غموض كبير يحيط بمسار ومصير سفينة النفط الإيرانية المتجهة إلى لبنان وسط تساؤلات حول مدى احتمال تعرضها لهجوم أمريكي أو إسرائيلي أو منع مصر لعبورها من قناة السويس.
كان أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله أعلن، الخميس 19 أغسطس/آب 2021، انطلاق سفينة تحمل الوقود من إيران إلى لبنان، كما وعد بمزيد من السفن المشابهة، في محاولة لحلّ أزمة شُح الوقود التي تضرب لبنان منذ فترة.
وقبيل إعلانه الأخير، تحدث نصرالله مراراً عن عقوبات أمريكية مفروضة فعلياً وحصار خارجي على لبنان، إلى جانب الأزمة الداخلية وفشل معالجتها.
وهاجم نصرالله السفيرة الأمريكية في بيروت، دورثي شيا، قائلاً إنها "تبيعنا وعوداً وإن تحققت هذه الوعود سنعتبر أننا انتصرنا بكسر الحصار".
ويعاني لبنان منذ نحو عامين، أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، ما سبب شُحاً في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الذي كان يؤمنه المصرف المركزي لدعم استيراد تلك المواد.
أين وصلت سفينة النفط الإيرانية المتجهة إلى لبنان؟
وقال حسن نصرالله، أمس الأحد، إن سفينة إيرانية ثانية محملة بالمشتقات النفطية ستبحر "خلال أيام" إلى لبنان، مُشيراً إلى أن الأولى "أبحرت"،
واعتبر أن الموضوع ليس موضوع سفينة أو سفينتين، قائلاً: "سنواصل هذا المسار طالما بقي الوضع في لبنان هكذا وطالما البلد محتاج".
وتعهد بأن من سيأتي به هو للبنان ولكل اللبنانيين وليس لحزب الله أو للشيعة أو لمنطقة دون غيرها، قائلاً: "الهدف هو مساعدة كل اللبنانيين وكل المناطق اللبنانية وليس مساعدة فئة دون فئة".
هل يمكن أن تمنع مصر السفينة من عبور قناة السويس؟
ويرجح خبراء، أن يستغرق وصول سفينة النفط الإيرانية سواء إلى السواحل اللبنانية أو السورية ما بين 8 إلى 12 يوماً، في حال سلكت خط قناة السويس، وإلى 40 يوماً إن اتخذت طريق رأس الرجاء الصالح جنوب إفريقيا ومنها إلى مضيق جبل طارق، حسبما ورد في تقرير لجريدة النهار اللبنانية.
وجرت العادة أن تسلك البواخر الإيرانية المسار التالي: تبحر من إيران وتمرّ بمضيق هرمز وباب المندب والبحر الأحمر، مروراً بقناة السويس لتصل إلى سوريا.
وفي عام 2019، نفت هيئة قناة السويس المصرية التقارير المتعلقة بمنع ناقلة نفط إيرانية من المرور عبر قناة السويس، حيث قال طارق حسنين، المتحدث باسم هيئة قناة السويس، لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، إن "الملاحة في قناة السويس حق لأي سفينة من أي دولة".
وأوضح أن الهيئة لها الحق في منع مرور السفن في حالتين فقط عندما تكون السفينة تحمل علم دولة في حالة حرب مع مصر أو عندما لا تتمكن السفينة من عبور القناة بسبب بعض المشاكل الفنية.
وقالت صحيفة haaretz الإسرائيلية إنه إذ مرت سفينة النفط الإيرانية المتجهة إلى لبنان فإن ذلك إنجاز لحزب الله، وسيفتح طريقاً جديداً غير خاضع للرقابة بين إيران ولبنان، وسوف يُنظر إلى هذا الممر البحري الجديد غير الخاضع للرقابة الأمريكية والإسرائيلية الذي قد يمر عبر قناة السويس على أنه إنجاز لحزب الله يختبر كلاً من إسرائيل ومصر.
وتقول الصحيفة إن إسرائيل ومصر تفكران بلا شك في كيفية التصرف، مشيرة إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هدد بالفعل بالرد على أي اعتداء على الناقلات.
غير أن الصحيفة لفتت إلى أنه غالباً ما يستشهد بينيت بحرب لبنان الثانية عام 2006 كتجربة أثرت في وعيه وشكلت رؤيته للقضايا الاستراتيجية. كان الدرس البارز من الفشل النسبي لحكومة إيهود أولمرت في تلك الحرب هو الافتقار إلى النضج والعمق في الحكومة الأمنية في أعقاب السكتة الدماغية التي أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون.
