبعض البنوك عادت للعمل
لكن اليوم الأربعاء 25 أغسطس/آب وبتوجيهات من طالبان، فتحت بعض البنوك الأفغانية أبوابها أمام المتعاملين وعادت للعمل، وشهدت تلك البنوك إقبالاً كبيراً وجرى العمل فيها بشكل طبيعي، بحسب ما نقلته قناة الجزيرة من كابول.
وقد فاقم التضخم من صعوبة حياة الناس اليومية. وأضاف رحمة الله أن سعر خمسة لترات من زيت الطهي قفز إلى 1200 أفغاني بعد أن كان 500 أفغاني. وأكد العديد من السكان أن أسعار الغذاء مرتفعة بشكل عام.
يقول حسن، وهو موظف في منظمة غير حكومية، إن بعض الفواكه والخضراوات المنتجة محلياً أصبحت أرخص من ذي قبل لأن الحدود مغلقة والتجار لا يمكنهم تصديرها. وأضاف أن ثمن 7 كيلوغرامات من التفاح انخفض من 500 أفغاني إلى 100 أفغاني. وفي ظل نضوب الأموال، ارتفعت معدلات البطالة بشكل واضح في المدينة.
يقول سيد، الموظف الحكومي: "المئات من العمال المأجورين وعمال البناء يسيرون في الشوارع كل يوم ولا يوجد من يريد توظيفهم. وكابل تواجه أزمة فقر مدقع". وقال السكان إن ارتفاع تكلفة الوقود أثر حتى على حركة طالبان المنتصرة.
إذ توقف بعضهم عن قيادة شاحنات فورد رانجر التي استولوا عليها من الشرطة الأفغانية. وقال رازق، وكيل السفريات، إن شاحنة صغيرة واحدة قد تضم 16 مقاتلاً من مقاتلي طالبان. وبدا أن الأفغان الذين يقطنون العاصمة ولا يعرفون شيئاً عن الحياة في ظل حكم طالبان هم الأشد قلقاً من هذا النظام الجديد.
سكان كابول يعيشون في حالة من الترقب
يقول سيف الله، الذي يعمل في تحويل الأموال غير الرسمية: "الناس قلقون على حياتهم الآن. ولا يبالون بإعادة فتح مصالحهم، والمدارس والمراكز التعليمية مغلقة، والطلاب الصغار يحاولون إيجاد طريقة للفرار من البلاد الآن، ولا يبالون بالعودة إلى المدرسة".
ويقول السكان إن الشباب الأفغان يغادرون كابول بصفة يومية للعبور إلى البلدان المجاورة. ويقول محمد، المسؤول الحكومي السابق، إن الحافلات التي تتجه إلى المناطق الحدودية تمتلئ بالشباب الذين ينتظرون المهربين في ساحات انتظار السيارات في الفنادق لنقلهم عبر الحدود.
وقال: "الحافلات التي تغادر كابول إلى الولايات الحدودية مكتظة، لكنها تكون فارغة عند عودتها"، وأضاف أن تكلفة تذكرة الحافلة المتجهة إلى الحدود تزيد عن سعر تذكرة العودة بمقدار الضعف.
يقول رازق، وكيل السفريات، إنه بعد كتابته منشوراً على فيسبوك يعلن فيه أن بإمكانه توفير تأشيرات دخول إلى أوزبكستان، تلقى 557 رسالة نصية وأكثر من 300 مكالمة. أما بالنسبة لمن كانوا يعملون مع الأمريكيين وغيرهم من القوات الغربية، فكان هذا الانسحاب المفاجئ والفوضى التي أعقبته خيانة كبرى للحياة التي ظنوا أنها ممكنة.
ومن هؤلاء أنيسة، التي عملت مع العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية والأفغانية في مدينة قندوز بشمال أفغانستان. وأقدمت أنيسة على حرق جميع أوراقها حين اجتاحت طالبان مدينتها، وفتّشت منازل الأشخاص المشتبه في أنهم يعملون مع الأجانب. وقالت إنها عالقة الآن في مخيم في كابول "في وضع مزرٍ". وتقول إنها حين ترى طالبان "يستولي شعور بالخوف والرعب على كياني كله".