هل طالبان 2021 مختلفة عن حكمها السابق لأفغانستان؟ الإجابة تقدمها صدمة التطورات الأخيرة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/08/16 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/17 الساعة 06:26 بتوقيت غرينتش
ممثلون عن حركة طالبان في مفاوضات السلام/ رويترز

تقارير كثيرة متضاربة يتم تداولها الآن بشأن ما يحدث في أفغانستان بعد أن عادت حركة طالبان إلى حكم البلاد مرة أخرى، فإلى أي مدى تتشابه الحركة اليوم مع ما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي؟

يمكن القول إنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، رسم صورة دقيقة ومطابقة للواقع عما يجري على الأرض فعلاً في أفغانستان في هذه الأيام التي شهدت زلزالاً سياسياً وعسكرياً بكل المقاييس، إذ سيطرت طالبان على البلاد في زمن قياسي أثار كثيراً من علامات الاستفهام ووضع إدارة الرئيس جو بايدن في مأزق حقيقي.

فمع وجود وفد من قيادات طالبان ووفد آخر ممثل للحكومة الأفغانية برئاسة الرئيس أشرف غني في العاصمة القطرية الدوحة، ووجود خليل زادة الممثل الأمريكي في المفاوضات، انتهت الأمور على الأرض بالهروب المفاجئ للرئيس غني ودخول طالبان القصر الرئاسي في كابول بسلاسة ودون إراقة للدماء، عكس ما كان يبدو متوقعاً.

طالبان تعود إلى الحكم

ومثلت عودة طالبان إلى الحكم بتلك الطريقة مادة دسمة للتحليلات، ذهب بعضها إلى مدى عمق الفشل الأمريكي المتكرر بصورة لافتة، منذ حرب فيتنام، وذهب البعض الآخر إلى استقراء ما يمكن أن يكون عليه حكم طالبان قياساً على الحقبة الأولى التي تولت فيها الحركة الحكم منذ 1996 وحتى أطاح بها الغزو الأمريكي عام 2001.

ونشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً في هذا الصدد، تناول الاختلافات التي طرأت على طالبان 2021 عن طالبان 2001، أعدته كاثرين فيليب مراسلة الصحيفة في أفغانستان.

ورصدت المراسلة في تقريرها ما رأت أنه تغيير كبير في كل ما يتعلق بطالبان، وبدأ هذا التغيير، من وجهة نظرها، منذ تلك الجلسة التي جمعتها مع عدد من مقاتلي الحركة قبل ما يقرب من 20 عاماً.

ففي إحدى ليالي نوفمبر/تشرين الثاني 2001، حيث سطعت سماء الصحراء فيها بالنجوم، جلست مراسلة صحيفة The Times البريطانية على أرضية كوخ طيني متداعٍ رفقة مجموعة من مقاتلي حركة طالبان الأفغانية في جلسةٍ دردشة عامة تناولت موضوعات متعددة.

عبد الغني برادر، رئيس المكتب السياس لطالبان والزعيم الفعلي للحركة الصورة ضمن وفد طالبان في مفاوضات الدوحة/الثاني في يسار الصورة، رويترز

وتقول المراسلة البريطانية إنه خلال هذا اللقاء، وبينما كان مضيفوها يوضحون تصوراتهم عن آخر الزمان ويسألونها عن معتقداتها، بدا لها واضحاً في ذلك الوقت أن صلة أفراد الحركة بالعالم الخارجي قد بدأت بالفعل في التطور.

كان ذلك قبل أيام قليلة من إزاحة طالبان من الحكم بعد أن هزمها تحالف من أمراء الحرب المحليين وتحالف قوات الناتو بقيادة القوات الأمريكية. وبدا وقتها أن الأفغان بات لهم سبيل للتطلع إلى المستقبل والمضي قدماً، وإن بثقة حذرة، بحسب تعبير المراسلة بعنوان "طالبان تعود إلى الحكم أغنى وأقوى وحتى أشد خطراً".

لكن بعد عقدين من اضطرابات لا تكاد تنقطع بلغت ذروتها بحملةٍ عسكرية خاطفة فاجأت البيت الأبيض وأعادت إلى الأذهان سقوط مدينة سايغون الفيتنامية وهزيمة الولايات المتحدة في عام 1975، ها هي طالبان تعود للسيطرة على معظم أنحاء البلاد ويُعلن مقاتلوها انتصارهم من القصر الرئاسي في كابول.

متى بدأ التغيير عند طالبان؟

عاد الأفغان لاستقصاء ماضي بلادهم الممزقة محاولين معرفة ما قد تأتي به عودة حكامهم السابقين، والخلاصة الجلية لهم أن النسخة الحالة من طالبان تبدو أغنى وأقوى وأشد خطراً من أي وقت مضى، بحسب تقييم مراسلة التايم البريطانية.