ونقلت صحيفة النهار اللبنانية عن الخبيرة في النفط والغاز، لوري هايتيان، أنّه "أحياناً للتمويه (بسبب العقوبات المفروضة على إيران)، يكون المسار أوسع وأطول لتمرّ البواخر عبر جبل طارق".
لكن تتوقّع هايتيان أن يكون المسار المعتاد هو مسار باخرة النفط الإيرانية القادمة إلى لبنان، أي عبر قناة السويس. ويستغرق المسار هذا أسبوعين.
قد لا تستقبلها الحكومة اللبنانية وقد تفرغ حمولتها في سوريا
وعن الأمور اللوجستية المتوجِّبة لترسو هذه الناقلة في أحد الموانئ اللبنانية، تقول هايتيان: "هذه الباخرة هي حالة خاصة لأنّها آتية متحديةً الكون كلّه، ولا نعرف إذا ما كانت سترسو في مرفأ بيروت أو في أيٍّ من المرافئ الأخرى".
وعن توقعات التفريغ وكيفيته، ترى هايتيان أنّه "استناداً لما يقوله الحزب بعدم رغبته بتحميل لبنان عقوبات من جراء هذه الباخرة، هناك سيناريو يفيد بأنّ الباخرة قد تفرّغ حمولتها في سوريا".
وعلى الأرجح، بحسب هايتيان، ألّا تفرّغ الباخرة حمولتها في مصافي النفط التابعة لوزارة الطاقة اللبنانية، "بما أنّ الباخرة وما عليها خاضع للعقوبات، إلّا إذا قررت وزارة الطاقة التزوّد ببضاعة خاضعة للعقوبات"، معتبرة أن "أي أحد يمكن أن يتعامل مع هذه السفينة قد يتعرّض لخطر العقوبات، من التفريغ، للتخزين، للتوزيع، للاستعمال، وبالتالي هنا تكمن العقبة الأساسية".
هل تقصف أمريكا السفينة؟
في المقابل، لفت الخبير العسكري العميد المتقاعد شارل أبي نادر إلى أن"إيران تخضع لعقوبات أمريكية، وليس لعقوبات دولية، أو لعقوبات صادرة عن الأمم المتحدة".
ويستبعد الخبير العسكري المتقاعد أن تتعرض سفينة الوقود الإيرانية المتجهة إلى أي هجوم عسكري، "لأنه لا مبرر له، والسفينة لا تحمل مواد محرمة دولياً أو أسلحة نووية وبالتالي لا يحق لأي كان مهاجمتها".
وقال أبي نادر لصحيفة النهار: "إن أمريكا بإمكانها معاقبة الدول التي تتعامل مع السفينة لكن لم يحدث أن قصفت باخرة"، مشيراً إلى أن "ناقلات النفط الإيرانية تزود العديد من الدول من الصين إلى الهند".
ويرى أن اعتبار نصرالله السفينة أرضاً لبنانية، يكون بذلك قد "ضمّها إلى معادلة توازن القوى مع إسرائيل بحيث إنه لم يلزم نفسه بمعركة سفن أو معركة بحرية في حال تعرض السفينة لهجوم وهي معركة ربما لا يستطيع المواجهة فيها بل وضعها ضمن الأرض البرية، وبالتالي أي اعتداء عليها يعني اعتداء على الأرض اللبنانية ويرد عليه بالمثل".
ويؤكد أبي نادر على "ضرورة انتظار قرار الدولة اللبنانية وهو أساسي بهذا الموضوع، بحيث إذا رفضت الدولة استقبالها بطريقة رسمية يكون دخولها انتهاكاً للقوانين والسيادة اللبنانية، وبإمكان القوى البحرية منعها".
وقال كريم مرهج، الزميل غير المقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، لموقع Middle East Eye البريطاني: "إذا هاجَمَ الإسرائيليون الناقلة، أو عرقلت الولايات المتحدة حركتها، فسوف يكون انتصاراً لحزب الله".
وأضاف: "سيقولون إن هذا دليلٌ على أن العالم يحاصر لبنان، وإنهم ممنوعون من تزويد المستشفيات بالوقود أو ما إلى ذلك".
وهاجم خصوم حزب الله قرار جلب الوقود من إيران، مثل رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، فيما لم يصدر أي تعليق بعد لرئيس البلاد ميشال عون حول الأمر، وعون حليف لحزب الله الذي ساهم في إيصاله للرئاسة.
