لأول مرة في التاريخ، هطلت الأمطار على قمة الغطاء الجليدي بجزيرة غرينلاند، في وقت ارتفعت فيه درجات الحرارة فوق درجة التجمد، وذلك في حدث نادر للغاية، طبقاً لما أوردته صحيفة The Times البريطانية، الجمعة 20 أغسطس/آب 2021.
فعادةً ما تكون درجة الحرارة عند القمة أقل بكثير من نقطة التجمد، لكن ما حدث أن الحرارة ارتفعت لتتجاوز تلك النقطة على مدى تسع ساعاتٍ يوم السبت 14 أغسطس/آب، وظلت الأمطار تتساقط لعدة ساعات بدلاً من الثلج.
كانت غرينلاند قد شهدت ارتفاعاً غير معتاد في درجات الحرارة، التي وصلت إلى 18 درجة مئوية أعلى من المتوسط، في بعض المناطق؛ ما أدى إلى أكبر هطول للأمطار على أغطية جليدية ككل منذ أن بدأ تسجيل تلك الأحداث عام 1950، مع سقوط ما يقدَّر بسبعة مليارات أطنان من المياه على الجليد على مدار أكثر من ثلاثة أيام.
موجة حر شديدة
يُشار إلى أن غرينلاند تشهد، على غرار العديد من المناطق في نصف الكرة الأرضية الشمالي، موجة حر شديدة مع ارتفاع درجات الحرارة في قمة النهر الجليدي.
درجات الحرارة تلك أدت إلى سرعة ذوبان الجليد، وكانت كمية الجليد المفقودة، يوم الأحد 15 أغسطس/آب، سبع مراتٍ أكثر من المتوسط اليومي لهذا الوقت من العام.
من جهتهم، قال علماء من المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد بجامعة كولورادو الأمريكية، إن الانبعاثات التي تسبب فيها الإنسان هي المسؤولة عن التغيرات التي طرأت على مناخ غرينلاند.
أمر غير مسبوق
حيث أكد تيد سكامبوس، كبير علماء الأبحاث بالمركز، في تصريحات لشبكة CNN الأمريكية، أنه "لا يمكن النظر إلى ما يحدث باعتباره عقداً أو اثنين دافئين في ظل نمط مناخ متأرجح. ما يحدث، أمر غير مسبوق. نحن نتخطى عتبات لم نشهدها منذ آلاف السنين، وبصراحة لن يتغير هذا ما لم نعدل ما نفعله في الهواء".
سبق أن سُجل من قبلُ ارتفاع في درجات الحرارة يتجاوز نقطة التجمد عند قمة غرينلاند، في ثلاث أحداث سابقة.
بالتالي تُعدّ هذه ثالث أكبر كمية جليد تفقدها غرينلاند في يوم واحد منذ عام 1950. أما الكميتان الأخريان فقد حدثتا في 2012 و2019، أي إن الكميات الكبرى الثلاث فُقدت خلال عشر سنوات.
فيما أشار المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد إلى أنه "كانت تلك المرة الثالثة في أقل من عقد والأحدث في تاريخ الإحصاءات التي سجلتها محطة ساميت التابعة لمؤسسة العلوم الوطنية لارتفاع درجات الحرارة فوق نقطة التجمد وذوبان الجليد".
أمور قد تتكرر
بدوره، ذكرت جينيفر ميركر، من مكتب البرامج القطبية بمؤسسة العلوم الوطنية، وهي وكالة حكومية بالولايات المتحدة، أن "أحداث المناخ التي وقعت على مدار السنوات العشر الأخيرة، ومن ضمنها ذوبان الجليد والعواصف الشديدة والآن الأمطار، جميعها خارج نطاق ما هو طبيعي. وعلى ما يبدو ستحدث تلك الأمور مراراً".
في حين خلصت دراسة، أُجريت في مايو/أيار الماضي، إلى أن جزءاً من الغطاء الجليدي كان قريباً من نقطة التحول، التي سيصبح الذوبان المتسارع بعدها أمراً حتمياً حتى مع تقليل الانبعاثات العالمية سريعاً.
على أثر ذلك، فقدت غرينلاند كمية قياسية من الجليد مقدارها 532 مليار طن عام 2019، متجاوزة بذلك الرقمَ القياسي السابق للذوبان في عام 2015 بنسبة 15%.
كان علماء قد أفادوا، الجمعة 30 يوليو/تموز الماضي، بأن غرينلاند فقدت كمية هائلة من الجليد، يوم الأربعاء 28 يوليو/تموز، مع ارتفاع الحرارة بجميع أنحاء القطب الشمالي، حيث ذابت كمية تكفي لأن تغطي ولاية فلوريدا الأمريكية بطبقة من المياه بمنسوب 5.1 سنتيمتر.
حينها قال خافيير فيتوايس، عالم المناخ بجامعة لييج في بلجيكا، إن الكمية المفقودة يوم الأربعاء وحده تُقدر بنحو 22 ألف طن، تدفق منها 12 ألف طن في المحيط و10 آلاف طن امتصتها الكتلة الثلجية حيث يمكن أن تتجمد مرة أخرى.
العلماء لفتوا إلى أن الذوبان السريع للثلوج حدث بعد سقوط كتلة من الهواء الدافئ فوق الجزيرة الواقعة بالقطب الشمالي بفعل تغير في نماذج حركة الرياح بالغلاف الجوى، منوهين إلى وجود إمكانية لمزيد من التآكل في طبقة الثلوج.
جدير بالذكر أن ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند، التي تنتمي سياسياً إلى الدنمارك، رغم أنها جغرافيا جزء من قارة أمريكا الشمالية، يُعد أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع العالمي في مستوى سطح البحر، إذ يساهم بنحو 0.76 مم سنوياً من إجمالي نحو 3.5 مم سنوياً منذ عام 2005 حتى 2017.
يشار إلى أن غرينلاند تعني "الأرض الخضراء"، وباللغة الغرينلاندية تعني "أرض الناس"، إلا أنها في حقيقة الأمر ليست بالخضراء، إذ يغطي الجليد معظم مساحتها، كما أن كثافتها السكانية هي الأقل بالعالم.