سبَّبَ إعلان الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، أن ناقلة وقود إيرانية في طريقها إلى لبنان، صدمةً في جميع أنحاء الدولة المنكوبة، قابلها نصر الله بالتوعد بمزيد من استيراد النفط الإيراني إلى لبنان.
بل لم يكتف نصر الله بذلك، فلقد رد على الانتقادات بالتلويح بجعل الشركات الإيرانية تستخرج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية.
ويشار إلى أنه منذ نحو عامين، يعاني لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، ما سبب شُحاً في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الذي كان يؤمنه المصرف المركزي لدعم استيراد تلك المواد.
وقال نصر الله، في كلمةٍ مُتلفَزة يوم الخميس 19 أغسطس/آب،: "إن شاء الله ستصل هذه السفينة وغيرها بسلام"، مضيفاً أن جماعته المدعومة من إيران تهدف إلى توزيع الوقود على المستشفيات وأماكن تصنيع الأغذية والأدوية، وعلى المخابز وموزِّعي المولِّدات الخاصة- وجميعهم يكافحون على مدار شهور من أجل الحفاظ على إمداداتٍ ثابتة من الوقود.
وحذَّرَ نصر الله الولايات المتحدة وإسرائيل من التدخُّل، قائلاً إن الشحنة، التي تنتهك الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على إيران، تعتبر على "أراضٍ لبنانية".
وطرح المحلِّلون أن هذه الخطوة تعني أن أزمة الوقود المدمِّرة في لبنان قد تنتهي من كونها قضيةً محلية إلى قضية جيوسياسية- وهو أمرٌ قد ينتهي بدوره إلى صرف الانتباه عن القضايا الخطيرة في الداخل، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وليس هناك الكثير من التفاصيل حتى الآن حول ناقلة الوقود الإيرانية التي انطلقت من البلاد يوم الخميس الماضي.
وبحسب صحيفة Nournews الإيرانية، قامت مجموعةٌ لم تطلق عليها الصحيفة اسماً، من "رجال أعمال لبنانيين شيعة"، بشراء الوقود وموَّلَت شحنه.
ورغم أن حزب الله قال إن السفينة أبحرت، قالت وزارة الطاقة اللبنانية لموقع Middle East Eye البريطاني، إنها "لم تتلقَّ أيَّ طلبٍ من أيِّ ناقلة نفطٍ إيرانية".
معارضو حزب الله خائفون من نتائج استيراد النفط الإيراني إلى لبنان
واتَّهَمَ معارضو حزب الله في لبنان نصر الله بإشعال نيران أزمةٍ سياسية واقتصادية متوتِّرةٍ في البلاد من خلال إعلانه.
وأدان زعيم تيار المستقبل ورئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، حزب الله، واتَّهَمَ الحزب بانتهاك السيادة اللبنانية.
وقال الحريري في بيانٍ على الإنترنت إن "هذه المواقف ستضاعف من معاناة الشعب الاقتصادية ومعاناة ظروفه المعيشية، وسوف تمهِّد الطريق إلى الجحيم"، زاعماً أن لبنان قد يتعرَّض لعقوباتٍ مالية "مماثلة لعقوبات فنزويلا".
وألقى سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية المسيحية، باللوم على الرئيس ميشال عون في تشجيع حزب الله على ذلك. وقال جعجع في بيانٍ على الإنترنت: "أنت تسمح لحزب الله بالتعامل مع هذه الأمور من خلال وسائل ملتوية وغير قانونية دولياً. وهذا سيعرِّض لبنان لكارثةٍ حقيقية".
الأزمة وصلت لمستوى كارثي والرئيس اللبناني لم يعلق على إعلان نصر الله
ولم يعلِّق مكتب الرئيس اللبناني ميشال عون ولا حزبه، التيار الوطني الحر، على ناقلة الوقود الإيرانية.
ويعاني لبنان من أزمةٍ اقتصادية خانقة. وفقدت عملته المحلية حوالي 90% من قيمتها، ويعيش ما يُقدَّر بنحو 78% من السكَّان في فقر.
وعاش لبنان بدون حكومةٍ كاملة منذ ما يقرب من 13 شهراً، ويواجه بعض التوتُّرات الأسخن بين كتل الأحزاب السياسية الطائفية.
ومع نفاد احتياطيات لبنان، رفع مصرفه المركزي فجأة برنامج دعم الوقود المُكلِّف وغير الفعَّال، مع عدم وجود برنامج حماية اجتماعية لتخفيف الأعباء.
وتفاقم نقص الوقود إلى درجة أن المستشفيات والمخابز تكافح من أجل البقاء في العمل، في حين أن معظم المنازل لا تحصل إلا على بضع ساعاتٍ من الكهرباء كلَّ يوم، ويتعيَّن على السائقين الوقوف في طوابير لساعاتٍ في كلِّ مرةٍ لتعبئة سياراتهم.