وبعد فوات الأوان، بدا واضحاً أن تحولاً زلزالياً كانت موجاته قد بدأت بالفعل تنبث في الحركة خلال الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ففي نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، بعد أن فقدت طالبان العاصمة كابول، ذهبت المراسلة البريطانية إلى قنصلية الحركة في مدينة كويته الباكستانية للحصول على تصريح لزيارة معاقلهم الأخيرة حول قندهار، الموطن الروحي للحركة وحيث أعلن إمام القرية البسيط الملا محمد عمر نفسه أميراً للمؤمنين في عام 1996.

ووقتها ذُهل مقاتلو الحركة وجحظت عيونهم عندما أدركوا أن القادم لزيارة معقلهم امرأة ورفضوا السماح للمراسلة بالدخول، غير أنهم سمحوا لها بإرسال مصوِّر ذكر بدلاً منها.

لكن بحلول نهاية ذلك الشهر قبل 20 عاماً، تبدلت مواقف طالبان فيما يتعلق بالموقف من المرأة، جنباً إلى جنب مع التغير الذي طرأ على رسائلهم. فمع انهيار إمارتهم، سمحوا بدخول أكثر من 100 صحفي غربي- رجال ونساء- لحضور مؤتمر صحفي، أعلن فيه المتحدث باسمهم، الذي كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة، انصراف البقية الباقية من حركة طالبان عن تأييد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، قائلاً إنه لم يعد موجوداً في أراضيهم.

أسامة بن لادن في أفغانستان منتصف الثمانينيات

وكان تصميم أمريكا على تصنيف جميع الأفغان إلى قسمين "إما معنا وإما علينا" من الأمور التي زادت الطين بلة وجعلت الرافض للوجود الأمريكي أكثر تشدداً. وبلا جدوى، توسل الرئيس الأفغاني الجديد وقتها، حامد كرزاي، الذي انضم إلى حركة طالبان في بدايتها قبل أن يغير ولاءه، إلى واشنطن ألا تخلط المقاتلين الأُميين الفقراء مع مقاتلي الحركة المعادين للولايات المتحدة عقائدياً وألا تنظر إليهم نظرة واحدة، بحسب تقرير الصحيفة.

كيف حافظت الحركة على وجودها وازدادت قوة؟

في المقابل، سرعان ما أدى ولوغ أمريكا المتزايد في مستنقع العراق بعد 2003 إلى إهمال الجهود لبناء مجتمع مدني قوي في أفغانستان. وتدريجياً، تنامت فلول طالبان وحشدت نفسها لتتحول إلى حركة مقاومة أكبر وأعقد وأوسع انتشاراً فيما عُرف باسم "طالبان الجديدة".

ويصف الخبراء الهيكل الجديد للحركة بأنه نظام تكيُّفي معقد، يقوم على تحالف متنوع ومرن من قوى متحدة معاً- ربما مؤقتاً- من أجل هدف واحد مشترك. وفي أواخر عام 2004، كان كرزاي يدَّعي أن الحركة قد انتهت بلا رجعة.

لكن واقع الأمر أظهر أن الحركة كانت قد بدأت مسيرة العودة بالفعل، وشرعت في حشد مجموعة من المنفيين المعادين للوضع القائم الجديد [الاحتلال الأمريكي للبلاد].

وكان كثير من المجندين الذين استعانت بهم الحركة في تلك المرحلة أفغاناً من المناطق القبلية الباكستانية التي يستعصم بها المطاردون من السلطات، وقد بدأ تمركزهم فيها خلال الكر والفر في حربهم مع الاتحاد السوفييتي، والتي انتهت بانتصار الأفغان في عام 1989.

القوات الأمريكية في أفغانستان، أرشيفية/ UsArmy

أقبل المنضمون الجدد على الانتماء إلى الحركة مدفوعين بمشاعر السخط على حكومة كرزاي الفاسدة العاجزة، متأثرين بالمناهج الدراسية في المدارس الباكستانية، وانضم بعضهم ببساطة من أجل الرواتب المرتفعة التي وعدتهم طالبان بها، بحسب تقرير التايمز.

وقال التقرير إن طالبان اعتمدت في تمويلها جزئياً على مصادر خارجية- منهم أثرياء من عرب الخليج-، ولكن أيضاً عدة مصادر دخل مربحة كانت طالبان قد عارضتها في أوقات سابقة لكنها اضطرت إلى تبنيها في وقت من الأوقات.