واعتبر الحريري أن سفن الدعم الإيرانية، ستحمل معها إلى اللبنانيين، مخاطر وعقوبات، كما اتهم طهران بأنها تعطل تأليف الحكومة بهذه الخطوة.
أما جعجع، فأشار إلى أن ما يقوم به "حزب الله" غير قانوني دولياً ويعرِّض لبنان لكارثة حقيقية، متخوفاً من مصادرة القرار الاقتصادي للبلاد من قبل الحزب، بعدما كان صادر سابقاً القرار العسكري والأمني.
هل تخضع البلاد لعقوبات أمريكية؟
يقول الأستاذ في القانون الدولي بول مرقص، إن استيراد الوقود من إيران بدون الحصول على إعفاء خاص من وزارة الخزانة الأمريكية، قد يضع البلاد تحت خطر عقوباتها، سواء ضد أفراد أو مؤسسات.
وقال مرقص للأناضول إن السلطات الأمريكية تفرض منذ 2018 عقوبات على كل من يقدم على الدخول بصفقات مع شركات النفط الإيرانية سواء في سبيل شراء أو حيازة أو بيع أو نقل أو تسويق.
إلا أن عملية الاستيراد يمكن أن تتمّ من دون أية عواقب، إذا حصل لبنان على إعفاء خاص من هذه العقوبات وذلك عبر تقديم الدولة اللبنانية طلب إعفاء أو استثناء من قبل وزارة الخزانة الأمريكية.
مبالغة سياسية
تلك التخوفات والتحذيرات من قبل خصوم "حزب الله"، يضعها المؤيدون لإدخال الوقود الإيراني إلى لبنان، في خانة "التهويل السياسي".
يقول الباحث في الشؤون الإقليمية طلال عتريسي، إن الحديث عن إدخال لبنان في صراع محاور بسبب هذه السفينة هو غير واقعي، إنما تهويل سياسي، في وقت أن اللبنانيين يبحثون عن أبسط مقومات الحياة.
ويضيف عتريسي للأناضول، أن القوى السياسية في لبنان هي في الأساس جزء من المحاور في المنطقة، جزء منها مع المحور السعودي-الأمريكي، وجزء آخر مع محور إيران، وبالتالي الانقسام حول القضايا ليس بأمر جديد.
"لذلك، فإن كل التحذيرات من المساعدة النفطية من إيران هي غير واقعية، وإن أية عقوبات أمريكية ستفرض بسبب السفينة على لبنان سواء على أفراد أم شركات، لن تكون أصعب من المعاناة التي يعيشها اللبنانيون حالياً"، حسب عتريسي.
ويقول خصوم "حزب الله" السياسيين بأن السبب الأساسي لأزمة الوقود في لبنان، هي عمليات تهريب تلك المواد من لبنان إلى سوريا، ويتهمون الحزب بأنه كان يُسهّل تلك العمليات في الفترة السابقة.
أمريكا تريد جلب الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا وإسرائيل
وبعد ساعات قليلة من خطاب نصر الله، أبلغت السفيرة الأمريكية دورثي شيا، الرئيس عون، قرار واشنطن بمساعدة لبنان للحصول على الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، وتسهيل نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي منير ربيع، إن الغاز المصري الذي سيصل إلى لبنان، مربوط بشكل مباشر بالغاز الإسرائيلي، لأن أنابيب الغاز مشتركة.
وهنا السؤال، هل ستوافق دمشق على هذا الأمر وتدخل في تطبيع غير مباشر مع إسرائيل أم لا؟ حسب ربيع.
السفينة تُصعب مهمة تشكيل الحكومة
واعتبر ربيع أن دخول السفينة الإيرانية، قد لا يكون له تأثير مباشر على عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، لكنها قد يؤثر على صعيد مهمة ميقاتي وعلاقته مع الأمريكيين والفرنسيين.
ولفت إلى أن السفينة الإيرانية قد تثقل مهمة ميقاتي، الذي يراهن على دعم واشنطن، وقد تدفعه هذه التطورات إلى جعله متردداً في تقديم التنازلات لصالح الرئيس ميشال عون (حليف حزب الله).
وفي 26 يوليو/تموز الماضي، كُلف ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة تصريف الأعمال الراهنة التي استقالت بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، ومنذ ذلك الحين يعجز لبنان عن تشكيل حكومته.