وأوضح عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، في حديث تلفزيوني، أن 90% من المحطات في لبنان لا تملك المواد النفطية "بنزين ومازوت".
وتعهَّدَت الحكومة والمنظمات الدولية بمليارات الدولارات لمساعدة لبنان على التعافي من الأزمة، بشرط أن تنفِّذ البلاد إصلاحاتٍ شاملة لإنهاء الإنفاق المتزايد والفساد المستشري.
الدعوة إلى التجارة مع الصين وإيران
تحدَّثَ نصر الله عدة مرات عن اللجوء إلى التجارة مع إيران والصين، في ظلِّ غياب مساعداتٍ اقتصادية لإعادة الاقتصاد اللبناني المُدمَّر إلى الحياة مرةً أخرى، الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة ودول الخليج وحلفائها في لبنان من تزايد النفوذ الإيراني.
وقال متحدِّثٌ باسم وزارة الخارجية الأمريكية للموقع البريطاني إنه ليس لديه تعليقات على تصريحات نصر الله، لكن الوزارة "تراقب الوضع".
وأضاف المتحدِّث: "بشكلٍ عام، الوقود من بلدٍ يخضع للعديد من العقوبات مثل إيران ليس حلاً لمشكلات لبنان الهيكلية طويلة الأجل".
بداية مرحلة جديدة من الصراع حول لبنان
وقال المحلِّل السياسي بشار الحلبي إن إعلان الأمين العام لحزب الله عن استيراد النفط الإيراني إلى لبنان "فَتَحَ صفحةً جديدة في الصراع على لبنان".
وقال الحلبي للموقع البريطاني: "يحافظ حزب الله على منظور مؤيِّديه بأنهم كيانٌ يحقِّق انتصاراتٍ ونجاحاتٍ مستمرة ويمكنه فعل المستحيل- وإدخال ناقلة نفط إيرانية إلى لبنان يندرج ضمن هذه الفئة".
وأضاف: "إذا قاموا بتزويد المستشفيات على سبيل المثال بالوقود، فسوف يروِّجون ذلك في وسائل الإعلام الدولية لإظهار أنهم ينقذون الأرواح وما إلى ذلك".
تبرعات من اللبنانيين في الخارج والحزب يحاول التنصل من الأزمة
وبعيداً عن الانهيار السياسي والاقتصادي، أدَّت أزمة الوقود المتفاقمة في لبنان وظروف المعيشة إلى تحريك الشتات الكبير والعديد من الأشخاص في الخارج، وهؤلاء نظَّموا العديد من حملات جمع التبرُّعات في محاولةٍ لتخفيف حِدَّة الوضع.
ووفقاً لكريم مرهج، الزميل غير المقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، فإن هذه الخطوة تتماشى مع جهود حزب الله لتصوير نفسه على أنه كيانٌ خارج النخبة الحاكمة في لبنان.
وهذا مهمٌّ بشكلٍ خاص بعد الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت لبنان في أواخر العام 2019، والتي دعت الأحزاب السياسية الحاكمة في البلاد إلى التنحي بعد عقودٍ في السلطة. لكن حزب الله أدان الاحتجاجات.
وقال مرهج لموقع Middle East Eye: "لدى حزب الله نوابٌ ووزراءٌ في السلطة وحلفاءٌ رئيسيون في الحكومة".
وأضاف: "لكنهم يجدون أن من الضروري تصوير أنفسهم على أنهم جماعةٌ خارج الدولة ولا تشارك في الفساد".
ويتهم المجتمع الدولي بمحاصرة لبنان
وبينما يلقي النقَّاد من الطرف الآخر من الطيف السياسي باللوم على حزب الله باعتباره مصدراً رئيسياً للفساد وسبباً في البؤس الاقتصادي، جادَلَ حزب الله وبعض الحلفاء في كثيرٍ من الأحيان بأن المجتمع الدولي يحاصر لبنان من خلال عدم تحرير المساعدات الاقتصادية.
وغالباً ما يوصَف الحزب، من جانب منتقديه، بأنه "دولة داخل الدولة".
والآن، مع الانهيار الاقتصادي في لبنان وتبدُّد أفق الانتعاش، قال الحلبي إن مسؤولي حزب الله كانوا يحاولون إظهار قدرتهم على التغلُّب على الصعاب لتوفير احتياجات ناخبي الحزب.
ماذا سيحدث إذا هاجم الإسرائيليون الشحنة؟
وقال المحلِّل السياسي: "إذا هاجَمَ الإسرائيليون الناقلة، أو عرقلت الولايات المتحدة حركتها، فسوف يكون انتصاراً لحزب الله".
وأضاف: "سيقولون إن هذا دليلٌ على أن العالم يحاصر لبنان، وإنهم ممنوعون من تزويد المستشفيات بالوقود أو ما إلى ذلك".