وإبَّان وجودها في السلطة، كانت طالبان قد حظرت زراعة الأفيون وتجارة المخدرات لأنها محرمة في الإسلام، بل إنها عملت مع الأمريكيين في "حربهم ضد المخدرات"، لكن تقرير الصحيفة زعم أن "ذلك تغيَّر"، مشيراً إلى عملية شنتها القوات البريطانية ضد طالبان في عام 2007، ووجد الجنود قرى تكدست أراضيها بأكوام من قرون وسيقان الخشخاش المجففة لاستخراج الأفيون في مناطق تابعة للحركة.

بيد أن التغيير لم يقتصر على ذلك، فقد كانت هناك تغييرات أخرى في النهج أيضاً. قبل عام 2001، كانت الحركة تعتبر التفجيرات الانتحارية أمراً محرماً في الإسلام. لكن بحلول عام 2003، تبنت الحركة ذلك النهج، وبدأت بالأهداف العسكرية ثم استهدفت من اعتبرتهم متعاونين مع الحكومة الموالية للاحتلال، من سياسيين وصحفيين، وغيرهم ممن يقول المعارضون للحركة إنهم كانوا يحاولون بناء مجتمع مدني جديد وينتقدون الحركة منهجياً.

طالبان اليوم ليست طالبان 2001

في عام 2001، كانت قلة من أفراد طالبان هي التي استوعبت ما جلبه تنظيم القاعدة عليهم بهجمات 11 سبتمبر/أيلول، لأنه لم يكن لدى أي منهم أجهزة تلفزيون أو وسائل اتصالات تُطلعهم على ما حدث في حقيقة الأمر.

أما اليوم، فتستعمل حركة طالبان الفيديو والراديو والإنترنت لإيصال رسائلها، وقد غمرت الصور التي سمحت بها طالبان هذا الشهر وسائل التواصل الاجتماعي لتنقل أخبار تقدُّم المقاتلين صوب كابول، والهدف إظهار أن المقاتلين مرحبٌ بهم من الشعب الذي يعتبرهم محرِّرين للبلاد.

وفي مشاهد أخرى، ظهر إسماعيل خان، أمير الحرب الذي هزمته الحركة في هرات الأسبوع الماضي، في مناقشات ودية مع مقاتلي طالبان، وهي رسالة هدفت إلى إقناع القوات الأخرى الموالية للحكومة بأنها تستطيع الاستسلام بأمان ودون خوف من انتقام الحركة.

حركة طالبان أفغانستان
حركة طالبان عادت للحكم في أفغانستان/ رويترز

مع ذلك، يسلط آخرون الضوء على ما يقولون إنه فظائع مروعة ارتكبتها الحركة، مثل إعدام جنود العمليات الخاصة الحكوميين في غزنة الأسبوع الماضي.

وتتوق الحركة الآن إلى الاعتراف الدولي الذي حُرِموه في الحقبة الأولى بسبب ما تعتبره الدول الغربية جرائمهم ضد النساء وإيوائهم لأسامة بن لادن. وتعكس تصريحات قادة الحركة الخاصة بالسماح للمرأة بالتعليم والعمل، وعدم اتباع سياسة انتقامية ضد معارضيهم أو السماح بأن تكون أفغانستان مصدراً لتهديد أي دولة أخرى، تغييراً جذرياً في تفكير الحركة، بحسب محللين.

لكن في نهاية المطاف يظل الحكم على ما إذا كانت تلك التصريحات الصادرة عن الحركة تعكس رغبة حقيقية أو قدرة على التغيير من أجل تحقيق هدف أن تحظى بقبول دولي واسع مؤجلاً إلى حين اختباره على أرض الواقع.

لكن الواضح أن الظروف الدولية الآن مختلفة هي الأخرى عما كانت عليه قبل 20 عاماً، فهناك الآن أطراف تتمتع بقدرٍ أكبر بكثير من المرونة عما كانت عليه أمريكا التي كانت أكثر هيمنةً على العالم في حقبة طالبان الأولى.

الصين، على سبيل المثال، حريصة بلا توانٍ على إحياء الخطط المتوقفة منذ فترة طويلة لتعدين النحاس من رواسبه الضخمة جنوب كابول. وأفغانستان مليئة بالموارد الطبيعية التي بالكاد استُغلت بسبب غياب الاستقرار، وبكين جائعة لابتلاع هذه الموارد.

ختاماً، أصبحت حركة طالبان بعد عشرين عاماً من حقبة حكمها الأولى أذكى بكثير في الترويج لسرديتها، لكن هل يعني ذلك تغيراً حقيقياً على الأرض ونهجاً آخر للتعامل مع النساء واستيعاباً أكبر لخصومِ الحركة ومعارضيها؟ هذا ما ستكشفه الأيام.

تحميل المزيد