بعد وقتٍ قصيرٍ من إعلان نصر الله، أدانت سفيرة الولايات المتحدة في لبنان، دوروثي شيا، زعيم حزب الله لإلقائه اللوم على واشنطن فيما يتعلَّق بمشكلات لبنان.
وقالت شيا في مقابلةٍ مع قناة العربية، المملوكة للمملكة السعودية: "يمكنه أن يحاول بقدر ما يريد أن يعلِّق كلَّ شيءٍ على الولايات المتحدة.. هل هذا أفضل ما يمكنه فعله؟".
صنَّفَت الولايات المتحدة حزب الله كمنظمةٍ إرهابية وفرضت عليه عقوبات، إلى جانب بعض حلفائها في البلاد.
أمريكا ترد بمحاولة جلب الغاز المصري عبر سوريا
وفي الشهر الماضي، يوليو/تموز، التقى رئيس الوزراء المُكلَّف سعد الحريري بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومسؤولين كبار آخرين في القاهرة، وناقشوا تصدير الغاز الطبيعي إلى لبنان عبر الأردن، بتمويلٍ من البنك الدولي للتصدير.
ويواجه ذلك المسعى عقبةً كبرى، بالنظر إلى أن الغاز الطبيعي سيمرُّ عبر خط أنابيب سوري إلى لبنان، مِمَّا قد ينتهك أحكام قانون "قيصر" التي تستهدف الحكومة السورية.
وبحسب بيانٍ صدر من مكتب الرئيس عون، فقد أبلغته السفيرة الأمريكية أن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين واردات الغاز الطبيعي وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتحسينها. والأهم أنها أبلغته أن الغاز الطبيعي سيمرُّ عبر سوريا.
وقال الحلبي لموقع Middle East Eye: "إذا تمكَّن الأمريكيون من إيجاد حلٍّ مستدام لأزمة الوقود، فسوف يكون ذلك مكسباً لهم".
ونصر الله يتوعد بمزيد من نفط طهران، بل شركات تنقيب إيرانية أيضاَ
المفارقة أنه بعد الإعلان الأمريكي بالعمل على توصيل الغاز للبنان، والانتقادات لقراره، أعلن حسن نصر الله الأحد 22 أغسطس/آب 2021 أن سفينة ثانية ستبحر من إيران خلال أيام قليلة إلى لبنان، موضحاً أن الموضوع ليس موضوع سفينة أو سفينتين، قائلاً: "سنواصل هذا المسار طالما بقي الوضع في لبنان هكذا وطالما البلد محتاج".
وتعهد بأن من سيأتي به هو للبنان ولكل اللبنانيين وليس لحزب الله أو للشيعة أو لمنطقة دون غيرها، قائلاً: "الهدف هو مساعدة كل اللبنانيين وكل المناطق اللبنانية وليس مساعدة فئة دون فئة".
وعلق على الانتقادات الموجهة قائلاً: "نحن لسنا بديلاً عن الدولة اللبنانية ولسنا بديلاً عن الشركات التي تستورد المشتقات النفطية ولسنا ننافس أحداً. ولكن لن نقبل بأن يذل شعبنا".
ورحب الأمين العام لحزب الله بجلب الغاز المصري للبنان، قائلاً إنه يساعدنا في تشغيل الطاقة الكهربائية في لبنان، كما يساهم في كسر قانون قيصر ويحل مشكلة كبيرة في أزمة الكهرباء في لبنان.
واستدرك قائلاً: "المهم أن يعرف اللبنانيون أن أمر استجرار الغاز المصري عبر الأردن فسوريا وصولاً إلى شمال لبنان يحتاج إلى 6 أشهر على الأقل، كما أن خطوة نقل الغاز المصري بحاجة إلى مفاوضات وقبول من البنك الدولي وبحاجة إلى التفاوض مع سوريا".
وطالب الدولة اللبنانية بأن تتعامل مع الدولة السورية باحترام لتأمين خطة نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان، معتبراً أن السفيرة الأمريكية تبيع الوهم في موضوع جلب الغاز المصري، قائلاً: "المصريون جاهزون والأردنيون جاهزون ومن يمنع المشروع عبر سوريا هو الفيتو الأمريكي"، حسب تعبيره.
اللافت أنه تحدث عن إمكانية الاستعانة بشركات إيرانية لاستخراج الغاز والنفط اللبنانيين، قائلاً: "إذا أتى الوقت أنه ليس هناك شركات تريد الحفر لاستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية فنحن جاهزون للاستعانة بشركة إيرانية ولديها خبرة كبيرة ولديها الجرأة ولا تخاف من العقوبات الأمريكية ولا تجرؤ إسرائيل على استهدافها، معتبراً أن لبنان يستطيع الاستغناء عن استيراد المحروقات إذا ما تم التنقيب عن النفط والغاز قبالة الشواطئ اللبنانية".